قدرة الله لا حدود لها؛ وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يكون دائم التدبُّر في خَلْقِ اللهِ؛ فإن هذا يرفع من درجة إيمانه، وكان للرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك سُننًا كثيرة، منها أنه كان يُسَبِّحُ اللهَ إذا رأى شيئًا عجيبًا، وذلك كإعلان منه أنه يعترف أن هذا الشيء العجيب لا يقدر عليه إلا الله، وكان يُسَبِّح اللهَ كذلك إذا رأى من المؤمنين فعلًا عجيبًا على خلاف المتوقَّع، وكأنه يُسَبِّح اللهَ الذي خلق الأفهام المختلفة، ومثال ذلك في السُّنَّة كثير؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ. فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: (أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟) قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ: (سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ). وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَادَ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟) قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَقُولُ: اللهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (سُبْحَانَ اللهِ! لَا تُطِيقُهُ -أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ- أَفَلَا قُلْتَ: اللهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). قَالَ: فَدَعَا اللهَ لَهُ، فَشَفَاهُ. وتعلَّم الصحابة هذه السُّنَّة فكانوا يُسَبِّحون اللهَ إذا رأوا شيئًا عجيبًا؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، صَلاَةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: (بَيْنَما رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ). فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! بَقَرَةٌ تَتكَلَّمُ. فَقَالَ: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا، أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ). وَمَا هُمَا ثَمَّ، (وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ، فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا: اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي)، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ. قَالَ: "فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وَمَا هُمَا ثَمَّ. فليكن شعارنا التسبيح عند رؤية أمرٍ عجيب، ولنا في كل تسبيحة حسنة.