الوقت يسير بوتيرة سريعة ولا يسمح بالمزيد من التأخر – الوقت لا يحايد فإنه إما صديق ودود أو عدو لدود لا سيما في مجال الإقتصاد لذلك تعين على المسيرين والحكام وأرباب الصناعات أن يجعلوه من جانبهم. ومع انكفاء الأسعار في السوق النفطية وتراجعها بما لن يسمح بعد هذا للاتكال عليها في تسيير بلد بحجم الجزائر تداركت الدولة أن الوقت حان لتنويع الاقتصاد والتعويل على القطاعات الأخرى الأقدر على ضمان احتياجات السوق الداخلية واختراق الأسواق الخارجية. البداية من القطاع الأولي الزراعة على رأس الأولويات من هذه القطاعات التي وعدت ووفت ببعض وعودها قطاع الزراعة الذي تملك الجزائر من خلاله الضمان لاكتفائها الغذائي وإن تم استثمار كل طاقاتها فإنها تعد باختراق الأسواق الدولية. فالمسلم به أن الدولة التي تضمن اكتفاءها الغذائي فقد ضمنت سيادتها السياسية والأمنية وراحتها الاجتماعية والداخلية. ومن لم تضمن اكتفاءها الغذائي فقد وقعت في يد من سيملي لها سياساتها وتسيير شؤونها الداخلية. يقسم القاموس الاقتصادي القطاعات إلى ثلاثة أساسية وهي: القطاع الأولي – وهو إنتاج وتوفير الموارد الطبيعية من زراعة وغذاء والموارد الطبيعية - فالقطاع الأولي يتضمن استرداد المواد الخام، مثل الذرة والفحم والأخشاب والحديد، وإنتاجها. من أمثلة العاملين في القطاع الأولي الفلاحون والصيادون وعمال المناجم. القطاع الثاني – وهو الصناعات والتصنيع وتحويل الموارد الطبيعة إلى منتوجات ويشمل تحويل المواد الخام أو المواد الوسيطة إلى سلع، مثل تصنيع السيارات من الصلب، أو الملابس من الأنسجة. ومن أمثلة العاملين في القطاع الثانوي عمال البناء. القطاع الثالث – وهو قطاع الخدمات – وفيه خدمات ملحقة بالقطاع الأول الزراعي ومنها خدمات ملحقة بالقطاع الثاني الصناعي فالقطاع الثالث يتضمن تقديم الخدمات للمستهلكين والشركات، مثل صناعة الألعاب وتسلية الأطفال، والسينما، والبنوك. (من أمثلة العاملين في القطاع الثالث الفنانون والكتاب والسائقون وأصحاب المتاجر. ومنها الخدمات بمعنى الفضلات قد تكون ذات أهمية في قيام الدول ونهوضها وقد تكون غير ذات قيمة كبيرة إلا الكماليات والزوائد. هذا التقسيم معروف لدى الأمم منذ نشأة البشرية ولم يحدث علم الإقتصاد شيئا جديدا في الباب فلو رجعنا إلى كتاب "البركة في السعي والحركة" وهو كتاب فريد من نوعه ألفه محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي من علماء القرن الثامن هجري لرأينا التقسيم ذاته يجعل من الزراعة أم الاقتصاد وعماد نهوض الأمم أو قعودها. واستند الاقتصاد القديم بشكل أساسي على زراعة الكفاف أي ما يكفي المجموعة والشعب فإذا حصل لهم الكفاف صاروا قوة واستطاعوا التقدم إلى الصناعات الأخرى. ضرورة ترقية القطاع الزراعي وأهمية تطوير المنتوج الفلاحي الوطني من اقتصاد الريع إلى اقتصاد قيمة العمل الحضارية لقد استطاعت الجزائر أن تسطر لها برنامجا قيمت فيه أولوياتها في المجال الزراعي. ودعت الحكومة إلى إحداث ثورة في القطاع الفلاحي. حيث دعا الوزير الأول إلى النهوض بقطاع الفلاحة وإحداث ثورة في هذا القطاع الحيوي. وشددت الحكومة أيضا على ضرورة ترقية القطاع الزراعي وعلى أهمية تطوير المنتوج الفلاحي الوطني وتنوعيه ووضع استراتيجية لتسويقه. ولكن يبقى من أولويات القطاع أن ترتقي بمنتوجها وأن يكون المنتوج الزراعي الوطني يتطابق مع المقاييس العالمية للتصدير بما يسمح بالتأقلم مع متطلبات السوق العالمية ولن يتم هذا إلا بالتحكم في آليات التسويق العالمية وهذا ما يدعو قبل هذا وذاك إلى معرفة كاملة ودقيقة بمتطلبات السوق العالمية. غير أن للقطاع الزراعي استراتيجات ينبغي التفطن لها والعمل بمقتضاها مثل الاستثمار في الصحراء بعد النتائج الكبيرة التي حققتها مناطق مثل بسكرة والوادي وأدرار وغيرها. وكذلك التفكير في تعميم النتوجات التي تتحمل حرارة كبيرة ومناخا حارا لأن الدراسات الجيولوجية أثبتت أن المناخ المتوسطي ذاهب إلى مزيد من الحرارة. أكثر الدول الأوروبية القريبة من الجزائر ترى أن مواردها الطبيعية قد تصل إلى نهاياتها بعد قليل وأنها لابد ذاهبة إلى الاتكال على جيرانها من المغرب – فالجزائر لها مكان في هذا المجال إذ أن قيمة المبيعات الفلاحية تصل إلى مليارات الدولارات كل سنة وكانت الجزائر بالأمس القريب والبعيد خزان الدول الأوروبية وثلاجتها الغذائية كما كانت عليه مثلا إبان روما القيصرية. ليتاف أو المعهد التقني لأشجار الفواكه والكروم من بين الآليات العلمية والعملية في آن واحد التي وضعتها الدولة لمصاحبة المزارعين ومحترفي قطاع الفلاحة. تدني الأسعار النفطية يكشف المستور عدم نهوض قطاع السياحة بواجباته في الوقت الذي تبحث الجزائر فيه عن موارد مالية إضافية لتغطية العجز الناجم عن خسائر المحروقات يعد تدني أسعار النفط للحد الأدنى من المدنية أن نحافظ على طبيعة المدن الساحلية السياحية وجاذبية مثل دلس وتيغزيرت وشرشال وتنس وبجاية والقالة وغيرها. إن الله منحها بهجة وحسنا وآثرتها الطبيعة بمناظر تستهوي قلوب السائحين من كل فج عميق. فكيف ونحن لم نستطع أن نجعل منها مزارا للأجانب عمدنا إلى تدميرها والحط منها بجهالة وسوء تدبير للأمور ولا وعي يشبه أن يكون إجراما بحق مدن كانت بالأمس قبلة للسائحين والزوار يأتونها من الداخل والخارج ويدرون على الأهالي وعلى خزينة البلدية والدولة ملايير اليورو سنويا؟ السياحة في البحر الأبيض المتوسط أكبر وجهة سياحية في العالم والجزائر لها 1600 كلم من السواحل البحرية والشواطئ التي تجذب بطبيعتها وتاريخها السياحة الدولية ويمكنها أن تنسي البلاد مآسي انهيار أسعار السوق التفطية. لا ننسى أن وزن السياحة في البحر الأبيض المتوسط الاقتصادي ثقيل فقد تولد هذه السياحة المتوسطية سنويا مائتي مليار يورو كان على الجزائر أن تنال منها على الأقل عشرات مليارات يورو عوضا من أن تخرج كل سنة وكل صيف صفر اليدين. كما أن السياحة في البحر الأبيض المتوسط تنشئ ما يقارب الخمسمائة ألف منصب عمل دائم ومباشر في بلد مثل تونس أو اليونان - وتشكل جموع السياح التي تأتي لقضاء العطلة والاستجمام مصدر رزق هام لسكان البحر المتوسط. كيف يتاح في الجزائر لمسؤولين لا حظ لهم من التسيير ولا حس لديهم من المدنية ولا الحضارة ولا الثقافة التاريخية والسياحية أن يلعبوا بمدن تعد من التراث الجزائري والإنساني؟ بل كيف يسمح لبعض أشباه رؤساء البلديات أن يضعوا الرفيع ويرفعوا الوضيع ويقدموا الخبر ويؤخروا رؤوس الناس والمسائل ليخربوا ما تبقى من الجاذبية للبلاد ثم نذهب نشير بالأصابع إلى المؤامرات الخارجية واستهداف الجزائر؟ السياحة وثقافة السياحة تدور في نقطة الصفر ممثلون للشعب في حضيض التفكير الحضاري إن الجزائر تمر بأزمة لا سابق لها في سالف عهدها والقطاعان اللذان تعهدا بإخراج البلاد من الأزمة هما اثنان لا ثالث لهما: الزراعة والسياحة. أما الزراعة فإنها وحدها لا تكفي لتغطية حاجات البلاد. وأما السياحة فإنها تدور في نقطة الصفر. إذا نظرنا إلى خمسة ملايين سائح سنويا إلى تونس وثلاثة ملايين سائح إلى المغرب فإننا لا نجد ما نقول بصفة جادة. لا مجال إلى التستر ولا إلى التخفي من حقائق واضحة للعيان لا يساجل فيها إلا مكابر. فالمغاربة والتوانسة لهم مسؤولين أكثر إيغالا في الثقافة السياحية والجزائر مسيروها لا يقدرون على تسيير عائلاتهم فتتاح لهم المدن والبلديات ليعيثوا فيها فسادا من دون دفتر شروط ولا أهداف تسطرها لهم الدولة مسبقا. إن تسيير مدينة مثل شرشال أو دلس أو القاله – وهي مدن سياحية بامتياز – ليس كتسيير مدن في تيسمسيلت أو آفلو أو ضاية لبخور الداخلية. إنها مدن جذبت السائحين منذ القدم ولها ثقافات خاصة ونوعية من الناس ممن يؤمونها للمزيد من التثقيف والتحضر والتمدن. مدن مثل هذه ينبغي على الدولة أن تضع لها دفتر شروط يلتزم به رؤساء البلديات. لقد عرفنا صاحب مقهى في حي شعبي بالعاصمة يتولى منصب "مير" ورأينا أيضا بائع خضر ومسوق قازوزة وعون أمن يصبحون "أميار" في بلديات جزائرية ولكن على الدولة أن تنتقي وتشترط في تنصيب "أميار" المدن ذات الأهداف الإستراتيجية التي يمكنها أن تدر أموالا طائلة لخزينة الدولة كل صيف. هل أن إمام مسجد يصلح أن يصبح ميرا في مدينة ساحلية يؤمها السياح الأجانب؟ طبعا لا. هل أن واحدا ممن كان يسكب القهوة للزبائن أن يسير بلدية استراتيجية مثل الجزائر العاصمة أو شرشال أو تيغزيرت؟ لا أيضا.