فقدت صحيفة (شارلي إيبدو) الفرنسية أربعة من أشهر رسّاميها في الهجوم الدامي، الأربعاء الماضي، من بين 12 قتيلا، لكنها في المقابل -حسب عدة صحف فرنسية- جمعت خلال خمسة أيّام فقط أكثر من مليوني أورو قدّمتها جهات مختلفة، بينها وزارة الثقافة الفرنسية وعدّة صحف، إلى جانب شركة (غوغل) ومصادر أخرى. كما تستعدّ المجلة لطباعة مليون نسخة من عددها الأسبوعي (الأربعاء المقبل) رغم أن متوسّط توزيعها كان بين 30 ألفا و60 ألف نسخة على أحسن تقدير. وزادت أعداد الاشتراكات في المجلة عقب الهجوم بيومين ليصل إلى 13 ألف مشترك، وهو في ارتفاع متواصل، وفق مراسلة (الأناضول). * موقع ساعِدْ شارلي نشر موقع (شارلي إيبدو) على الأنترنت رسالة إلى الجمهور يطالبه فيها بتقديم العون لطباعة مليون نسخة الأربعاء القادم، وجاء فيها: (لكلّ المدافعين عن حرّية الرأي، لأن القلم هو دائما فوق الهمجية، لأن الحرّية هي حقّ عالمي، لأنك داعم لنا، سنطبع مليون نسخة من صحيفتنا الأربعاء القادم). وطلبت الصحيفة من قرّائها الدعم عبر شراء أكبر عدد من نسختها أو الاشتراك في الصحيفة من خلال موقعها، وفق صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية. وأُسس موقع باسم (ساعِدْ شارلي) يوم الجمعة 9 جانفي لتلقّي المساعدات المادية المقدّمة لها، حسب ما أوضحه فرانسوا أورسيفال، رئيس (جمعية الصحافة الفرنسية والتعدّدية). وأضافت الجمعية: (شارلي إيبدو تحتاج إليكم من أجل البقاء، هناك تعاطف مع الصحيفة بعد الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها ونحن نحتاج إلى ترجمة هذه المشاعر على أرض الواقع، لذلك أتحنا للجمهور هذا الموقع لتلقّي مساعداتكم). وخلافا للموقع فقد وضعت الجمعية عنوانا لتلقّي المساعدات عن طريق البريد التقليدي، ومنحت الجمعية 200 ألف أورو للصحيفة لمساعدتها في خروج عدد الأربعاء القادم إلى النّور. كما قال وزير الثقافة الفرنسي فلور برولان: (إن حكومته تعهّدت بالتبرّع بنحو مليون أورو للصحيفة، في الوقت نفسه تعهّدت صحف فرنسية عدّة بتقديم نصف مليون أورو لضمان استمرار الصحيفة). * إعانات خارجية واشتراكات تخطّت التبرّعات الواصلة إلى (شارلي إيبدو) حدود فرنسا، فقد أعلنت منظّمة (صحفيين بلا حدود) عن استعدادها لتلقّي المساعدات الخارجية المُقدّمة من دول أخرى لأجل (شارلي)، ومنها شركة (غوغل) التي تبرّعت ب 250 ألف أورو، بينما قرّرت صحيفة (ذا غارديان) البريطانية تقديم 128 ألف أورو. ولم تقتصر المساعدات المُقدّمة ل (شارلي إيبدو) على المساعدات المادية فقط، بل شملت الاشتراكات أيضا، واشترك بعض المشاهير في الصحيفة لتشجيع الجمهور على الفعل نفسه، من أبرزهم الممثّل الشهير (أرنولد شوارزينغر) الذي قال في تغريدة له على موقع (تويتر): ينبغي تقديم المساعدة لشارلي إيبدو في الأزمة التي تمرّ بها من خلال الاشتراك فيها). * الاستفادة من الأزمة الدانماركية حسب صحيفة (لوبوان) الفرنسية، فإن صحيفة (شارلي إيبدو) سبق وأن استفادت عام 2006 من أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة إلى الرسول، والتي فجّرت مئات المظاهرات في العديد من الدول الإسلامية، عندما نشرتها صحيفة (يولاندز بوسطن الدانماركية). وأوضحت (لوبوان) أنه في 8 فيفري 2006 أعادت (شارلي إيبدو) الفرنسية نشر الرسوم المسيئة إلى الرسول، محقّقة بذلك نسبة توزيع تاريخية، حيث قفزت التوزيعات إلى 160 ألف نسخة خلال يومين فقط. وجاء يوم 11 فيفري من العام نفسه، وقد ضاعفت الصحيفة توزيعها ليصل إلى 480 ألف نسخة، وفي ذلك التاريخ أيضا وصل أول تهديد للصحيفة، وسعيًا وراء رفع نسبة مبيعاتها المتدنية، وتحقيقًا لأرباح جديدة قامت (شارلي إيبدو) عام 2013 بإصدار كتاب مصور حول سيرة النبيّ (محمد) عليه الصلاة والسلام. استفزت هذه الرسوم مشاعر المسلمين، في العديد من الدول الإسلامية التي شهدت مظاهرات ضد الصحيفة، ووقّعت 40 جهة في فرنسا على شكوى رُفعت إلى المدعي العام في باريس، بدعوى (التحريض على الكراهية) و(التشهير) و(الإهانة العامة للمسلمين). * كلنا شارلي .. تعاطف بعد كراهية حظيت الصحيفة منذ الهجوم عليها بتعاطف واسع، فقد خرج آلاف في مظاهرات داخل وخارج فرنسا، رافعين شعار (كلنا شارلي)، كما شهدت فرنسا، مسيرة ضخمة تضامناً مع الصحيفة ورساميها وضدّ الهجمات الإرهابية التي طالتها، شارك فيها عديد من قادة الدول الأوروبية، منهم رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، والعاهل الأردني الملك عبداللّه بن الحسين، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. لكنّ (شارلي) كانت محطّ انتقادات واسعة داخل فرنسا وخارجها بسبب سياستها الساخرة من رموز دينية وسياسية، أدت إلى تشويه صورة فرنسا في العالم الإسلامي، وكشفت صحيفة (لوموند) الفرنسية أن بعض الفرنسيين، يعارضون رفع شعار (كلنا شارلي) خلال المظاهرات المنددة بالهجوم عليها. وقالت الصحيفة: (هؤلاء يعارضون الشعار لأسباب تتعلق بعدم تعاطفهم مع الصحيفة، التي أساءت إلى رموز دينية ، مشيرين إلى أن الأمر لا يتعلق بالإسلام فحسب، بل بجميع الديانات، إذ يجب أن تبقى الرموز الدينية بعيداً عن دائرة ما يسمى حرية التعبير) لأنها أقرب إلى الاستفزار القاتل.