" تزور بعضها وترصد أجواءها التضامنية مطاعم الرحمة... جهود مكثفة لإطعام الفقراء وعابري السبيل * ظروف لائقة ووجبات فاخرة لإكرام الصائمين يعد شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والتوبة، شهر يتلاحم فيه المسلمون في كل أنحاء العالم، فصور التكافل الاجتماعي تتعدد وتتنوع وهي نفس الصور التي نجدها في الجزائر، فمجتمعنا معروف بهبته التضامنية التي تتكرر في كل مناسبة، ومن أهم صور التكافل الاجتماعي تقديم الإفطار للفقراء والمساكين وعابري السبيل في كافة المدن الجزائرية في مطاعم وجدت خصيصا لذات الغاية أطلقت عليها تسمية (مطاعم الرحمة)، والتي توجد العشرات منها في العاصمة وحدها. روبورتاج: عتيقة مغوفل أصبح يتنافس العديد من المحسنين في كل سنة على تأسيس مطاعم الرحمة في كل بلدية وفي كل حي وذلك بغية تفطير الصائمين من المعوزين والمحتاجين، وعادة ما تنظم هذه المطاعم من طرف هيئات ومؤسسات عمومية، في حين تنظم أخرى من طرف شباب خيرين تتضافر جهودهم حتى يطعموا الجياع في الشوارع، وقد زارت (أخبار اليوم) بعض مطاعم الرحمة من أجل رصد الأجواء التضامنية فيها. مطعم "أسامة" يضمن 200 وجبة كانت الساعة تشير إلى حدود الثالثة والنصف حين تنقلنا إلى شارع طنجة الشعبي المتواجد بالجزائر العاصمة، وذلك حتى نزور بعض مطاعم الرحمة المتواجدة فيه، والجدير بالذكر أن شارع طنجة معروف عند العام والخاص بكثرة المطاعم الشعبية التي يحولها أصحابها خلال الشهر الفضيل إلى مطاعم رحمة تقدم وجبات الإفطار إلى عابري السبيل على مدار 30 يوما من شهر رمضان، أول مطعم زرناه يسمى(مطعم أسامة) هو مطعم شعبي يحوله صاحبه كل سنة إلى مطعم رحمة على حسابه الخاص، حيث يقوم هذا السيد بتوظيف عماله الذين يعملون معه خلال أيام الإفطار ويطلب منهم أن يطبخوا 200 وجبة إفطار للفقراء والمعوزين وعابري السبيل، بعدها أدخلنا صاحب المطعم إلى القاعة التي يقدم فيها الأكل وجدناها قاعة كبيرة فيها عدد هائل من الطاولات وحول كل واحدة 8 كراسي، كما وضع على الطاولة وبحسب عدد الكراسي صحنين واحد للشربة والثاني للطبق الثاني بالإضافة إلى كوب من الماء، بالإضافة إلى الملاعق والشوكات والسكاكين. أطباق فاخرة لإكرام الصائمين بعدها أخذنا صاحب المطعم ودخلنا إلى المطبخ وبينما كنا نسير في الرواق متجهين إليه سمعنا أحد الطباخين يغني باللغة الأمازيغية والبقية يرددون وراءه فقد كان الجميع يعمل في أجواء عائلية مميزة فعلا، دخلنا المطبخ فوجدنا على اليمين شابين جالسين أمام طاولة صغيرة كانا يلفان البوراك وكانا قد لفا حوالي 84 بوراكة فقد كانا يواصلان عملهما على أن يبلغا 210 حبة حسبما طلب منهما، وقد كان البوراك محشيا بالبطاطا والتونة وبعض البصل والمعدنوس، على يسارهما كان هناك طباخ (شاف) كان مشغولا بتحضير الطبق الثاني الذي كان عبارة عن شطيطحة بطاطا بالدجاج، وللإشارة فإن رائحته جعلتنا نتدور جوعا فقد كان يبدو شهيا للغاية، أمامه كان طباخ آخر يحضر الشربة التي لا يمكن أن تكون غائبة، وقد كانت الشربة بالشعيرية عوض الفريك من أجل التغيير قليلا، وفي آخر ركن من المطبخ كان شاب جالسا، كان مشغولا بتحضير السلطة التي كانت مشكلة من الخيار والطماطم بالإضافة إلى الفلفل الحلو كما كان الشاب يزين الصحون الخاصة بها بحبات الذرة وذلك حتى يغير اللون، أما عن الخبز فأخبرنا صاحب المطعم أن صاحب المخبزة الواقعة بنفس الحي يبيع له يوميا 250 خبزة بنصف ثمنها حتى يساعده قليلا في العمل الخيري، كما أكد لنا أن هناك بعض أصحاب الخير من يقومون بجلب الفواكه له على غرار الدلاع والمشمش حتى يساعدونه ويشاركونه في العمل التطوعي، أما عن الأشخاص الذين يقبلون على المطعم فقد أكد لنا صاحبه أنه لاحظ إقبال العديد من رعايا الجالية الإفريقية التي تقيم في المراقد المتواجدة بأعالي بلدية القصبة وكذلك هناك بشارع طنجة، كما أنه يشهد إقبال بعض العمال الذين يسكنون في الولايات الداخلية لكن ظروف عملهم أجبرتهم على البقاء في العاصمة. 180 وجبة يوفرها مطعم "مدرسة بومعيزة" وتوجهنا بعدها إلى بلدية باب الوادي، وبالتحديد إلى ابتدائية (جمال بومعيزة) هاته الابتدائية ينظم فيها كل سنة مطعم رحمة، الذي تشرف عليه أحد البنوك الخاصة دخلناه والساعة حينها تشير إلى حدود الرابعة والنصف مساء، بمجرد دخولنا الباب شممنا رائحة أكل لذيذ تفوح في الأجواء تشعر كل من يشمها بجوع شديد، وكنا كلما نتقدم أكثر نسمع صوت كلام وضحكات النسوة تنبعث من أحد الأقسام، إلى أن أوقفنا أحد الحراس وبعد أن عرفناه بهويتنا سألناه عن أصحاب هذه المبادرة الخيرية فرد علينا أنه كل سنة تقوم أحد البنوك بفتح مطعم رحمة في هذه الابتدائية وذلك لأنها واقعة في قلب حي شعبي فمن شأنه أن يستقطب عددا كبيرا من الفقراء وعابري السبيل، سألناه عن عدد الأشخاص الذين يتم إطعامهم فرد علينا أنه يتم يوميا إطعام حوالي 180 شخص موزعين بين أناس منفردين وعائلات معوزة تقصد المكان من أجل تناول وجبة الإفطار. نساء يتطوّعن لفعل الخير قادنا ذلك الحارس في جولة داخل المدرسة حتى نزور مطعم الرحمة من الداخل، وأدخلنا أول الأقسام كان يضم حوالي 5طاولات خشبية كبيرة حول كل واحدة منها حوالي 15 كرسيا بلاستيكيا أبيض، والجدير بالذكر أن تلك الطاولات كانت مغلفة بغلاف مزركش بالألوان جميل لفتح شهية الناس الذين يجلسون عبر الطاولات من أجل تناول وجبة الإفطار، كما كان بعض العمال القائمين هناك قد بدؤوا يحضرون الطاولات من أجل تقديم الأكل واضعين الصحون والكؤوس عليها، بالإضافة إلى الملاعق والأشواك والمناشف الورقية أمام كل كرسي، خرجنا من القسم الأول وتوجهنا إلى القسم الثاني فوجدنا به نفس الترتيبات وعدد الطاولات والكراسي، من هناك توجهنا إلى القسم الثالث، لكن هذه المرة لاحظنا أن عدد الطاولات كان أقل فقد كانت عبارة عن ثلاث طاولات كما أن عدد الكراسي بها كان أقل عددا فتم إخبارنا بعدها أن ذلك القسم مخصص للنساء، حتى يتم الفصل بين الجنسين عند تقديم طعام الإفطار لتكون النساء أكثر راحة، بعدها طلبنا من الحارس أن يأخذنا إلى المكان الذي كان تنبعث منه قهقهة وضحكات النسوة فأخبرنا أن الصوت قادم من المطبخ وأن هؤلاء النسوة هنَ القائمات على تحضير وجبة الإفطار للمحتاجين وعابري السبيل في هذا المطعم، فدخلنا المطبخ فوجدنا خمس نسوة (فحلات) جالسات به، كل منهمكة في عملها، وقد كانت روائح زكية تخرج من تلك القدور، تقربنا من السيدة الأولى والتي أوكلت لها مهام تحضير الشربة وقد أعدت لذلك اليوم شربة عاصمية بيضاء بالدجاج عوض الشربة الحمراء حتى تغير قليلا وتنوع الذوق، بجانبها كانت تجلس سيدة ثانية طلب منها تحضير الطبق الرئيسي الثاني وقد حضرت لذلك اليوم السفيرية، وقد قامت بجمع كل الخبز الذي زاد عن حاجة المطعم خلال إفطار يوم أمس، بلته بالقليل من الماء وماء الزهر وأضافت عليه بعض البهارات والجبن ثم شكلت كرات صغيرة وقلتها في الزيت، وحضرت من جهة أخرى المرق الأبيض بقطع الدجاج، وحين تقدمه تقوم بوضع حبات السفيرية في الطبق ثم تسكب عليها المرق والدجاج وتقدمه للمفطرين، على يمينها كانت جالسة سيدة ثالثة تلك السيدة كانت مختصة في اللحم الحلو، وجدناها منهمكة في غسل العينة والمشمش المصبر وبعض الزبيب الذي كانت ستضعه في طبقها، وقد كانت بين تلك النسوة امرأة رابعة مختصة فقط في السلطات وتزيينها وقد وجدناها منهمكة في وضع السلطات في الصحون ثم تدخلها إلى الثلاجة حتى تقدمها باردة إلى الصائمين خصوصا وأن الجو بالمدرسة كان حارا نوعا ما، وقد كانت هناك سيدة خامسة مختصة فقط في تحضير البوراك وقد كانت تلفه في شكل مثلث أو صامصة كما هو معروف عند العاصميين، ثم تقليه في مقلاة كبيرة، وتتركه يقطر من الزيت، وقالت النسوة إنهنَ بعد أن ينتهينَ من الطهي وتقديم الطعام بعد أذان المغرب وينصرف المفطرون يأتي دور بعض شباب الحي الذين لم يدخروا جهدا منذ أن تم فتح المطعم في غسل الأطباق وتنظيف قاعات الأكل والمطبخ وقد أكدنَ لنا بعض النسوة أنهن عندما يأتين في اليوم الموالي يجدنَ المكان نظيفا.
ومطاعم تختار توزيع الوجبات على المحرومين الأجواء المميزة التي وجدناها بمدرسة (جمال بومعيزة) الابتدائية ببلدية باب الواديبالجزائر العاصمة، جعلتنا نبحث عن أماكن أخرى تجتهد في تقديم الأكل للعائلات المعوزة وعابري السبيل خلال أيام الشهر الفضيل ليتم توجيهنا هذه المرة إلى بلدية بولوغين، وبالضبط إلى قاعة الحفلات المتواجدة بذات البلدية والتي تتحول كل رمضان إلى مقر لتوزيع وجبات الإفطار على العائلات المعوزة والمحرومة، ذهبنا إلى هناك والساعة تشير إلى حدود الخامسة والنصف مساء، فوجدنا المكان خاليا فتحنا باب القاعة ودخلنا، صعدنا إلى الطابق العلوي ولكن المكان كان يبدو خاويا على عروشه، ولكن سرعان ما سمعنا صوتا ينبعث من آخر القاعة توجهنا إلى هناك فوجدنا سيدتين وكان معهما رجل، كانوا منهمكين في تحضير وجبة الإفطار، تقربنا منهم وبدأنا نتبادل أطراف الحديث معهم ليشرحوا لنا فيما بعد أن بعض المحسنين بحي بولوغين يجمعون المال كل سنة ويشترون مختلف المواد الغذائية، ثم يقومون بطلب إعارة القاعة من السلطات المحلية التي عادة توافق على منحهم القاعة من أجل تسخيرها للعمل الخيري طوال أيام الشهر الفضيل، ليقوم بعدها المحسنون بإحضار أناس ماهرين في الطبخ حتى يطبخون كل ما يحتاجه الصائم لإفطاره، ولكن الاختلاف هو أنه لا يتم تحضير طاولات الإفطار بالقاعة بل يتم توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين من القاعة إلى بيوتهم، حيث يقوم أفراد العائلات المعوزة بالقدوم أثناء قرب أذان المغرب لأخذ الطعام والفاكهة وحتى بعض أنواع الحلويات التي يأتي بها بعض المحسنين حتى يتم توزيعها على الفقراء والمساكين، وقد شرح لنا الطباخ أنه يوميا تستقبل القاعة أزيد من 12 شخصا يأتون بحثا عن طعام الإفطار، وهناك من العائلات من ترسل فردين أو ثلاثة من أفرادها حتى يحصلوا على أكبر قدر من الأكل، ليضيف القائم على الطبخ أنه على علم بما تقوم به العائلات ولكنه لا يحاسبهم لأنهم يأخذون الأكل ولا يأخذون شيئا آخر، حاولنا أن نعرف ما كان يطبخ في تلك القدور التي كانت تغلي، فسألنا إحدى السيدات عن قائمة الطعام لذاك اليوم فردت علينا أنهم طبخوا الشربة، بالإضافة إلى طاجين الزيتون على اعتبار أنه الطاحين المفضل عند الكثير من الجزائريين وقد تم وضع الفطر عليه حتى يكون لذيذا أكثر، كما تم تحضير اللحم الحلو، وقررت النسوة أن يغلين البيض ليتم تقديمه للناس عوض السلطة التي لا يمكن أن تقدم في العلب، كما أن هؤلاء الطباخين لا يحضرون البوراك فهو يحتاج إلى مجهودات للقيام بطيه وقليه لذلك لا يوزعونه، بالإضافة إلى هذا فهم يقومون بتوزيع بعض أنواع الفواكه التي يحضرها بعض المحسنين في هذه الأيام ويحضرون لهم التمر بكثرة على اعتبار أن الصائمين يفتتحون إفطارهم بالتمر والحليب مراعاة للسنة النبوية.