بقلم: رياض بن وادن* عندما أطالع الإحصاءات التي تقدمها مختلف المصالح عن عدد الوفيات في الجزائر بسبب حوادث الأمور أصاب بالإحباط وبالأسى والألم عن كل تلك الأرواح التي تذهب إلى بارئها هدرا وتهورا ودون أن نتمكن من وضع حد لهذا الرقم الضخم الذي وصل وهذا قبل سنين عديدة إلى أربعة آلاف وفاة كل سنة!!. وعندما أقارن الجزائر بدول أخرى من حيث المناخ ومن حيث نوعية الطرقات وكذا من حيث الوازع الديني والأخلاقي الذي نملكه أصاب بالجنون وأتساءل كيف وصلنا إلى أربعة آلاف وفاة بسبب حوادث المرور وفي دول عديدة أين يكون المناخ صعبا جدا يتسم بالثلوج الكثيفة والجليد المنتشر في كل الطرقات والنوع الجيد للطرقات التي تغري السائق بمضاعفة السرعة وكذا سياقة بعض الأفراد في حالة سُكر إلاّ أن عدد الوفيات في السنة لا يتعدى الخمس مائة حالة!!؟. إنها كارثة حقيقية ابتلينا بها نحن الجزائريون دون أن نجد لها ردود أفعال إيجابية تعمل بكل قوة وهوادة وبكل حنكة ودقة من أجل تقليص هذا الرقم المخيف أو تخفيضه في حدود ما يتقبله العقل..إنها طامة كبرى أصابتنا منذ مدة غير قصيرة، حيث أصبحنا نسمع بوفاة كل ركاب حافلة كاملة أو أكثر من نصف الركاب..أو نسمع بانقلاب شاحنة كاملة لتأخذ في طريقها مجموعة كبيرة من السيارات..وقد تكون هذه السيارات تسير في موكب زفاف أخ أو أخت أو قريب..فعوض أن تكون الفرحة تكون المصيبة والحزن للأسف الشديد. ولابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا ونحن نتحدث عن هذه الكوارث لنقول كلمة الحق ولا نخاف في ذلك إلاّ الله عزّ وجلّ.. وقبل أن نتحدث عن الحلول والمقترحات التي تفيد في تقليص هذه المصيبة التي اعتاد عليها مجتمعنا.. علينا أن نشير أولا إلى أن المشكلة الأساسية والسبب الرئيسي يكمن في رخص السياقة التي تباع هنا وهناك..أو التي تسلم عن طريق المحسوبية والرشوة للأسف الشديد. مصيبتنا هي في استهتارنا بأمر جاد كهذا..نُسلم رخص السياقة لكل من يقدم ثمنا لذلك دون أن نفكر في ما سينجر عن هذا الفعل بعد ذلك..إن تسليم رخصة السياقة للذي لا يحسن السياقة هو مثل تسليم سلاح الرشاش من نوع الكلاشنكوف لمعتوه أو مجنون للعب به..لابد أن ينتبه ويفهم من يقومون بهذا العمل بما سينجر عن فعلتهم هذه من موت لأبرياء ومن تيتيم لأطفال وعائلات وترميل لزوجات..ثم ما ينجر بعد التيتيم والترميل من آفات اجتماعية وجرائم وانتشار للرذيلة لا قدر الله.. وكل هذه مشاكل أخرى تزيد الوطن والمجتمع ثقلا وحمولة. عوامل وعوالم كما أنه هناك مشاكل أخرى عديدة ومتعددة يمكن أن يتطرق إليها ويعالجها المختصون وأهل الخبرة من أجل معالجة هذه الظاهرة مثل التشديد في امتحانات السياقة حتى لا تعطى إلاّ لمن يستحقها ثم التكوين الجيد لأصحاب مدارس السياقة وتزويدهم بكل المعلومات التي تفيدهم وترفع من مستوى تكوينهم كما يجب تزويدهم بفيديوهات وصور حوادث المرور التي تحدث هنا أو هناك لعل كل هذا يساعد في رفع الهمم لتقديم دروس مركزة وجادة لممتحنين. كما إن من الأمور التي تقلص من حوادث المرور إدراج رخصة السياقة كشهادة معترف بها لنيل بعض الوظائف.. وتكفل المدارس والثانويات بتكوين بعض التلاميذ النجباء على حسابها وهذا من أجل أولا تشجيع التلاميذ على الدراسة والنجاح وثانيا من أجل إعطاء قيمة لهذه الرخصة ونحقق بذلك مثل ما يشاع عن الرياضة: الرخصة السليمة في العقل السليم. ولابد أن نستنكر كذلك ونمقت تلك الكلمة التي اشتهرت في مدينة ما في الجزائر ثم سادت كل ولايات الوطن، حيث يقول أصحابها: النوم في السبيطار ولا دقيقة (روطار).. نعم للأسف الشديد هكذا يفكر أصحاب سيارات الأجرة عندنا..النوم في المستشفي خير لهم من أن يتأخروا دقيقة عن الموعد..إنه الجشع بعينه والجرم بذاته وعينه عندما يتسبب المرء في مقتل الركاب ويزهق أرواح بريئة بسبب دراهم معدودات زائدة.. فهذه ليست أخلاقنا ولا أخلاق أصحاب سيارات الأجرة في العالم الذين جعلوا منها قدوة كبيرة في خدمة الناس وفي ذلك اللباس الأنيق الذي يلبسونه أثناء عملهم ومعاملاتهم الطيبة للركاب..لأنهم يصنعون الحياة بعملهم ويؤدونه على أحسن ما يرام ثم يعودون بعد ذلك لزوجاتهم وأطفالهم سالمين معافين. أعتقد بأنه في هذه المرحلة التي وصلنا إليها لابد من أن يؤدي القانون دوره وأن يتحمل كل من له علاقة بمراقبة السائقين مسؤولياته وأن يعمل المجتمع من خلال الجمعيات دوره وأن تخصص مساحات كبيرة ووقتا إضافيا للإشهار في الصحف الوطنية وعبر التلفزيونات وكذا عبر القنوات الإذاعية من أجل محاربة هذه الآفة والضرب بيد من حديد بالقانون كل من يخالف قوانين المرور أو يعرض حياة الركاب والمارة للخطر. حقيقة أصبح اللسان عاجزا عن الحديث والعقل عاجزا عن التفكير والقلم عاجزا عن التعبير عندما تجد مثلا في دولة مثل السويد بمناخها الوعر وشتائها المظلم والجليد الذي يتشكل بسرعة كلما نزلت درجة الحرارة إلاّ أن عدد الوفيات كل سنة لا يتعدى بضع المئات..وهذا يعود بالدرجة الأولى لصعوبة النجاح في امتحانات السياقة سواء النظرية أو التطبيقية، كما أنه يتوجب على الممتحن كذلك التدرب على السياقة في منطقة جليدية يخلصك فيها المدرب من كل أنواع المكابح ويتركك تتدرب كيف تتعامل مع السيارة في مثل هذه الحالة..وقد يصل ثمن نيل رخصة السياقة بعد جهد جهيد إلى أكثر من ألفي أورو..فهذا هو التكوين الحقيقي وهو مستعمل في كثير من البلدان من أجل خلق سائق يعي جيدا ماذا يفعل عندما يشغل محرك سيارته. أدري جيدا بأن الأسباب في الجزائر عديدة ومتشعبة وقد ندرج فيها كذلك الجانب النفسي والطبيعة العصبية التي يتميز بها الرجل الجزائري والتهور الذي أصبح موضة العصر..لكن لابد أن نعي كذلك بأننا أمام رقم مهول ومفجع وخطير أن يلقى أكثر من أربعة آلاف جزائري حتفهم بسبب حوادث الطرقات هذا دون أن ننسى المصابين بإصابات خطيرة من كسور وإعاقات..إذن فلابد من محاربة هذه الظاهرة ووالوقوف وجها لوجه ضدها دون خوف أو تردد.. ولنبدأ التوعية من المدرسة والمساجد وفي الطرقات وخلال مباريات البطولة المحترفة لكرة القدم وفي الملتقيات الفنية والفكرية وعلينا البدأ من الآن في البحث عن الحلول وأن نشارك المختصين وعلماء الاجتماع والسلك الأمني بكل فروعه حتى نجد بعد سنوات النتيجة التي يتقبلها العقل ونطمئن لها.