قتل الجيش الجزائري قبل أسبوع نور الدين أبي الهمام قائد تنظيم "داعش" في قسنطينة شرقي البلاد. العملية التي قادها الجيش الجزائري بجبل الوحش بأعالي مدينة قسنطينة مكنت من قتل "أمير كتيبة الغرباء الموالية لتنظيم داعش". الجيش الجزائري عثر خلال العملية على مسدس شرطي كان المتشدد قد قتله السنة الماضية، مشيرة إلى أنه كان يخطط لهجمات بمدينة قسنطينة. وكانت الشرطة الجزائرية قد أحبطت في نهاية شهر فبراير الماضي هجوما انتحاريا لجندي انتحاري من عناصر "داعش" أمام مركز للشرطة في مدينة قسنطينة، بإطلاق النار على حزام ناسف كان يرتديه انتحاري. وكان تنظيم جند الخلافة الموالي ل"داعش" بالجزائر فقد أيضا في عمليات مماثلة عبد لمالك قوري في منطقة السي مصطفى وحباشي صادق المدعو "أبو دجانة" في عملية عسكرية بسكيكدة. "داعش" والحرب الدعائية والإعلامية على الجزائر والإسلام الأجندة الخفية بعد الجماعة الإسلامية المسلحة والجماعة السلفية للدعوة والقتال والقاعدة ببلاد المغرب هاهي ذي "داعش" أصبحت منذ أكثر من سنة الهاجس الأمني الأول في الجزائر. إن جهاز الاستخبارات ركز على هذا التنظيم تركيزا غير مسبوق بل وقد استحدث ملفات شخصية لكل فرد مشتبه به يحتمل أن يكون من أنصار "داعش" النشطين أو الداعمين بالجزائر أو في دول الجوار. أخذت مصالح الأمن الجزائري التهديدات الناجمة عن إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة دولة المسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد أبو بكر البغدادي على محمل الجد وباشرت تحريات واسعة لمعرفة مدى جاهزية عناصر التنظيم الجديد لاختراق بلدان مثل تونس وليبيا ومالي حيث الفوضى الأمنية تثير كل التوجسات. في حين يصدر المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي بالأردن، تقريرا يؤكد فيه أن نحو 500 جزائري يقاتلون في صفوف تنظيم ما يسمى "داعش" الارهابي بالعراق، إلى جانب 300 جزائري آخر يقاتلون في صفوف ما يسمى "جبهة النصرة" في سوريا أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" العروف بالاسم المختصر "داعش" عن قيام "الخلافة الإسلامية"، وبايع التنظيم زعيمه أبو بكر البغدادي "خليفة للمسلمين". إن هذين الخبرين يشكلان جنبا إلى جنب حدثا تتلقفه أجهزة المخابرات بالحذر والاهتمام الزائد إن لم نقل بالتوجس لأن الجهاد تحول لأول مرة من معاقل طالبان وقبائل وزيرستان إلى آبار النفط في قلب الشرق الأوسط مع نية التمدد غربا نحو الصحراء والساحل الافريقي إذ أن البغدادي حل التنظيمات الجهادية في دولة الخلافة وطالب الفروع الموجودة في العالم أن تنضم إليه وأن تنصره. البروز المفاجئ والمريب ل"داعش" بالجزائر الأمن يتحرى في مخاطر قيام "الخلافة الإسلامية" في الجزائر كان الناطق باسم "داعش" أبو محمد العدناني، قال في تسجيل له، إن "الدولة الإسلامية ممثّلة بأهل الحل والعقد من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى، قررت إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة دولة المسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد أبو بكر البغدادي، فقبل البيعة، وصار بذلك إماماً وخليفة للمسلمين". وكان البغدادي تحول الى ظاهرة مع إعلان قيام التنظيم في العراق، بعد انشقاقه عن تنظيم "القاعدة" وزعيمه ايمن الظواهري وهنا تطرح تساؤلات أكبرها: هل سينضم عبد المالك دروكدال إلى البغدادي؟ وهل سينصر مختار بلمختار الدولة الاسلامية ويضع يده على يد المبايعين؟ إن الاجابة عن السؤالين من الأهمية بمكان إذ أن انضمامهما إلى البغدادي سيشعل النفط في الصحراء والساحل ويمد البغدادي بما لم يكن في الحسبان ولا حلم به يوما. غير أن هذا محل نظر إذ المعروف عن أمير تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وأمير "الملثمين" و"الموقعون بالدماء" والمرابطون" في رقبتهما بيعة لأيمن الظواهري مع قرب المشرب منه والوفاء له. ويبقى السؤال الآخر المحير كم عدد الجزائريين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم ما يسمى "داعش" إلى جانب الذين يقاتلون في صفوف ما يسمى جبهة النصرة" وعددهم قد يقارب الألف في سورياوالعراق وحدهما. المركز العربي للدراسات والتوثيق المعلوماتي بالأردن أوضح أن الأغلبية تتخذ من الأراضي التركية أو الليبية وحتى القطرية نقطة عبور لدخول العراق. واستند التقرير المهتم برصد حركة ما يسمى "الجهاديين" في سوريا، إلى أرقام مؤسسة الأسوار للدراسات الأمنية والعسكرية التونسية، وفقا لعدد من الخبراء في مجالات الأمن والجماعات المسلحة. داعش" في الجزائر.. لا صوت ولا صورة جاء في مقال تحليلي جيد في "العربي" : أعاد إعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) تبنيه لمحاولة تفجير انتحاري استهدف مركزا للأمن وسط مدينة قسنطينة، بعد تبنيه لاغتيال شرطي في نفس المدينة في شهر أكتوبر الماضي، طرح تساؤلات عن حقيقة تواجد خلايا موالية لتنظيم "داعش" في البلاد، وما إذا كان التنظيم يحاول حجز مكان له وسط الجماعات المسلحة في الجزائر. وكان تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، حتى سبتمبر/أيلول 2014، التنظيم المسلح الوحيد الذي استمر بنشاطه في الجزائر، بعدما نشأ على أنقاض الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وبعد أن انذثرت تنظيمات صغيرة كتنظيم "حماة الدعوة السلفية"، الذي كان نشاطه محدودا في منطقة الغرب الجزائري. وفي هذه الفترة كان تنظيم "داعش" يتمدد في عدة دول، بما فيها الدول التي لم تكن تشهد "أنشطة إرهابية"، لكن الصراع المعلن بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" انعكس على ساحة التنظيمات المسلحة في الجزائر أيضا، حيث شكلت سيطرة تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، في العقد الأخير، على ساحة نشاط الجماعات المتطرفة في المنطقة، عائقاً أمام بروز تنظيمات أخرى كتنظيم "داعش". ومقارنةً بالدول التي شهدت وجود تنظيمات فرعية موالية ل"داعش"، فالجزائر لم تعرف وجوداً ل"داعش" حتى سبتمبر/أيلول 2014، حين أعلنت مجموعة مسلحة محدودة العدد كانت تنتمي إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" انشقاقها عن التنظيم بسبب ما وصفته ب"حياد التنظيم عن النهج الجهادي"، لتعلن عن تأسيس تنظيم "جند الخلافة"، وتعلن عن موالاتها لتنظيم "داعش" ومبايعتها زعيمه أبو بكر البغدادي. ولم يمر أكثر من أسبوعين على إعلان "جند الخلافة" الانشقاق عن "القاعدة"، حتى نفّذ التنظيم أول عملية له في منطقة البويرة (120 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية)، إذ أقدم في أكتوبر/تشرين الأول عام 2014 على اختطاف الفرنسي، هيرفي غوردال، الذي كان يقوم بتدريب رياضيين جزائريين في رياضة تسلق الجبال، قبل أن يعلن "جند الخلافة" عن إعدامه في وقت لاحق، في طريقة كانت تحاول محاكاة طريقة تنظيم "داعش" في إعدام رهائنه. لا سبيل للتموقع بالساحل إلا بالتحالف مع القاعدة هل يرضى تنظيم "داعش" مبايعة أبي الهمام؟ محاولة "داعش" التمدد في الساحل الإفريقي متواصلة بعد الهزائم في العراقوسوريا وليبيا. غير أن هذه المحاولات لا يظهر منها أنها تنجح لأن القاعدة تبقى اللاعب القوي في إفريقيا ولا سبيل ل"داعش" التمدد بإفريقيا عوما والساحل الإفريقي على وجه الخصوص إلا بالمرور على تنظيم أبي الهمام. ولكن هل يرضى أبي بكر البغدادي الرضوخ لأيمن الظواهري بعد الملاسنة التي كانت بينهما وخاصة بعدما أعلن الظواهري أن البغدادي ليس له الحق في إجبار الناس على الاندماج إلى تنظيمه. صحيح أنه قبل سبعة عشر شهرا، أعلنت كتيبة "المرابطين" في شمال مالي عند الحدود مع الجزائر مبايعة أبي بكر البغدادي زعيم "داعش". لكن التنظيم اختار هذا التوقيت بالذات لنشر فيديو يُظهر قائد المرابطين المدعو "ابو الوليد الصحراوي" معلنا البيعة والاحتفاء بالفرع الجديد بصفته أحد أعمدة دولة الخلافة في أربع دول هي: ليبيا، الجزائر، تونسومالي، بحسب ما نشر أنصار التنظيم على شبكات التواصل. غير أنه سرعان ما رجع "المرابطون" إلى أحضان القاعدة بعد إعلان الاجتماع بين بلمختار وأبي الهمام. حاول "داعش" بعدها الاقتراب من تنظيمات في غرب إفريقيا وشمالها أحد أهم البقع الجغرافية التي تتناولها سيناريوهات مراكز الأبحاث العالمية كملاذ ل"داعش" بعد انهيار عاصمتيه في الموصل والرقة، خاصة وأن التنظيم يضم في صفوفه الاف المقاتلين من دول المغرب العربي، ما يضمن حرية حركة واسعة لهم عند حدود دول المنطقة كما عند الحدود الليبية التونسية على سبيل المثال؛ وهي حدود غير مقدور ضبطها نظرا لطول امتدادها. هنا أيضا المحاولات باءت بالفشل لا سيما في الجزائر حيث أن التنظيم دمر مرتين على يد الجيش المرة الأولى لما قتل الغوري والثانية بعدما قتلت مجموعة كبيرة أعلنت الولاء ل"داعش". فماتت "داعش" في بيضتها ولم يكتب لها التمدد. وبعد إعلان بوكو حرام في نيجيريا مبايعة "داعش" العام الماضي، وقبله تنظيم "حركة شباب المجاهدين" في الصومال، يبدو أن التنظيم يتجه الى التحالف مع خلايا أصغر حجما ك"المرابطين" لاستكمال انتشاره في عدة دول افريقية والتسلل الى سواحل أوروبا، معتمدا على ثلاثة عناصر رئيسية تشترك بها القارة السمراء: كل هذا يجري على مرأى من "أفريكوم"؛ القيادة المركزية للقوات الأمريكية في إفريقيا والتي أنشأتها واشنطن في العام 2007، أي قبل ظهور "داعش"، بذريعة مكافحة الارهاب، لكن التقديرات والتحليلات كما تقارير الأمن القومي الأمريكي تجمع على أن الهدف منها: أولا: تعزيز التبادل التجاري الأمريكي – الافريقي الذي تراجع بفعل الحضور الصيني، خاصة في مجال التسليح. ثانيا: ارتفاع اعتماد الولاياتالمتحدة على النفط الإفريقي حتى بات يتجاوز الواردات الأمريكية من نفط دول الخليج العربي. في المحصلة؛ فإن محاولة "داعش" التمدد في إفريقيا من شأنه أن يدفع بدول القارة الى الاستعانة أكثر بالقدرات الأمريكية الموجودة منذ سنوات فيها. "داعش" .. الوحش صنيعة الغرب التعبئة في العراق تنبئ بتحول الدولة الإسلامية إلى المغرب العربي والساحل التعبئة الكبيرة التي يتحملها الغرب لمساعدة العراق لإخراج فلول "داعش" من الموصل ونينوى وغيرهما أمور تنبئ بتحول استراتيجي للخارطة الأمنية وذلك بتنقل تنظيم الدولة الإسلامية إلى المغرب والساحل مرورا بالفزان الليبي. هذه الخارطة الأمنية هي الآن حيز التطبيق مع هروب القيادات "الداعشية" من العراقوسوريا وتمركزها في مصر ثم بالفزان الليبي. إلا أن المقام في مصر لن تقبل به إسرائيل في ظرف علاقاتها مع القاهرة متميزة. وأما المقام بالفزان الليبي فلن يعمر طويلا لأن فوات التحالف في طريقها لهزيمة فلول "داعش" هزيمة نكراء. هذا من الناحية الميدانية. وأما من الناحية التخطيطية ففي السابع عشر ديسمبر أربعة عشر وألفين نظمت لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة الفرنسية اجتماعا لمناقشة جدوى استمرار "عملية شمال" العسكرية بالعراق من عدمها. وكان الاجتماع يترأسه "جون بيار رافاران" واستمعت اللجنة لتدخلات وزراء وخبراء أمنيين وعسكريين متقاعدين وجامعيين منهم الجنرال هنري بنتيغا قائد أركان الجيش السابق والجنرال ديديي كاستر نائب قائد الاركان العملاتية و"هيبير فدرين" وزير الشؤون الخارجية الأسبق و"فنسان دي برت" الأستاذ في العلوم السياسية بباريس وكذلك "جون إيف لودريان" وزير الدفاع الحالي. وكان تدخل "فنسان دي برت" الجنرال السابق والأستاذ في العلوم السياسية بباريس قد أربك الجميع وأزعج وزير الدفاع لما قال مباشرة لما أتيحت له فرصة الكلام وإسماع رأيه:" من الذي أنشأ أو ساعد على إنشاء هذا الوحش المسمى ب"داعش"؟ ينبغي الجواب على هذا مبشرة لما يترتب عليه من نتائج: إنها الولاياتالمتحدةالأمريكية. صحيح أن هنالك أطرافا أخرى من أجل مصالح سياسية آنية أو بالتواطؤ غير المعلن ساعدت على إنشاء وتقوية 'داعش". غير أن أول المسؤولين على ذلك الوحش هم بلا شك الولاياتالمتحدةالأمريكية. إنه اليوم يرعب العالم وهو اليوم في تمدد وارتفاع مع ما لديه من قدرة على الانتشار والجاذبية. غير أنه يبقى عرضة لهشاشة بالغة تكون بلا شك سبب انهياره وفنائه.