من أجل مراهقة آمنة.. تشتكي (نهاد. ع) البالغة من العمر 16 عاما، من ضغوط والديها عليها، ومحاولة فرض رأيهم في كل ما يخصها بحجة أنها صغيرة ولا تعرف مصلحتها، وأن عليها فقط تطبيق ما يقولونه لها. وتقول: (سئمت من تعامل والدي معي واعتباري صغيرة، أنا أعلم بأموري أكثر منهم، ولا أريد النصح من أحد، وإن أردت الاستعانة بأحد فلدي صديقة تحبني أكثر من أهلي وتوافقني على كل ما أقول). أما والدتها، فتقول: (أحاول أن أرضي ابنتي قدر الإمكان، لكنها لا تتقبل رأيي ولا تحب أن أكلمها، وتعتقد أنني أكرهها). وتضيف (لا أعلم ماذا أفعل معها. إن بقيت هكذا فسيزداد حالها سوءا). وبحسب المختصين، يميل المراهق لإثبات ذاته مع ميله للشعور بالاستقلال، كما أنه يهتم بشعور الآخرين تجاهه وتقبلهم وتقديرهم له ولمقدراته وسلوكياته. الأخصائية الاجتماعية سعاد فخري، أوضحت أن (المراهق يبدأ بالتفكير في ذاته قبل أي شيء آخر، وفي حال فشله بشيء فإنه يلقي اللوم على العوامل الخارجية، كما أنه يتميز غالبا بالعجلة، والتفكير لديه آنيّ بعيد عن التفكير المنطقي في عواقب الأمور، ويصر على حل مشكلاته بنفسه، ويعتبر السلطة مقيدة له ويتمرد عليها). ونوّهت إلى أنه (يتقبل رفاقه بشكل كبير لاعتقاده بأن أعمالهم وآراءهم صحيحة توافق هواه، ويحرص على أن يحظى بقبولهم). * إزعاج المراهق وأضافت الأخصائية الاجتماعية أن المراهق ينزعج من سلوكيات، فهو يرى أن والديه يعاملانه بمبدأ السلطوية وليس التفاعلية وبحسب ما يحبان، وهما يراقبانه عوضا عن التوجيه ومنح الثقة، ويتبعان العادات والتقاليد أكثر من المبادئ والقيم، مع استخدام أسلوب التخويف ثم الرجاء ثم التودّد، عدا عن كثرة الانتقاد لسلوكيات المراهق ومراجعته بأخطائه أو نقاط ضعفه.. إلى جانب عدم وجود نمط ثابت في التعامل معه، فلا يعاملانه معه معاملة الكبير المسؤول عن تصرفاته ولا معاملة الصغير المعذور في زلاته. ويجب على الآباء والأمهات تهيئة الطفل قبل دخوله في مرحلة المراهقة، حتى لا يتأثر نفسيا بشكل سلبي. وأضافت (أن على الابن أن يتفهم طبيعة ما سيحدث على شخصيته من تغيرات على كل الجوانب، وأن على الوالدين التوسط والاعتدال في التعامل مع المراهق، ف(المربي الناجح يعتدل ولا يُسرف في تفهمه ومراعاة مرحلته، ولا ينكر ما يمر فيه المراهق). وتضيف: (على الوالدين عدم تعقب الأخطاء وتجنب إثارة حساسية المراهق بكثرة الانتقاد، مع التغاضي عن الهفوات والأخطاء الصغيرة التي لا تشكل خطرا، والاحترام المنطقي الموزون لخصوصياته، وتجنب التوجيه والوعظ وتعزيز الحوار معه، لكن المبسط والمحدد، والمساعدة في إكسابه الخبرات الحياتية وتدريبه على الحس النقدي الذي يمكنه من التمييز ذاتيا بين الصواب والخطأ، والبحث عن الروابط المحببة له لربطه بتعاليم دينه، وعدم ضربه مطلقا أو تعنيفه وإحراجه أمام الآخرين، ودعم مواهبه وتبنيها وتعزيز تفريغ طاقته من خلال الأنشطة المختلفة، الرياضية والاجتماعية والدينية والثقافية). تأهيل الآباء وعن إحدى الحالات التي تعاملت معها الأخصائية، تقول (تفاجأ أب من بعض سلوكيات ابنته غير الأخلاقية، ما دعاه لمراجعة مدرستها، ليكتشف أن ابنته على علاقة منذ فترة طويلة مع شاب تتواصل معه عبر هاتف أحضره الشاب لها مناصفة من ماله ومصروفها الخاص، ليستطيع التواصل معها من غير علم أهلها). و(بعدما أقسم الأب مرارا أن ابنته لا تمتلك هاتفا شخصيا، وأنه على علم بكل ما تفعل، فهو يفرض عليها سلطة محكمة لحمايتها، إلا أنه صدّق أن كل وسائله على فرض السلطة لم تنفعه واستطاعت الابنة أن تفعل ما تريد)، بحسب ما روت الأخصائية. وأضافت: (على الآباء الإيمان بأن الأبناء أمانة ومسؤولية وأنهما يتعبدان الله في تربية أبنائهما ذكورا وإناثا، وعليهم إدراك أهمية مرحلة الطفولة، وغرس أغلب القيم السامية في تلك المرحلة. فالمراهقة ما هي إلا امتداد لمرحلة الطفولة، وبقدر ما يكون الغرس سليما نقيا في تلك المرحلة تكون المراهقة آمنة قليلة الأخطار). وركّزت على توثيق الصِّلة مع الأبناء منذ الطفولة وأن (يعامل الآباء أطفالهم على أنهم أصدقاء لهم لا أنهم أولياء أمور، وأن يهتموا بمضمون التربية بقيمها ومبادئها، وملاحظة الابن عن قرب، والبعد عن التربية الشكلية، وإنشاء ثقافة متينة لدى الأطفال تؤهلهم للمرور بمرحلة المراهقة بأمان، إلى جانب الواقعية في التعامل مع الأبناء وفي طرح نظرتهم للحياة بعيدا عن المثالية وتوقع الكمال). ودعت لتحميل الأبناء بعض المسؤوليات وتدريبهم عليها، والموازنة بين الديمقراطية بالتربية وبين السلطة الأبوية المتفهمة الرؤوفة الحازمة في الآن نفسه، ومشاركة كلا الوالدين -ما أمكن- في التربية وعدم تفرد أحدهما، وعدم الاعتماد على الخبرة الذاتية فقط، فلابد من التثقف في متطلبات وخصائص المرحلة ولا بأس من استشارة أهل الاختصاص.