أَثبت المعرض الدولي الأخير للكتاب الُمقام في الجزائر مما لا يدعوا مجالاً للشك أن الكتاب حتى في ظل التطور الهائل لتكنولوجيات الاتصال هو خير صديق في الزمان، فلا خشية على الكتاب برغم اقتحام روافد معرفية أخرى عالم القراءة إلا أن للكتاب نكهة خاصة بجاذبيته وملمسه وحتى برائحته مادامت هناك عقول تقرأ طبعا وتبحث دائما عن ما هو جديد حتى في ظل انتشار الوسائط المعلوماتية الجديدة التي أصبحت متوفرة وبأسعار معقولة وتتيح امتيازات جيدة في سعة الذاكرة والحجم وغيرها… وأضحت اللوحات الالكترونية والشاشات الصغيرة تُنافس الرافد التقليدي حتى في المعرض الدولي الأخير. احتفت الجزائر مؤخراٌ بالكتاب في معرض دولي جمع أكثر من أربعين دار نشر والكثير من الأدباء والناشرين والكتاب المبدعين من شتى أنحاء الوطن وحتى من خارج الوطن وبحضور مٌميز أمتعوا فيه جمهورهم حين قاسموهم تلك اللحظات من النشوة والفرح، في مشهد رائع ليس له مثيل ولا يتكرر إلا مرة واحدة في كل سنة. إنها لحظة الاحتفاء بالكتاب وكم هي لحظة مميزة وتاريخية بالنسبة لشعوب ضل هاجسها الأول التعلم والارتقاء بالكتاب فبرغم الصعاب ترقى الأمم بالقراءة، انه معرض دولي يمنح الفرصة للكتّاب المغمورين والمحترفين بصدر مفتوح وبدون تمييز هذا عن ذاك مادام الاختيار في الأخير يعود إلى القارئ القادم من شتى أنحاء الوطن خصيصا لهذا المعرض ولكي يلتقي بكاتبه المفضل أو كي يقتني عنوانا لطالما بحث عنه في رفوف مكاتب مدينته الصغيرة. الجدير بالذكر أن هذه الطبعة ميّزها أيضا ظهور أقلام شابة على الساحة الثقافية بدأت تخطوا خطواتها الأولى نحو عالم الكتابة بثقة وتميّز وتفرض نفسها في المشهد الثقافي الجزائري بكل ألوانه في الشعر، القصة والرواية وفي شتى ألوان الأدب والكتابة وحسب ما ذهب إليه ذوي الاختصاص فان إصدارات هؤلاء الشباب جديرة بأن تٌقرأ، كما أن المعرض الأخير تميّز أيضا بالتغطية الإعلامية المُلفتة في ظل تعدّد قنوات البث الفضائي في الجزائر وانتشار الوسائط الاجتماعية كالفايس بوك هذا الأخير الذي أتاح أيضا مجالاً واسعاً لما أصبح يُعرف بتفاعل المؤلف أو الكاتب مع قارئهِ. هاهم الكتاب إذن يَلتقون بمحبة لا تخلوا من روح المنافسة للظفرِ بأكثر القراء والترويج لناشريهم عبر تقليدٍ صار يُميز جميع الطبعات ألا وهو البيعٌ بالإهداء، في نفس الوقت يتقاسم هؤلاء الكتّاب وفي جو رائع بهجة اللقاء مع قارئيهم وأصدقاء لهم في الكتابة يتبادلون التجارب في جو حميمي، تَجد القارئ يُسابق الزمن بدوره كي يحض بكتاب قبل أن تفوته الفرصة خاصة عندما يُشارف المعرض على الانتهاء وتجد في بعض أجنحة المعرض طوابير من القراء الشغوفين باقتناء كتب في مجالات عدة: دينية وتعليمية، وعائلات بأكملها تلتفُ حول الكتب الشبه مدرسية، أطفال يكتشفون عوالمهم من خلال الولوج إلى أجنحة قصص وكتب الأطفال، قواميس ومجلدات بمختلف اللغات، طلبة جامعات يبحثون عن مراجع كما تجد شخصيات إعلامية وسياسية بدورها تبحث عن الكتاب وتسجل حضورها. هي فرصة إذن للجميع للاحتفاء بالكتاب كلٌ على طريقته فالكَاتب يٌوقّع الإهداء لقارئيه، أما القارئ فيقتني ما لذ وطاب من أصناف الكتب بحسبِ قدرته الشرائية، والناشر يٌروج و في الأخير الكِتاب يُتوج، كُتاب جدد يكتشفون لأول مرة عالم النشر ويَشقون طريقهم بتألقٍ وثقة خطواتهم الأولى نحو عالم الكتابة شخصيات إعلامية وسياسية بارزة تظهر بالمعرض وتلتقي بجمهورها عبر الكتاب ندوات ولقاءات فكرية وأدبية تُقام هنا وهناك… في غمرة الفرح كُتّاب آخرون يستلمون نسخهم الأولى من دور النشر وكأنهم رزقوا بمولود جديد، انه الحدث هذه السنة في الجزائر بكل ما تحمل الكلمة من معاني، الحدث أن نخص الكِتاب بهذا الاهتمام فلهوا أمرُ في غاية الروعة ونتمنى أن يتكرر أكثر من مرة في جزائرنا الحبيبة. ليت هذا المعرض الدولي الرائع ينتقل إلى ولايات أخرى من هذا الوطن الشاسع والرحب، ليت أن هناك وباء اسمه القراءة ينتشر في كل ربوع هذا الوطن لا شفاءَ منه إلا بالكتاب أو معارض عدة للكتب تميز كل دخول جديد، مشهد رائع سيبقى راسخاً في الأذهان كيف لا وبطله خيرُ صديق في الزمان، انه الكتاب بتلك الروعة والأناقة يخرج إلى القارئ ليروي عطشه وليزوده بالمعلومات اللازمة في مجاله أو ليأخذ بيده إلى عوالم التاريخ والحضارة بكل أمانة، يصطحبه بدون تكلفٍ لأي مكان يُريد، في المحطة أو في المطار، في الحديقة أو في قاعة الانتظار، أينما حللت ستجده بجانبك، فيا من حظي بصحبةِ كتابٍ هنيئا لك بما اغترفت منه من زاد ومن معرفة، هو موسمٍ أيضا يحرص فيه الناشرون على تقديم أفضل ما لديهم من أسماء ومن عنوانين وكلهم اهتمام في أي حُلة سيخرج الكتاب. في اختتام المعرض تتباطأ الحركة، تبدأ بعض الأجنحة والدور في الانصراف خاصة تلك القادمة خارج الوطن، تتضاءل الحركية في مشهد يُنبأ بأن المعرض الدولي للكتاب الحدث الذي انتظرناه لسنة قد وصل إلى يوم الاختتام. ونطرح السؤال هل أعطينا الكتاب ما يستحقه؟ هل أنصفنا هذا الأنيس وهل ارتوينا منه بما يكفي لنهضة أوطاننا؟ لست هاهنا أود أن أخوض في مسائل أخرى لها علاقة بالمقروئية كما أني أتمنى أن تكون هناك إحصائيات دقيقة حول هذا المجال غير أني أزعم أن الكِتاب في بلادي لا يحظى بعدُ بالتقدير اللازم، رغم جهود الدولة في بناء هياكل و فضاءات عمومية للمطالعة إلا أن مسألة العزوف تبقى واردة أيضا حسب الملاحظة البسيطة اليومية، كما أننا أمة اقرأ… أوليس كذلك؟ نحن من علينا أن يٌرسّخ لعادة القراءة في الشارع وفي الأماكن العمومية وفي أذهان أبناءنا، بدل الانبهار بِركام الحضارة الغربية، هذا الغرب الذي خطى خطوات جديرة بالاحترام والتقدير في مجال الكتاب والقراءة وحقق نهضته من خلال اغترافه من العلوم والمعارف بشتى منابعها الإنسانية واختلاف مشاربها، فالمعرفة تراكمية وهي إنسانية ولا تؤمن بالحدود ولنا فيها أيضا نصيب يا أُمتي فمتى نعود؟ هل من عودة ومصالحة مع صديق اسمه الكتاب لم يخُنْ ولم يَصدر عنه برغم المحنْ أي عتابْ؟ كتابٌ صان الأمانة على مر العصور، محفوظةٌ فيه كنوز البشرية وتاريخها المجيد وحتى مصيرها وظل خيرُ صديق في الزمانِ. حقيقة ًأُسدل الستار منذ أيام على معرض دولي للكتاب في الجزائر أما الكتاب فلا يزالُ شراعٌ مفتوح أفلا نَعد إليه. كربوعة مختار 10.11.2013 بمناسبة اختتام المعرض الدولي للكتاب في الجزائر