يسجل الطابع العمراني بالعاصمة مجموعة من الظواهر السلبية تعكس وضعية متأزمة تنخر واقع السكن والعمران بها، والتي دفعت المئات من العائلات العاصمية التي تئن تحت وطأة ضائقة السكن إلى البحث عن المتنفس من خلال الارتماء وسط حلول بديلة تؤمن لها سكنات مؤقتة تقيها من حياة التشرد وافتراش أرصفة الشوارع. كما شكلت وضعية السكن المحرجة المبرر للعديد من العائلات من أجل الإقدام على تشييد بنايات فوضوية بصورة عشوائية لا تراعى فيها معايير السكن اللائق في ظل غض الطرف من طرف الجماعات المحلية التي عجزت عن سد كافة احتياجات مواطنيها من السكن، وبذلك استفحلت خلال العشريتين الأخيرتين، وكنتيجة لأزمة السكن ظواهر عديدة شوهت النسيج العمراني للعاصمة كما هو الشأن بالنسبة إلى انتشار البيوت القصديرية على حواف الأودية كالفطريات، فضلا عن تمكن المئات من الأسر من احتلال أسقف وأقبية العمارات بالقوة أو بعد اكتساب تعاطف قاطنيها، وهو الأمر الذي يسجل على مستوى أحياء سكنية عديدة ببلدية باب الزوار على غرار العديد من بلديات العاصمة. تتخذ أزيد من 600 عائلة موزعة عبر أحياء «الجرف»، «الصومام»، «خمسة جويلية»، «08 ماي 1945» المعروف بسوريكال من أقبية العمارات سكنات لها بالرغم من افتقادها لأدنى مقومات وشروط السكن اللائق الحافظ لصحة الفرد وكرامته، وهو الواقع المرير الذي وقفت عنده يومية «السلام اليوم» خلال الجولة الاستطلاعية التي قادتها إلى حي «الصومام» الذي تحتضن أقبية العمارات المشيدة به حوالي 48 عائلة منذ أكثر من عشريتين من الزمن، دون أن تلتفت السلطات المحلية لمعاناتها وتأخذ شكاويها ومطالباتها العديدة بإعادة الإسكان محمل الجد بالرغم من الوعود الكثيرة التي كان يطلقها المسؤولون المحليون الذين تعاقبوا على رئاسة المجلس الشعبي البلدي المحلي. عائلات تتقاسم الأقبية مع الجرذان وتزاحم أنابيب قنوات الصرف تتخبط العائلات القاطنة بأقبية حي الصومام وسط ظروف اجتماعية مزرية حولت حياة أفرادها إلى جحيم حقيقي ينم على حياة بائسة نتيجة طبيعة السكن غير اللائق الذي يأوي أفرادها، والذي لا يصلح إلا أن يكون مستودعا تحت الأرض لتخزين الأشياء البالية والقديمة كما هو الأصل من وجود الأقبية بالعمارات التي تدخل في رسم المخططات الهندسية للبنايات المتعددة الطوابق من أجل حمايتها، وبغية السماح بتثبيت شبكات المياه وقنوات الصرف الصحي وأنابيب الغاز وسط مكان آمن، لكن وعلى النقيض من ذلك ارتأت العائلات التي احتضنتها أقبية عمارات الصومام كما هو الحال بالنسبة للأحياء الأخرى بباب الزوار السالف ذكرها، إلا أن تزاحم أنابيب قنوات صرف المياه القذرة هربا من أزمة السكن، حيث تتقاطع الأسباب والطرق التي دفعت العائلات إلى السكن بالأقبية التي تمكث بها منذ سنوات طويلة تصل إلى عشرين سنة وخمس عشرة سنة بالنسبة للبعض دون أن تستفيد من عمليات إعادة الإسكان بالرغم من المراسلات العديدة المرفوعة من قبل السكان إلى الجهات المعنية سواء بلدية باب الزوار أو المقاطعة الإدارية للدار البيضاء، كما لم تشفع لهؤلاء مناشداتهم للوصاية بالتدخل من أجل تسوية وضعياتهم بغية الخروج من مسلسل حياة الأقبية العويصة التي تطبع يومياتهم داخل سكنات تشبه جحور الجرذان كما وصفها «بن عزيز عباس» رئيس لجنة أقبية حي الصومام في حديثه إلى يومية «السلام اليوم». وفي ذات السياق، تشهد هذه الأقبية التي ترتفع عن سطح الأرض بأقل من المتر غيابا لأدنى الشروط الضرورية للعيش الكريم والآمن، حيث يعيش شاغلوها أوضاعا اجتماعية عصيبة نتيجة افتقاد سكناتهم لعوامل التهوية والتعرض لأشعة الشمس والضوء، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع درجات الرطوبة بها، وبالتالي اضطرار العائلات إلى التعايش مع الروائح الخانقة المنبعثة من شدة الرطوبة، فضلا عن اضطرارها إلى التغيير المستمر لأماكن أثاث البيت تجنبا لغزو الأمطار الجدران والأسقف. كما يختلف حجم المعاناة وقسوة الظروف المعيشية داخل الأقبية من عائلة إلى أخرى، حيث كانت القدرة المادية سببا في تجنب البعض لجانب كبير من المشاكل، فيما كانت سببا لهلاك بعض أفراد العائلات الأخرى نتيجة عجزها عن إدخال الحد الأدنى من الترميمات والتحسينات الكفيلة بجعل تواجدها داخل الأقبية أكثر أريحية، حيث تصارع هذه الفئة الأخيرة حياة أقل ما يقال عنها أنها بائسة، لا تمت بصلة إلى الإنسانية نتيجة الحالة المتدهورة التي توجد عليها سكناتها وبسبب افتقادها لأهم الأساسيات الحياة، فضلا عن تقاسمها في حالات كثيرة للمكان مع أنابيب قنوات صرف المياه القذرة التي ترتفع بالشكل الذي يعيق حركتهم بالداخل. وفي ذات الشأن تنتشر الحشرات الضارة والجرذان وسط الأقبية في مشهد أصبح اعتياديا بالنسبة للسكان الذين عجزوا معه عن إيجاد الحلول الكفيلة للتخلص منها والوقاية من شرها، حيث كانت عظات الجرذان سببا في فقدان إحدى السيدات القاطنات بالأقبية لحياتها منذ حوالي السنتين، وهو الخطر ذاته المحدق بأفراد العائلات الثمان والأربعين المقيمة بأقبية حي الصومام. فيضانات وتسربات متكررة للمياه القذرة يعتبر فيضان وتسرب المياه القذرة بصفة متكررة من أنابيب الصرف المتشعبة وسط الأقبية من المنغصات التي تعكر صفو حياة العائلات القاطنة بأقبية حي الصومام بشكل مستمر، خاصة خلال موسم تساقط الأمطار، أين تعظم معاناتهم وتشتد معها حدة تسربات المياه سواء من داخل الأقبية وحتى من المحيط الخارجي بالنظر إلى الارتفاع القليل للقبو عن سطح الأرض، وهي المعاناة التي سردت لنا تفاصيلها بعض العائلات التي تقربت يومية «السلام اليوم» للحديث إليها،حيث أعرب محدثونا عن تضايقهم وانزعاجهم الكبيرين من ظاهرة فيضان المياه القذرة على منازلهم بشكل مفاجئ، والتي تستدعي في كل مرة تدخل أعوان التطهير التابعين إلى بلدية باب الزوار، كما حدث مؤخرا مع إحدى العائلات التي تفاجأت بسيول المياه القذرة تغزو مسكنها، كما أوضحت لنا العائلات أنها فضلا عن الفيضانات المرتبطة بتسرب المياه القذرة من الأنابيب، تتسبب الثقوب والتآكلات العميقة التي تشهدها أرضية وأسقف الأقبية في تسرب المياه، وهو الواقع الذي وقفت عنده الجريدة خلال الزيارة الميدانية التي قادتها إلى عين المكان، من جانب آخر، تشتكي العائلات من انبعاث الروائح الكريهة من أنابيب الصرف والثقوب التي تعتري الأرضية. أمراض تنفسية وأخرى مزمنة مصير سكان الأقبية نتيجة للظروف المعيشية غير الصحية التي تميز حياة قاطني الأقبية بحي الصومام، تعددت الأمراض التي أصيب بها أفراد العديد من العائلات، والتي كانت سببا في وفاة البعض، حيث تنتشر الأمراض المزمنة كالحساسية والأمراض الصدرية بينهم بشكل كبير بسبب الرطوبة العالية وغياب التهوية عن مساكنهم، فضلا عن معاناة البعض الآخر من مضاعفات صحية أخرى تختلف شدة خطورتها، وأمام الوضعية الصحية المتدهورة لأفراد العائلات المقيمة بالأقبية بسبب ظروف السكن غير اللائق، وجد الكثير منهم نفسه عاجزا حتى عن تغطية مصاريف العلاج التي زادتهم عناء. لسكان يهددون بالتصعيد والسلطات المحلية تعجز عن إيجاد الحل بالرغم من أن ظاهرة احتلال العائلات لأقبية العمارات ببلدية باب الزوار تعود إلى سنوات طويلة، إلا أن السلطات المعنية فشلت في القضاء عليها وتحرير الأقبية من السكان الشاغلين لها، حتى يتم استغلالها في أداء الأدوار التي وضعت من أجلها، وهو الأمر الذي أصبح يثير مخاوف السكان من عدم تمكنهم من افتكاك سكنات اجتماعية لائقة تحفظ كرامتهم، خاصة في ظل استمرار سياسة التجاهل لمطالبهم من قبل السلطات المحلية، حيث أفاد رئيس لجنة أقبية حي الصومام في هذا الشأن بأنهم قاموا بجميع الإجراءات القانونية اللازمة المطلوبة من طرف المسؤولين المحليين سواء بلدية باب الزوار أو دائرة الدارالبيضاء المتعلقة بإحصاء عدد القاطنين بالأقبية، كما قام السكان بإيداع ملفات طلب السكن منذ مدة طويلة، لكن آمالهم بإعادة الإسكان لم تتحقق، مضيفا بأن مطالبهم لن تحيد عن إحصاء جميع السكان دون إقصاء وبرمجتهم في أقرب الآجال ضمن مخططات الترحيل بالمقاطعة، مذكرا بأنه سبق لهم رفض حصة الخمسة سكنات اجتماعية التي خصصتها البلدية للقاطنين بأقبية الحي التي اعتبروها بمثابة ذر للرماد في العيون، موضحا في سياق ذي صلة بأنهم سيستمرون في المطالبة بحقهم في السكن وإن اقتضى ذلك الخروج إلى الشارع لإسماع صوتهم.