شهر من الكرّ والفرّ حول مصير مجهول لحكومة وطنية ليبيا.. أزمة متفاقمة وغياب للحلول يعلّق المجتمع الدولي آمالا على توصّل الأطراف الليبية إلى اتّفاق ينتهي بتشكيل حكومة وحدة وطنية ويدفع بكلّ وسائله التي وصلت إلي التهديد بفرض عقوبات للتوقيع على (الاتّفاق) لكن الأطراف الليبية المتنازعة ما تزال تبدي التحفّظات بشأن ذلك وسط تشكيك في نزاهة الوساطة الأممية. ما إن تلوح بوادر الانفراج في الأزمة الليبية حتى تعود الأمور إلى التعقيد من جديد فالخلاف ما يزال السِمة الأساسية بين طرفي النّزاع المتمثّلين في المؤتمر الوطني العام المنعقد في طرابلس والبرلمان الليبي المنحلّ المنعقد في طبرق وما زاد الأمر تأزّما ما تمّ كشفه قبل أيّام عن تعيين الوسيط الأممي السابق برناردينو ليون مديرا لإحدى المؤسّسات الإماراتية ممّا اعتبر (خيانة) و(ضربا لنزاهته وحياده). ولا تقتصر أوجه الخلاف عند هذا الحدّ بل تتعداه فالواقع أكثر تعقيدا وأطراف الصراع متعدّدة تتضمّن المليشيات القبلية والجهوية والقوى الإقليمية وتنظيم الدولة الإسلامية. وفي الوقت الذي يحاول فيه المجتمع الدولي دفع الأطراف المتنازعة للتوافق وتهديده بفرض عقوبات على (الذين يعرقلون تشكيل حكومة وفاق ليبية ويهدّدون السلام والاستقرار في البلاد) ما تزال المواقف متباينة بشأن الاتّفاق السياسي الذي أعلن عنه قبل أكثر من شهر. * فرصة واندهاش جدّد مجلس الأمن التأكيد عن أن الاتّفاق الذي أعلن عنه الوسيط الأممي برناردينو ليون في ليبيا -القاضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية- (يمثّل فرصة حقيقية لتسوية الوضع) معبّرا عن (القلق المتواصل إزاء الأزمات السياسية والأمنية والمؤسّسية وحيال التهديدات المستمرّة بالإرهاب في ليبيا). ويبدو أن ما كشفت عنه مؤخّرا صحيفة (ذا غارديان) البريطانية بشأن المنصب الذي عرض على ليون لتولّي رئاسة (الأكاديمية الدبلوماسية) في الإمارات منذ جوان الماضي وإعلان الإمارات قَبول الوسيط الأممي المنتهية ولايته لهذا المنصب الأربعاء الماضي ألقى بظلاله الثقيلة على الأزمة الليبية وأثار عنصر التشكيك في نزاهة المبعوث الأممي. ليون -الذي هوّن من قَبوله هذه الوظيفة- أكّد أن لا علاقة لها باتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الذي أعلنه الشهر الماضي في مدينة الصخيرات المغربية قائلا: (قَبولي بتلك الوظيفة لم يؤثّر مطلقا على خطّة السلام التي توصّلنا إليها بشأن ليبيا وأريد من أيّ أحد يزعم غير ذلك أن يقرأ نصوص الاتّفاق ويرى إن كانت هناك أيّ علاقة بين الأمرين). ولم يتوقّف موقف ليون عند هذا الحدّ بل تجاوزه إلى حد الاندهاش من طلب المؤتمر الوطني إجراء تحقيق فوري بشأن ممارساته وآدائه في ملف الحوار الليبي مطالبا أعضاء المؤتمر بعدم القلق كما أعرب عن اعتقاده بأنهم يبحثون عن أيّ أعذار لعدم التوقيع على اتّفاق الصخيرات. * شكر وتشكيك بينما أعرب أعضاء مجلس الأمن ب (الإجماع) عن شكرهم للجهود التي قادها ليون في ليبيا وتصميمهم على دعم خطّة السلام بهدف تشكيل حكومة وفاق ما يزال موقف المؤتمر الوطني العام في طرابلس والحكومة المنبثقة عنه مشكّكا في (نزاهة ليون) متّهما إيّاه بالانحياز إلى حكومة البرلمان المنحلّ في طبرق غير أن هذا الطرف ما يزال مُصرّا على رغبته في بدء محادثات جديدة ترعاها الأمم المتّحدة. من جانبه اعتبر حزب الجبهة الوطنية الليبي أن ليون وسيط غير مقبول وقال إن مسودة الحلّ السياسي التي طرحها أصبحت في حاجة إلى مراجعة وطالب في رسالة موجّهة إلى أمين عام الأمم المتّحدة بان كي مون بأن يبدأ المبعوث الجديد مارتن كوبلر بمهامه وأن يستمع إلى طرفي النّزاع بشأن وجهة نظرهما في مسودة الحلّ السياسي وقَبول تعديل النقاط المعيقة للاتفاق. أمّا حزب العدالة والبناء فقد أكّد المُضي في مسار الحلّ السياسي ودعا إلى التركيز على مضمون الاتّفاق ونتائج الحوار بعيدا عن اختزال الأمم المتّحدة في شخص مبعوثها. * حوار ومصاعب وسط استمرار الجدال بشأن (مصداقية) المبعوث الأممي المنتهية ولايته تتّجه أنظار في ليبيا إلى جولات جديدة من الحوار التي تقوده الأمم المتّحدة بوساطة الألماني كوبلر. ولا تبدو مهمّة كوبلر سهلة على الإطلاق في مناخ من التوتر السياسي والأمني كما أن استكمال مسار السلام الطويل والمعقّد لن يكون سوى خطوة على الطريق الصحيح. فحسب متابعين للمشهد الليبي فإن التوصّل إلى اتّفاق لن يكون إلاّ جزءا من حلّ مشكلة معقّدة فالأصعب ما زال لم ينجز بعد خاصّة في ما يتعلّق بنزع سلاح الكتائب والانطلاق في بناء مؤسّسات الدولة وإنهاء حالة الفوضى الأمنية ومحاربة تنظيم الدولة والحدّ من موجات الهجرة غير النظامية فضلا عن رتق النّسيج الاجتماعي الذي مزّقته الحرب لأكثر من أربع سنوات.