أظهر آخر تقرير نشرته منظّمة الصحّة العالمية أرقاما رهيبة حول حالات الانتحار في العالم، حيث يموت شخص كلّ 40 ثانية، في حين يتمّ تسجيل أكثر من 20 محاولة انتحار مقابل كلّ شخص مات منتحرا. ذكر التقرير الذي يعدّ الأوّل من نوعه الذي تنشره المنظّمة تحت عنوان (الوقاية من الانتحار ضرورة عالمية) أن ما يفوق 804 ألف شخص مات منتحرا سنة 2012، وهو ما يمثّل معدل الانتحار العالمي السنوي المُقَيّس حسب العمر وهو 11.4 لكلّ 100 ألف نسمة، وتعدّ الجزائر من بين الدول الأقلّ تضرّرا من هذه الظاهرة التي تعكس الفراغ الرّوحي وضعف الوازع الديني. وتزامن إصدار هذا التقرير الذي يرتكز على إحصائيات سنة 2012 ومقارنة تطوّرها بإحصائيات سنة 2000 مع احتفال بلدان العالم باليوم العالمي لمنع الانتحار، والذي تنظّمه الرابطة الدولية لمنع الانتحار في 10 سبتمبر من كلّ سنة. وحصر معدّو التقرير أسباب الانتحار في صنفين، الأوّل يرتبط بالمجتمع والعلاقات ويخص الحرب، الكوارث، ضغوط التبادل الثقافي، التمييز، الشعور بالعزلة، الانتهاكات، العنف والعلاقات المنطوية على نزاعات، أمّا الصنف الثاني فيخص عوامل الخطر على مستوى الأفراد، والتي تشمل محاولات الانتحار السابقة، الاضطرابات النّفسية، تعاطي الكحول على نحو ضارّ، التعرّض للخسارة المالية، معاناة الآلام المزمنة ووجود تاريخ عائلي للانتحار. ويأتي الشباب من بين الفئات الأكثر تضرّرا، ففي الوقت الحالي يعدّ الانتحار ثاني أهمّ أسباب الوفاة بعد حوادث المرور في الفئة العمرية 15 - 29 سنة على الصعيد العالمي. تتباين الأرقام بين البلدان، حيث يقع ما يقدّر ب 75 بالمائة من حالات الانتحار في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل. وفي سنة 2012 تسبّب الانتحار في 1.4 بالمائة من الوفيات في كلّ العالم، ممّا جعله السبب الرئيسي الخامس عشر للوفاة. وبلغة الأرقام، وعلى اعتبار أن المعدل العالمي يقدّر ب 11.4 حالة انتحار لكلّ 100 ألف شخص، تعتبر دول جنوب شرق آسيا الأكثر تضرّرا من هذه الظاهرة بنسبة 17.7 حالة لكلّ 100 ألف شخص، كما أن هذه النّسبة ترتفع قليلا في الدول الغنية في حدود 12.7 وتسجّل انخفاضا طفيفا في الدول المنخفضة والمتوسّطة الدخل ب 11.2 حالة. في حين تمّ تسجل أكبر عدد من حالات الانتحار في دولة غيانا الواقعة شمال شرق قارّة أمريكاالجنوبية بمعدل 44.2، وهي الأكثر تضرّرا في العالم، بينما تمّ تسجيل أقلّ نسبة بالمملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية بمعدل 0.4 حالة بمجموع 77 حالة انتحار، منها 22 إناثا و55 ذكورا. وتعتبر الدول العربية الأقلّ تضرّرا من ظاهرة الانتحار على المستوى العالمي من خلال ملاحظة معدلات منخفضة على مستوى هذه الدول، حيث تمّ تسجيل معدل 0.9 حالة في كلّ من لبنانوالكويت، منها 43 حالة انتحار في لبنان و33 حالة في الكويت، واحتلّت الجزائر المرتبة التاسعة عربيا، وتعدّ من بين الدول الأقلّ تضرّرا بمعدل 1.9 وفاة لكلّ 100 ألف شخص، وفي هذا الصدد تمّ تسجيل 677 حالة انتحار، منها 277 إناث و400 ذكور، حيث تراجع عدد حالات الانتحار بنسبة 12.7 بالمائة بالنّسبة لسنة 2000. وتعتبر السودان الدولة العربية الأكثر تضرّرا بمعدل 17.2، ما يساوي 4286 وفاة عن طريق الانتحار سنة 2012. وترتفع النّسبة في الكثير من الدول الآسيوية، خاصّة لدى الجنس الأصفر، حيث سجّل اليابان معدل 18.5، أي ما يمثّل 29442 حالة سنة 2012، وسجّلت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية نسبة 38.5، أي 9790 حالة انتحار. وذكر تقرير المنظّمة التي تديرها الدكتورة مارغريت تشان في عرضه للطرق والوسائل المتّبعة في عملية الانتحار أنه يمكن تحديدها من خلال البيئة، كما يمكنها أن تتغيّر في الزمن وتنتقل من منطقة إلى أخرى، حيث أن إحدى أهمّ وسائل الانتحار الرئيسية في البلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل، لا سيّما البلدان التي بها نسبة عالية من سكان المناطق الريفية الذين يعملون في الزراعة، هي التسميم الذاتي بالمبيدات الحشرية عن طريق ابتلاع المبيد الحشري، أمّا في المناطق الأكثر تحضّرا مثل هونغ كونغ وسنغافورة، حيث يعيش أغلبية السكان في مجمّعات سكنية شاهقة، فإن القفز من المباني هي الطريقة الشائعة للانتحار، كما يتمّ في تايوان استخدام الفحم لإنتاج أوّل أوكسيد الكربون مرتفع السُمّية، أمّا في اليابان فالطريقة الشائعة حاليا هي خلط المواد الكيميائية لإنتاج غاز كبريتيد الهيدروجين واستخدام غاز الهيليوم. ورغم ذلك، تقول المديرة العامّة لمنظّمة الصحّة العالمية الدكتورة مارغريت تشان إن المنظّمة وضعت مخطط عمل يهدف إلى خفض معدلات الانتحار بنسبة 10 بالمائة بحلول عام 2020، وهو ما يمكن الوصول إليه بالنّظر إلى أن المعدل العالمي انخفض بنسبة 26 بالمائة ما بين سنة 2000 و2012، وذلك بالتركيز على الصحّة النّفسية، وكذا من خلال حثّ الدول على اتّباع نهج متعدّد القطاعات يعالج ظاهرة الانتحار على نحو شامل يجمع بين مختلف القطاعات والجهات المعنية الأكثر ملاءمة لكلّ سياق. كما يتمّ تشجيع البلدان على وضع استراتيجيات فعّالة للوقاية من الانتحار تشمل تقييد الوصول إلى وسائل الانتحار، مثل المواد السامّة والأسلحة النّارية واكتشاف الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو متعلّقة بتعاطي المواد وعلاجهم وتحسين سبل الوصول إلى الخدمات الصحّية والاجتماعية والتزام وسائل الإعلام بالمسؤولية عند نشر أخبار حوادث الانتحار.