توقيف 6 عناصر دعم للإرهابيين في عمليات متفرقة عبر الوطن    قوجيل يستقبل مجموعة من الأعضاء المعنيين بالقرعة    دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    الشباك الموحد يدرس إدراج شركة 'ايراد" في بورصة الجزائر    فتح خطوط نقل استثنائية خاصة بالشهر الفضيل    جسر للتضامن ودعم العائلات المعوزة في ر مضان    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    استخدام أسلحة كيماوية في الجزائر: فيلم وثائقي جديد يكشف الوجه المظلم لفرنسا    رابح لكحل ل أخبار اليوم : السلطة الجديدة في سورية تسعى للحفاظ على وحدة البلد ومصالحه    تكوين احتياطي استراتيجي لتغطية فترات الجفاف    مصانع المياه تعبد الطريق لتوطين المشاريع الكبرى    هكذا يتم إصدار الهوية الرقمية وهذه مجالات استخدامها    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    الاتحاد الإفريقي يدين إعلان حكومة موازية في السودان    " بيغاسوس" بأداة قمع ضد الصحراويين    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    محرز يواصل الإبداع    مشاريع تحلية مياه البحر ضرورة ملحة    توقيف 6 عناصر دعم للإرهاب    أيراد تطرق باب البورصة    فتح 53 مطعم رحمة في الأسبوع الأول من رمضان    المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة    مساع لاسترجاع العقارات والأملاك العمومية    التشويق والكوميديا في سياق درامي مثير    للتراث المحلي دور في تحقيق التنمية المستدامة    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    إدانة الحصار الصهيوني على وصول المساعدات إلى غزّة    تنافس ألماني وإيطالي على خدمات إبراهيم مازة    حراسة المرمى صداع في رأس بيتكوفيتش    استعراض إجراءات رقمنة المكاتب العمومية للتوثيق    وفد برلماني يشارك في المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات    مشاركة فرق نسوية لأوّل مرة    دعم علاقات التعاون مع كوت ديفوار في مجال الصحة    محرز يعد أنصار الأهلي بالتتويج بدوري أبطال آسيا    الحصيلة النهائية للطعون المتعلقة بالنتائج المؤقتة للتجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة: إيداع 15 طعنا    المخزن يكرس القمع من خلال ترهيب وتكميم الأفواه في مشهد يفضح زيف شعاراته    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    الجزائر بصدد تصدير الكهرباء النظيفة إلى أوروبا    ألعاب القوى/ نصف ماراطون لشبونة: الجزائري بن يطو يسحم تأهله لبطولة العالم 2025 بكوبنهاغن    نحن في الطريق الصحيح    صادي في القاهرة    عرقاب: نسعى لتحقيق استقلالية تكنولوجية    مهرجان الإنشاد ببوسعادة: فرقة " قبس الفنية" من الأغواط تتوج بالمرتبة الأولى    كأس الجزائر: اتحاد الجزائر يتجاوز رائد القبة (1-0) ويضرب موعدا مع شباب تيموشنت في الدور ربع النهائي    المهرجان الوطني للعيساوة بميلة: فرقة الزاوية الطيبية من الأغواط تظفر بجائزة أحسن عرض متكامل    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    ندوة حول "مسرح علولة والبحث العلمي": إبراز جهود الباحثين في إثراء أعمال المسرحي عبد القادر علولة    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إقالة العثرات سنة وهدى نبوي
نشر في أخبار اليوم يوم 10 - 05 - 2015

الإنسان بفطرته وضعفه يصيب ويخطئ، ويعلم ويجهل، ويذكر وينسى، ولم يعصم الله عز وجل أحداً من الوقوع في الزلة والعثرة غير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع العورات، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمانُ الى قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه وهو في جوف رحله).. [رواه الترمذي].
وأمرنا صلى الله عليه وسلم بالستر عامة، وإقالة عثرات أهل الفضل والمروءة خاصة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).. [رواه مسلم].
قال النووي: (وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد)، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود).. [رواه أبو داود وصححه الألباني].
ومن المواقف النبوية التربوية الدالة على إقالة العثرات، موقفه صلى الله عليه وسلم مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه؛ فقد روي عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ (مكان قرب المدينة في طريق مكة ) فإن بها ظعينة (امرأة على بعير) معها كتاب، فخذوه منها، قال: فانطلقنا تعادى (تجري) بنا خَيْلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا لها: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجته من عِقاصها (شعرها المضفور)، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس بمكة من المشركين، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا حاطب! ما هذا؟) قال: يا رسول الله! لا تعجل عليَّ، إني كنت امرءاً ملصقا في قريش (أي: حليفاً لهم)، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين، من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنه قد صدقكم)، فقال عمر: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.. [الممتحنة :1] رواه البخاري. قال ابن كثير: (كان سبب نزول صدر هذه السورة (الممتحنة) الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة).
ومن المعلوم أن الصحابة رضوان الله عليهم خير الناس وخير القرون بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).. [رواه البخاري]، قال ابن تيمية: (ثبت بأدلة الكتاب والسنة أن أفضل الأمة أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، والعشرة مفضلون على غيرهم، والخلفاء الأربعة أفضل الأمة).
وحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه من أهل بدر، ويكفيه هذا شرفاَ وفضلاً، ومع ذلك زلت به قدمه في لحظة من اللحظات، وهذه سمة من سمات الضعف البشري، فالبشر ما داموا ليسوا رسلاً ولا ملائكة فهم غير معصومين من الخطأ، وهذا الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).. [رواه أحمد]، ومن ثم وجه النبي صلى الله عليه وسلم نظر أصحابه إلى أن يذكروا حاطباً رضي الله عنه بأفضل ما فيه بقوله: (إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)، وبهذه النظرة التربوية السمحة علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننسى الحسنات والفضائل لمن أخطؤوا قليلاً بعد أن أصابوا كثيراً، وأن ننظر إلى أصحاب العثرات من أهل الفضل نظرة متكاملة، ونأخذ بالاعتبار ما قدموه من خيرات وأعمال صالحة في حياتهم، قال ابن القيم: (من قواعد الشرع والحكمة أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يُحْتمل منه ما لا يُحتمل لغيره، ويُعْفى عنه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل، فإنه لا يحتمل أدنى خبث).
لا تعارض بين إقالة العثرات والمساواة
من دروس السيرة النبوية المشرفة المستفادة من قصة الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه: إقالة عثرات وزلات أهل المروءة والفضل، وأصحاب الجاه والشرف، الذين دامت طاعتهم، واشتهرت استقامتهم، ولكن زلت في بعض الأحيان أقدامهم، فوقعوا في ذنب أو خطأ، ومن الأحاديث النبوية المرشدة لذلك ما رواه أبو داود وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود)، وظاهر الحديث قد يفهم منه البعض أنه مُعارِضٌ لمبدأ العدل والمساواة الذي أقره الإسلام بين الناس، وليس الأمر كذلك؛ وذلك أن من كثرت عثراته، وتكررت زلاته لا يستوي ومَن قلَّت عثراته، وندرت زلاته، وغاية ما يرمي إليه الحديث هو رفع المؤاخذة بالخطأ والذنب إذا صدر عمَّن لم يكن من عادته ذلك، وعُرِفَ بالاستقامة والصلاح، إلا ما كان حداً من حدود الله تعالى وبلغ الحاكم فيجب إقامته.
على أن الحديث يومئ من جانب آخر إلى أن الناس وإن كانوا متساوين من حيث أصل الخلق والتكليف، بيد أنهم متفاوتون من جهة العلم والفضل والمكانة، وهذا الملمح ذكره ابن القيم في أثناء بيان المراد من هذا الحديث، حيث قال: (والظاهر أنهم ذوو الأقدار بين الناس من الجاه والشرف والسؤدد، فإن الله تعالى خصّهم بنوع تكريم وتفضيل على بني جنسهم، فمن كان منهم مستوراً مشهوراً بالخير حتى كبا به جواده، وأديل عليه شيطانه فلا نسارع إلى تأنبيه وعقوبته، بل تقال عثرته ما لم يكن حداً من حدود الله، فإنه يتعيّن استيفاؤه من الشريف كما يتعيّن أخذه من الوضيع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) متفق على صحته، وهذا باب عظيم من أبواب محاسن هذه الشريعة الكاملة، وسياستها للعالم، وانتظامها لمصالح العباد في المعاش والمعاد). وقد قال الذهبي في هذا الصدد: (إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعُلِم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه، يُغفر له زلته، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم، ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك).
ولا يفوتنا ونحن مع موقف النبي صلى الله عليه وسلم التربوي مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه أن نشير إلى معجزة من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه في هذا الموقف، وما كان يؤيَّد به من الوحي من قِبَل ربه، فقد أعلمه الله عز وجل بما فعله حاطب رضي الله عنه، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اذهبوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها)، وقد نفذ علي والزبير والمقداد رضي الله عنهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا موقنين بصحة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم بوجود كتاب حاطب رضي الله عنه مع المرأة، وقد أمسكوا بها في الموضع الذي حدده لهم النبي عليه الصلاة والسلام، ووجدوا مع المرأة الكتاب الذي أشار إليه، وهذه إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه، قال ابن حجر: (من أعلام النبوة اطْلاع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على قصة حاطب مع المرأة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.