ديمة طارق طهبوب كان مزاجي عاديا لا بالفرح ولا بالكئيب؛ ولكنه مطمئن بضمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله، قدت سيارتي في طريق أعرفها، وبدأت أفكار اليوم ومشاغله تدور في رأسي إلى أن توقفت الإشارة، وأسعدني الحظ أن وقفتي جاءت بقرب باص أطفال تابع لإحدى جمعيات تحفيظ القرآن، وبحياء طفلة وشقاوتها أطلت بسمتها علي من وراء الشباك، ولوحت بيدها، غمزتها ضاحكة فحاولت أن تغمزني، لوحت لها أرد تحيتها، فنادت صديقتها وأخرى وأخرى؛ حتى كاد الباص كله يتجمع على الشباك الذي جمعني في صباح دافئ ليس ككل يوم. حيتني فيه هذه الطفلة الملاك، وغمزتها وغمزتني؛ فشبكت قلبي بصنارة الحب والطهر والامتنان. أشعر بالسعادة عندما يحبني الأطفال، أشعر بالطهر وكأن في الأمر رسالة من الله بالقبول، فالمؤمن يألف ويؤلف، وكنفه يطأه البر وحتى الفاجر، والأطفال خصوصا ورقة بيضاء بلا ذنوب، بل الإحسان إليهم فيه كثير من الأجور وجلاء للهم والحزن. لماذا ابتسمت لي يا ترى؟ لا بد أني أشبه أمها وخالتها وكثيرا من معارفها، لا بد أن حجابي أعطاها رسالة إيجابية بالاطمئنان إلي، لا بد أن تبسطي معها أخبرها بأننا نمكن أن نكون أصدقاء في هذه العجالة السريعة؛ فتحت الإشارة، وذهبت صاحبة الابتسامة والغمزة وصديقاتها بعد أن ملأن يومي بافتتاحية أغبط عليها! هذه الطفلة جعلتني أفكر كم هي الأشياء التي تسعدنا بسيطة، وكم نستطيع أن نبذلها في سياقها المقبول للداني والقاصي، وكم نغفل عنها في العالم المتبلد الذي نعيشه؛ حتى أصبحنا عرضة للمثل والتندر بأن وجوهنا لا تضحك حتى للرغيف الساخن!! ذهبت صاحبة الابتسامة والغمزة، ولكنها تركتني أفكر بأخلاق الطريق والقيادة الذي نمضي فيه أوقاتا كثيرة بسبب الازدحام المطرد، وغالبا ما يكون وقتا عصيبا مزعجا مستفزا للأعصاب متعبا للصحة مستجلبا للتشنج؛ لأننا نغفل عن كثير من الخير الذي يمكن أن نمارسه، والحسنات التي يمكن أن نكسبها ونحن على الطريق العام؛ ولذلك جعل الحديث حقا للطريق وفوق الحق برا وصدقة؛ تصبح على المسلم كل يوم بأن يحمل أخاه ويساعده ويخفف عليه عنت الشوارع ومشقتها. أرفض المقولة بأن أولاد الحرام لم يبقوا لأولاد الحلال مجالا، وأن يحكمنا الخوف والشبهة؛ فامرأة عجوز محنية الظهر تحمل أكياسا تفوق قدرتها تمشي قريبا من بيتي والدكان الذي أشتري منه، يبدو على ملامحها انكسار الوحدة، وعدم وجود من يخدمها، لن تهدد سلامتي أو تعرضني للخطر! لن أتأخر على (الوزارة) إذا انتظرت قليلا لأفسح لأم وأطفالها وشيخ كبير بعبور الشارع، لن ينقص من كرامتي، ولن أقصر إذا أفسحت المجال للآخرين بالعبور قبلي في غير تعدٍ، ولعلي كمحجبة أجد هذا لزاما علينا أكثر لإيصال رسالة سريعة قصيرة: أن هذا الزي ليس مجرد رداء، وإنما الأخلاق هي ما يزينه. وأنتم على الطريق العام تمضون الساعات انظروا إلى أخلاقكم في قيادتكم، وانظروا لها أنها حسنات تثابون عليها، أو معاصٍ تعاقبون عليها؛ فخلق (الدابة) والسيارة دابة بما أنها تدب على الأرض انعكاسة لما تحملون في قلوبكم؛ فالمعروف شيء هين كما قيل: وجه طليق و كلام لين. تفننوا في بذل المعروف بحقه ولأصحابه، ولا تستثقلوه؛ فابتسامة من ثغر صادق كفيلة أن تحيل سحابات الأسى إلى شموس مشرقة في حياة من ينتظرها. كل امرأة عجوز على الطريق أمي وجدتي، كل شيخ كبير والدك أيها الرجل، كل فتاة محتشمة ابنتي وأختي أخاف عليها من الليل والطريق المقطوع، لو عشنا بهذه النفسية فربما نكون على أعتاب الجنة وإن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.