لم يسبق أن شكل العالم الافتراضي ساحة معركة انتخابية حامية الوطيس مثلما هو الحال خلال المحليات المقبلة، إذ تعرف الأحزاب السياسية ومترشحي المحليات المقبلة المقرر إجراؤها في ال23 نوفمبر الجاري، بعد أسبوع واحد من انطلاق الحملة الانتخابية حراكا سياسيا لافتا ومشهدا حزبيا واسع النطاق على صفحات الفايسبوك، وهذا من أجل التواصل والتفاعل مع رواد الفضاء الأزرق لاستقطابهم وإقناعهم بالتصويت لصالحهم، في ظل غياب شبه تام للعمل الجواري بسبب الأزمة المالية التي تعيشها الجزائر والتي ألقت بظلالها على المترشحين للمجالس البلدية والولائية في تمويل حملاتهم الانتخابية. ومن خلال جولة استطلاعية قامت بها "السلام" إلى معظم بلديات العاصمة لاحظنا خلال الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية للمحليات المقبلة، غياب تام للملصقات الإشهارية الخاصة بمترشحي قوائم الأحزاب السياسية في المساحات المخصصة لها. وبدت المساحات المخصصة للملصقات الانتخابية شبه فارغة، حيث لم تضع أغلب الأحزاب والقوائم التي تخوض غمار هذه الاستحقاقات ملصقاتها الإشهارية، وهذا إن دل فإنه يدل على أن المترشحين الراغبين في دخول غمار المحليات المقبلة عاجزين على ضمان تأمين مصاريف حملاتهم الانتخابية، بل تحول التمويل أكبر هاجس يؤرق نشاطهم السياسي، وعليه نجد أن سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة، نظرا لتدهور أسعار النفط طغت على حملة الانتخابات المحلية، ما جعل مترشحي الاستحقاقات المقبلة لا يستطيعون حتى توفير الملصقات التي يروجون من خلالها لقوائمهم الانتخابية، ما دفع بهم إلى فتح صفحات على الفضاء الأزرق تتصدّرها صورهم وأرقامهم في ورقة الانتخاب، فضلاً عن برنامجهم وعملهم الميداني المزعوم وزيارات لهم في أحيائهم ولقاءاتهم بالمواطنين في الشوارع والمقاهي، مدعومة بمجموعة من الصور والفيديوهات، وهذا كون "الفايسبوك" يضمن مساحة حقيقية للوصول إلى أكبر شرائح المجتمع وإقناعهم بضرورة التوجه إلى الاقتراع وكسب ودهم أيضا، إضافة إلى كل هذا أن استعمال الفضاء الأزرق لا يكلف المترشحين مصاريف إضافية أو أعباء مالية، وإن استلزم الأمر فإنه يكلفهم تكلفة فاتورة الأنترنت فقط، ولهذا بات استغلال مواقع التواصل الاجتماعي واقعا مفروضا وواجهة لمعركة افتراضية شرسة بين مختلف المترشحين وقادة الأحزاب، رهانها الأول حصد أكبر قدر ممكن من الأصوات في أوساط رواد الأنترنت، خصوصاً في أوساط الشباب المعروف عنه العزوف السياسي ومقاطعة الانتخابات على الرغم من أنه يمثل في الوقت ذاته أكبر وعاء انتخابي. وما يعاب على استعمال المترشحين للفايسبوك أن برنامجهم الانتخابي يبقى غير مقنع وسطحي ولايعالج الملفات الفعلية التي تهم الناخبين، كما أن خطاباته تبدو متملقة ومتزلفة وغير مقنعة إلى حد بعيد، وهذا يرجع بالأساس إلى الضعف الدعائي للأحزاب والمرشحين، كون الحملات الإلكترونية غالباً ما يقودها أشخاص لا علاقة لهم بالتسويق السياسي الإلكتروني المطلوب في هذه الظروف، هدفهم فقط تلميع صور مترشحيهم وأحزابهم في ظل غياب استراتيجيات مضبوطة في هذا المجال، ما يجعلها تلاقي بالسخرية والاستهزاء، من طرف رواد الفايسبوك، ويمكن القول، من خلال ما سبق، إنه بات جليا أن الشبكات الاجتماعية ليست كافية وحدها لتحقيق الفوز، والتغاضي بالمقابل عن العمل الجواري، وهو ما يطرح لدينا السؤال التالي: كيف يمكن لهيئة دربال أن تراقب التجاوزات التي يمكن أن تحدث خلال الحملة الانتخابية، وأغلبية المترشحين يمارسون نشاطهم السياسي على الفايسبوك؟.