هم مكلفون بحماية موائدنا ومراقبة المواد التي نستهلكها، لكن من يحميهم؟ أعوان قمع الغش ومراقبة الجودة والمنافسة والتحقيقات الاقتصادية التابعين لمديرية التجارة غالبا ما يكونوا محل اتهامات المستهلك الذي يعتبرهم "مرتشين" و"متواطئين" مع التجار وهم بذلك يحملون مسؤولية ارتفاع الأسعار خاصة خلال شهر رمضان. لكن علاقة هؤلاء الأعوان مع التجار بعيدة من أن تكون "سمن على عسل" بل غالبا ما يكون أعوان مديرية التجارة محل اعتداءات لفظية وجسدية من طرف التجار. محتجزين بين نيران المستهلك والتاجر وطبيعة وظيفتهم التي تفرض عليهم ضغطا رهيبا، أعوان التجارة لا يجدون لمن يشتكوا، فهم يزاولون مهنة خطرة بأجر زهيد مقارنة بحجم المسؤولية وصعوبة المهام. مديرية التجارة لولاية الجلفة تضم حوالي 120 عون مراقبة موزعين على فرقتي "قمع الغش ومراقبة الجودة" و"المنافسة والتحقيقات الاقتصادية"، قرابة نصفهم من فئة النساء. منذ أشهر، تضاعف عدد الاعتداءات على هؤلاء الأعوان خلال تأدية مهامهم خاصة تزامنا مع حملة إزالة الأسواق الفوضوية التي أطلقتها الحكومة. أحد أعوان مديرية التجارة أدلى بشهادته ل"صوت الجلفة" منددا: "أنتم الصحافيين غالبا ما تربطون بين ارتفاع الأسعار ونشاط مديرية التجارة وهذا أكبر خطأ، لماذا لا تنقلون حجم معاناة أعوان المراقبة وما يتعرضون له من إهانة وضرب في كثير من الأحيان؟ هل تعلم أن عون المراقبة أصبح يخشى مجرد الدخول لأي سوق، هذه المساحات أصبحت محرمة عليهم؟". ويضيف محدثنا: "شهدنا وسجلنا عدة حالات اعتداء من طرف التجار لفظيا وجسديا مع التهديد بالأسلحة البيضاء. زميلي تعرض ذات يوم إلى الضرب بقطعة لحم كبيرة وهو يرفض اليوم القيام بأي مهمة داخل الأسواق حتى ولو منحت له كنوز الدنيا وزميل آخر أهين بطريقة مشينة حيث سكب عليه جمع من التجار فنجان من القهوة. أدهى من ذلك، قبل أسابيع تعرض أحد أعوان المراقبة إلى الشتم والسب بأحد أسواق مدينة مسعد وذلك على مرأى ومسمع المنتخبين المحليين اللذين اعترضوا عمل أعوان مديرية التجارة". واعتبر محدثنا أن أعوان المراقبة التابعيين لمديرية التجارة لا يستفيدون من أي حماية وتغطية أثناء أداء مهامهم حيث يؤكد محدثنا في هذا السياق: "حتى الشرطة التي جندت لمرافقتنا أثناء أداء مهامنا استسلمت للأمر الواقع. الوضع جد معقد حيث أن الأغلبية الساحقة للتجار بولاية الجلفة تنشط خارج الإطار القانوني وما إن يلمحوا تواجدنا في مكان نشاطهم حتى تثور ثائرتهم ويعتدوا علينا". ويوضح عون التجارة الذي ينقل معاناة زملائه أن مهنتهم أصبحت محفوفة بالمخاطر مقابل أجر زهيد لا يتعدى 30.000 دينار شهريا، مخاطر لا تقتصر فقط على اعتداءات التجار بل تتجاوزها إلى المجال القضائي. "خلال أداء مهامنا، نحن ملزمين بتحرير محاضر وإرسالها إلى المحاكم وانتظار البث فيها، هنا أيضا يتعرض أعوان المراقبة إلى الإهانة حيث يقفون جنبا إلى جنب مع التجار محل الاتهام بالرغم من أنهم محلفين. تراكم هذه الأوضاع يدفع بالكثير من الأعوان إلى انتهاج طريقة ‘سايس العافية' لتفادي المشاكل القضائية والاعتداءات التي لن تغير في الوضع شيئا"، يختم محدثنا متأسفا.