هناك صفات أهل الجنة من المؤمنين من هذه الأمة يوم القيامة وهم السبعون ألفا الذين يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب . فلقد ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) بعض صفاتهم فقال: (هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ). فقول النبي (صلى الله عليه وسلم): ((هم الذين لا يرقون ولا يستَرْقَون ولا يكتوون ولا يتطيّرون)). اختلف الناس في معنى هذا الحديث وعلى ماذا يُحمل فحمله الإمام المازَرِيّ على أنّهم الذين جانبوا اعتقاد الطبائعيّين في أنّ الأدوية تنفع بطباعها واعتقاد الجاهليّة في ذلك ورقاهم وهذا غير لائق بمساق الحديث ولا بمعناه إذ مقصوده إثبات مزيَّة وخصوصيّة لهؤلاء السبعين ألفًا وما ذكره يرفع المزيّة والخصوصيّة فإنّ مجانبة اعتقاد ذلك هو حال المسلمين كافَّةً ومن لم يجانب اعتقاد ذلك لم يكن مسلمًا ثمّ إنّ ظاهر لفظ الحديث إنّما هو: ((لا يرقون ولا يكتوون)) أي: لا يفعلون هذه الأمور وما ذكره خروج عنه من غير دليل. وقال الداوديّ. المراد بذلك الذين يجتنبون فعله في الصحّة فإنّه يُكره لمن ليست به علّة أن يتّخذ التمائم ويستعمل الرقى فأمّا من يستعمل ذلك من مرض به فهو جائز. وهذا إن صحّ أن يقال في التمائم وفي بعض الرقي فلا يصحّ أن يقال في التعويذات وهي من باب الرقي إذ قد يجوز أن يتعوّذ من الشرور كلّها قبل وقوعها ولا يصح ذلك في التطبب فإنه يجوز أن يتحرز من الأدواء قبل وقوعها. التوكل الحق وذهب الخطّابيّ وغيره إلى أنّ وجه ذلك أن يكون تركُها على جهة التوكّل على الله والرضا بما يقضيه من قضاء وينزل من بلاء قال. وهذه أرفع درجات المتحقِّقين بالإيمان قال. وإلى هذا ذهب جماعة من السلف وسمّاهم. قال القاضي أبو الفضل عياض. وهذا هو ظاهر الحديث ألا ترى قوله: ((وعلى ربّهم يتوكّلون)). (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: أبو العبَّاس الأنصاريُّ القرطبيُّ 3/89). وقال ابن حجر (لقد رَقَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَى النَّبِيّ أَصْحَابه وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الرُّقَى وَقَالَ(مَنْ اِسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ. قَالَ: وَإِنَّمَا الْمُرَاد وَصْف السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّل فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ وَلَا يَكْوِيهِمْ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْء . وَقَدْ رُقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَى وَفَعَلَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَلَوْ كَانَ مَانِعًا مِنْ اللَّحَاقِ بِالسَّبْعِينَ أَوْ قَادِحًا فِي التَّوَكُّل لَمْ يَقَعْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَاهُمْ. (ابن حجر: الفتح18/389) . وقيل: (لا يسترقون) لا يفعلون الرقية اعتمادا كليا على الله عز و جل ولا يطلبون الرقية من أحد توكلاً منهم على الله أو يتركون الرقى بغير ما ورد عن النبي عليه السلام. (لا يتطيرون) لا يتشاءمون بالطيور . التفاؤل والتشاؤم بالطير وذلك إذا شرع أحدهم في حاجة وطار الطير عن يمينه يراه مباركا وإن طار عن يساره يراه غير مبارك (لا يكتوون) أي لا يتداوون بالكي . (يتوكلون) يفوضون الأمر إليه تعالى وإن تعاطوا الأسباب. (راجع : إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض 1/390 شرح النووي على مسلم 3/90 شرح سنن ابن ماجه للسيوطي 1 /249 وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي 1/490 ). فالمؤمنون الخالصون المخلصون هم الذين لا يفعلون رقى الشرك التي يقوم بها الدجاجلة والمشعوذون كما أنهم لا يعرفون التشاؤم والتطير الذي ينافي التوكل فهم يحسنون التوكل على الله تعالى في كل أمورهم. وقد حَضَّ الله عباده المؤمنين على التوكل في مواضع عديدة من الكتاب العزيز وبيَّن سبحانه ثمراته وفضائله قال تعالى: (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 9المائدة:23 وقال: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) التوبة:51 وقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق:3 وقوله جل وعلا (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) وقال سبحانه واصفاً عباده المؤمنين في معرض الثناء والمدح (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2). وصح عن النبي (صلى اللّه عليه وسلم) فيما رواه عنه جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه أنه قال: (إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا اللّه وأَجْملوا في الطلب خذوا ما حلَّ ودَعُوا ما حَرُم) (رواه ابن ماجة والحاكم وابن حبان). وقال عمر رضي اللّه عنه: بين العبد وبين رزقه حجاب فإن قَنَعَ ورضيت نفسه أتاه رزقُه وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يُزَدْ فوق رزقه.