بين آل داعش .. و جماعة لوبان بقلم: الشيخ بن خليفة (صور الغلو لا تقف عند التكفير والتفجير بل تتعداه إلى محاربة المناهج الشرعية والمطالبة بإغلاق الكليات الشرعية ومحاصرة العمل الخيري).. هكذا يلخص الدكتور محمد ضاوي العصيمي مظاهر الغلو والتطرف وقد تابعنا في الأسابيع الأخيرة كيف تجسد هذا الكلام النظري على أرض الواقع عند الأشقاء التوانسة الذين راح عدد كبير من ضيوف بلادهم ضحية للتطرف ظاهريا على الأقل ثم ذهبت عشرات المساجد ضحية للتطرف المضاد عندما اعتقدت السلطات التونسية أن المشكل أو جزء كبير منه في المساجد.. ولعل من أبشع صور التطرف اتهام الإسلاميين والإسلاميين والمنتسبين إلى الإسلام دون سواهم بالتطرف حتى أصبحت كلمة متطرف مرادفة للمسلم في كثير من وسائل الإعلام الغربية وحتى العربية مع أن التطرف مفهوم يشمل كذلك اليهود والمسيحيين والملاحدة والبوذيين وغيرهم حين تصدر عنهم سلوكات أو مواقف تندرج في خانة التطرف.. إنهم يسيئون للإسلام.. حين يردد صحفي على قناة تلفزيونية فضائية كلمة (متطرف) عادة ما يتبادر إلى أذهان كثير من المشاهدين شخص ملتح يرتدي قميصا ويحمل سلاحا قاتلا يطلق من خلاله النار على الأبرياء فيرديهم قتلى.. هذه الصورة النمطية نجح الإعلام الغربي (المتطرف) في ترسيخها لدى الرأي العام العالمي وساعده في ذلك الإعلام العربي الذي لم يعد يدقق في المصطلحات التي يسوقها إلى درجة استخدام لفظ الجهاد والجهادي لتوصيف الإرهاب والتطرف ويبدو ذلك جزءا من المخطط الصهيو صليبي لتشويه صورة الإسلام والمسلمين. عندما تقع عملية إرهابية في أي بلد غربي تتجه أصابع الاتهام مباشرة نحو المسلمين وعندما يتبنى تنظيما مشبوها مثل داعش عملية إرهابية يسارع أعداء الإسلام إلى محاولة ضرب صورة الدين الحنيف في الضمير الجمعي العالمي والنتيجة.. تطرف مضاد تصنعه الإسلاموفوبيا فالخائفون من المسلمين كثيرا ما يُقدمون على ممارسات عدوانية بحق رموز الإسلام وأتباعه وقد تابعنا مثلا بعد الاعتداء على مجلة شارلي إيبدو الفرنسية السخيفة كيف تعرضت العديد من المساجد في فرنسا للاعتداء والحرق.. ولم يعتبر الإعلام الفرنسي والعالمي عموما ما يفعله (أهل الإسلاموفوبيا) تطرفا أو إرهابا فالتطرف والإرهاب (خصلة إسلامية) بامتياز في نظر غالبية المدارس الإعلامية الغربية. آل داعش .. و أهل لوبان لا تبرير للتطرف والغلو أيا كان من يحمل فكره ولا تبرير أيضا لسياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها الغرب بحق المسلمين فالمتطرف متطرف سواء كان مسلما أو بوذيا أو نصرانيا أو يهوديا أو ملحدا أو غير ذلك.. ومثلما يصنف العالم الدواعش في خانة غلاة المتطرفين ويحاربهم ظاهريا على الأقل لكونهم يستبيحون الدماء والأعراض بغير وجه حق على العالم أن يردع المتطرفين الصهاينة الذين يقتلون أطفال غزة والمتطرفين البوذيين الذين يحرقون مسلمي بورما والمتطرفين الفرنسيين على شاكلة حزب لوبان وعصابته وساركوزي وشلته فهؤلاء الكارهون للمسلمين مجرمون أيضا حتى ولو ارتدوا ربطات عنق وتعطروا بعطور باريسية.. تكفير وتفجير يعتقد بعض المنتسبين إلى أمة الإسلام أنهم مطالبون بحمل الناس على الدخول في دين الله وتغيير المنكر (بالسيف والرصاص) وتستغل دوائر ومخابر صهيونية وغربية هذا الاعتقاد البائس لتشكيل واختراق واستغلال جماعات وتنظيمات مشبوهة على غرار تنظيم داعش الدموي الذي يوهم قادته أعضاءه بأن القتل جهاد حتى ولو كان في غير محله ولا يتوانى الدواعش المتطرفون في ممارسة التكفير والتفجير ثم يزعمون أنهم يحسنون صنعا.. ولا شك أن ظاهرة التكفير والتفجير ليست بالظاهرة الجديدة التي لم يسبق لها وجود فالمتطرفون المنتسبون لأمة التوحيد وأمة التوحيد منهم براء موجودين منذ زمن بعيد. يُنسب إلى إمام الدعاة الشيخ محمد الشعراوي رحمه الله قوله: كنت أناقش أحد الشباب المتشددين فسألته: هل تفجير ملهى ليلي في إحدى الدول المسلمة حلال أم حرام؟ فقال لي: طبعا حلال وقتلهم جائز. فقلت له: لو أنك قتلتهم وهم يعصون الله ما هو مصيرهم؟ قال: النار طبعاً.. فقلت له: الشيطان أين يريد أن يأخذهم؟ فقال: إلى النّار طبعاً فقلت له: إذن تشتركون أنتم والشيطان في نفس الهدف وهو إدخال النّاس إلى النار! وذكرت له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا مرّت جنازة يهودي أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يبكي فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟؟ قال: نفس أفلتت منّي إلى النار فقلت: لاحظ الفرق بينكم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يسعى لهداية الناس وإنقاذهم من النار أنتم في واد والحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في واد!.. تطرف.. وتطرف مضاد تقول القاعدة الفيزيائية الشهيرة أن لكل فعل رد فعل يعادله في القوة ويقابله في الاتجاه وهو ما يمكن إسقاطه على موضوع التطرف فمسؤولية التطرف والغلو لا يتحملها المتطرفون والغلاة وحدهم وإن كان لا تبرير لما يقومون به وإنما يتحملها معهم كل من ساهم في دفعهم إلى التطرف أو صناعة جو فكري أو سياسي مهد طريق الغلو أمامهم.. ولأن التطرف عادة ما يتحول إلى سلوكات عنيفة راديكالية قاتلة أحيانا لا شك أن اجتثاثه من جذوره يقتضي إزالة مسبباته بداية من تحصين الجبهات الداخلية اجتماعيا فالفقر يعتبر بيئة حاضنة أساسية للتطرف أما الجهل فحدث ولا حرج وتبدو المعركة الأكبر ضد التطرف معركة فكرية ولا يمكن استئصال التطرف من المجتمع إلا بتحرير عقول أفراده من الجهل وهي مهمة بالغة الصعوبة والتعقيد.. ورحم الله شيخ جمعية العلماء المسلمين الراحل محمد البشير الإبراهيمي القائل: (تحرير العقول أصعب وأشق من تحرير الحقول: ذلك أن تحرير الحقول يستطيع أن يقوم به كل شخص أما تحرير العقول فلا يقدر عليه إلا راسخ في العلم عميق في الفهم صادق في العزم مخلص في القصد).