التاريخ الأسود يعيد نفسه في باريس *** اقتحامات للمساجد وحصار على تنقّلات المسلمين أعادت قرارات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ومواقفه ردّا على هجمات باريس إلى الأذهان صور الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ورغم اختلاف توجّهات الرئيس الفرنسي الاشتراكي اليساري عن بوش الابن اليميني إلاّ أن تصرّفاتهما باتت متماثلة عندما تعلّق الأمر بالحرب على ما يسمّى (الإرهاب). ق.د / وكالات في مسعى لاجتثاث (الإرهاب) أعطى الرئيس الفرنسي أوامره بتكثيف الغارات الجوّية على تنظيم الدولة الإسلامية في سورياوالعراق وكان هذا القرار خلاصة اجتماع طارئ لمجلس الدفاع. وإن لم يكن هذا الموقف هو الأوّل لرئيس غربي في مواجهة الإرهاب فقد أعاد إلى الأذهان ما أعلنه بوش قبل سنوات في وضع يحمل الكثير من أوجه الشبه. فعلى الرغم من اختلاف التوجّهات السياسية للرجلين تلقّى كلاهما دعما من كلّ الأطياف السياسية في بلاده كما اتّخذ كلّ من بوش وهولاند الإجراءات ذاتها المتمثّلة في شنّ غارات جوّية وتحريك حاملة الطائرات والزخم الإعلامي غير المسبوق والإجراءات الاستثنائية. وبعد تفجيرات باريس بدت فرنسا وقد استشاط غضبها تماما كما فعل بوش عندما أعلن بعد هجمات 11 سبتمبر (من ليس معنا فهو ضدنا) في حين هدّد هولاند ب (شنّ حرب بلا هوادة والضرب بلا رحمة). من جهته خرج رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالز ليقول إنه تمّ تنفيذ نحو ستمئة عملية دهم خلال أسبوع ثمّ وجّه حديثه إلى دول الاتحاد الأوروبي قائلا إنه قد يتمّ إعادة النّظر في منظومة (شنغن) بالكامل إذا لم تتحمّل الدول الأوروبية مسؤوليتها على حدودها. * حرب في الداخل والخارج أعلنت فرنسا مقتل عبد الحميد أباعود الذي يشتبه في أنه العقل المدبّر لهجمات باريس في حين أمر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتكثيف الغارات الجوّية على تنظيم الدولة الإسلامية في سورياوالعراق. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أن أباعود (28 عاما) وهو بلجيكي من أصل مغربي قتل في العملية الأمنية التي نفّذها عناصر من قوّات النخبة في الشرطة الفرنسية الأربعاء في ضاحية سان دوني شماليباريس. وقام 110 عناصر من قوّات النخبة بالهجوم على شقّة في سان دوني على إثر معلومات بوجود عبد الحميد أباعود في فرنسا في حين كان يعتقد أنه في سوريا. وأكّد المدّعي العام الفرنسي فرانسوا مولان في بيان (التعرّف رسميا) على جثّته التي تحمل (آثار رصاص كثيف) بفضل البصمات. وقال وزير الداخلية إن أباعود كان ضالعا في أربع من أصل ستّ هجمات تمّ إحباطها في فرنسا منذ الربيع (وقد تأكّد ضلوعه بصورة خاصّة في مخطّط للهجوم على كنيسة في منطقة فيلجويف في جنوبباريس في أفريل كما أنه قد يكون ضالعا في الهجوم الفاشل على قطار تاليس في أوت الماضي). * كيف تنقّل أباعود؟ تطرح حاليا أسئلة لمعرفة كيف تمكّن أباعود الصادرة في حقّه مذكّرة توقيف أوروبية ودولية من العودة إلى أوروبا والتنقّل فيها والدخول خصوصا إلى فرنسا؟ وفي هذا الصدد قال كازنوف: (لم نتلقّ أيّ معلومات من دول أوروبية قد يكون انتقل عبرها قبل الوصول إلى فرنسا توحي بأنه تنقّل في أوروبا ووصل إلى فرنسا). وعشية اجتماع طارئ لوزراء الداخلية الأوروبيين في بروكسل دعا كازنوف أوروبا إلى (تدارك الأمر وتنظيم صفوفها والدفاع عن نفسها في وجه الخطر الإرهابي). * تهديد قائم صرّح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس بأنه قد تكون هناك جماعات أو أشخاص مرتبطين بهجمات باريس ما زالوا ناشطين وأكّد أن فرنسا لا تعرف ما إذا كان المشتبه به صلاح عبد السلام (26 عاما) موجودا في فرنسا أو بلجيكا مشيرا إلى أن (التهديد قائم). وحسب وكالة الصحافة الفرنسية فإنه يعتقد أن هناك شخصا آخر ضالعا في هجمات باريس غير عبد السلام لم يتمّ التعرّف على هويته ما يزال فارّا. وقال فالس أيضا إن بعض منفّذي هجمات باريس (استغلّوا أزمة اللاّجئين) لدخول فرنسا. وعلى صعيد التحرّكات السياسية والعسكرية داخل فرنسا وخارجها أعلن قصر الإليزيه في بيان مساء الخميس أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ترأس اجتماعا لمجلس الدفاع المصغّر وأعطى (التعليمات الضرورية لتكثيف العمليات العسكرية الجارية لمكافحة تنظيم الدولة في سوريا كما في العراق). * باريس تعزّز حراسة شبكة المياه وتداهم مسجدا بالتزامن مع هذه الإجراءات عزّزت السلطات الفرنسية أمس الجمعة حراسة شبكة المياه الصالحة للشرب تحسّبا لأيّ عمل (إرهابي) قد يقوم بتسميم الماء بمواد كيميائية كما داهمت مسجد السُنّة في مدينة بريست غربي فرنسا وطوّقت الحي الذي يوجد فيه المسجد وذلك بعد أسبوع من هجمات باريس التي أدّت إلى سقوط مئات الضحايا. وقالت مصادر إن تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس عن احتمال هجوم كيميائي زادت من حدّة الخوف في فرنسا وبعد التخوّف من هجوم بالرصاص أصبح الخوف من هجمات صامتة وبيّنت أن تعزيز الحراسة على شبكة المياه يأتي في سياق هذه التخوّفات ونقلت نفس المصادر معلومات ب (تحفّظ شديد) عن طلب شركات الأدوية الزيادة في منسوب علاجات الاختناق التي يمكن أن تحدث في حال وجود هجوم كيميائي وأوضح أن هذه المعلومات تلقي بظلالها الثقيلة على فرنسا وتدفع إلى الاعتقاد بوجود جيل جديد وطرق جديدة ومختلفة ومرعبة تهدد أمن الدولة الفرنسية. من جهتها قالت وسائل إعلام فرنسية إن عملية مداهمة مسجد السُنّة في مدينة بريست بدأت في ساعة مبكّرة من صباح أمس وتواصلت إلى نحو ثلاث ساعات مشيرة إلى أن قوّات الشرطة طلبت من سكّان الحي الذي يوجد فيه المسجد الابتعاد عن النوافذ. وحسب المصادر الفرنسية ذاتها فإن قوّات الأمن كانت تبحث عن إمام المسجد رشيد أبو حذيفة موضّحة أنه لم يكن هناك خلال فترة المداهمة. وقال موقع (أوروب 1) إن أبو حذيفة -الذي يحظى بشعبية على شبكة الأنترنت- عرف بخطبه الدينية (المتشدّدة) التي أثارت الجدل. وكان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس كشف أنه تمّ تنفيذ نحو ستمئة عملية دهم منذ وقوع هجمات باريس. * تحذير وخوف تأتي هذه الإجراءات بعد تحذير فالس من أن بلاده قد تواجه هجمات بأسلحة كيميائية أو جرثومية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية كما أنها تأتي عقب يوم من تمديد حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس فرانسوا هولاند بعد هجمات باريس. وقال فالس -في كلمة له أمام جلسة طارئة للجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)- إنه لا ينبغي استبعاد أي شيء وأضاف (أن خيال العقول المدبرة فيما يتعلق بسبل الموت لا حدود له). وقد وافق البرلمان على مشروع قانون لتمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر وتشديدها على أن يعرض مشروع القانون امس الجمعة على مجلس الشيوخ من أجل اعتماده بشكل نهائي ليصبح عندها ساريا. وينصّ مشروع القانون على تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر اعتبارا من 26 نوفمبر وتوسيع نظام الإقامة الجبرية ليشمل أيّ شخص يعتبر تصرفه مشبوها ويمكن أن يشكل تهديدا للأمن والنظام العام. يشار إلى أن القانون الحالي خلال حالة الطوارئ ينصّ على احتمال فرض الإقامة الجبرية على أي شخص (تعتبر أنشطته خطيرة) على الأمن العام. وكانت الحكومة الفرنسية قد فرضت حالة الطوارئ يوم السبت الماضي لمنح الشرطة سلطات أوسع للقيام بعمليات تفتيش واحتجاز المشتبه بهم. جدير بالذكر أن باريس شهدت في 13 نوفمبر الجاري سلسلة هجمات تبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية أسفرت عن مقتل 129 وإصابة 350 على الأقل. * (تنظيم الدولة) يتوعّد فرنسا مجدّدا وأوروبا لا تستبعد هجمات أخرى بثّ تنظيم الدولة ثلاثة إصدارات مرئية في ساعة واحد توعّد فيها فرنسا بالمزيد من العمليات على غرار هجمات باريس الدموية التي وقعت الجمعة الماضية. المكتب الإعلامي في (ولاية الفرات) بثّ الإصدار الأوّل بعنوان (وإن جندنا لهم الغالبون) حيث تضمّن أناشيدا جهادية باللّغة الفرنسية على غير ما جرت عادة بقية الإصدارات. واحتوى الإصدار على مشاهد لإعداد أحزمة ناسفة وصواعق قبل أن يرتديها أشخاص يلبسون ثيابا غربية لا تدلّ على هوياتهم فيما لم يذكر التنظيم إن كانت تلك المشاهد تمثيلية أم حقيقية. وقال أحد عناصر التنظيم الفرنسيين من أصول أفريقية إن (الحلّ بالعمليات الاستشهادية والانغماسية) مضيفا: (يا إخوة فكّروا بهذه العمليات فإنها من أحبّ الأعمال إلى اللّه) وتابع: (لضعفاء الإيمان الذين يظنّون أن قوّة أمريكاوفرنسا ستؤثّر علينا نقول لهم نعم لديهم طائرات وصواريخ لكن نحن لدينا قوّة اللّه والإيمان الذي سيكسر قوّتهم بإذن اللّه) وأضاف وهو يتحدث من على ضفة نهر الفرات: (نحن أحفاد الصحابة جاهزون لاستقبالهم هنا والدولة الإسلامية باقية رغما عن أنوفهم). وعرض الإصدار جانبا من تعليق الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على الهجمات وحديث سابق له يؤكّد فيه مشاركة فرنسا بالحرب ضد تنظيم الدولة في إشارة إلى أن (فرنسا هي من بدأت) وفقا لأنصار التنظيم. الإصدار الثاني الذي حمل عنوان (القادم أدهى وأمر) وبثّه المكتب الإعلامي في (ولاية حمص) اعتبر أن (الأيّام القادمة ستحمل في طياتها الويلات على فرنسا). وخاطب أحد عناصر التنظيم الفرنسيين قائلا: (يا عباد الصليب واللّه إننا نخاطبكم بصوت يقطر دما ونعدكم بمزيد من العمليات وأيّام سوداء عليكم) وتابع: (يا أسود التوحيد في فرنسا نعلم أن هذه العمليات لن تكون الأخيرة فالثبات الثبات والإخلاص الإخلاص دونكم أعداء اللّه اقتلوهم حيث ثقفتوهم عليكم بالتفجير والطعن والاغتيال). فيما قال آخر للأوروبيين: (واللّه لن تهنأوا بعيش حتى تدخلوا الإسلام أو تدفعوا الجزية ونعدكم بأيّام كأيّام الحادي عشر من سبتمبر غزوة منهاتن المباركة وكيوم باريس الدامي) وأوضح أن ما حدث هو (حصاد تدخل قواتكم وطائراتكم في مالي وأفغانستان وقبلها في الجزائر ومغرب الإسلام) وأضاف: (لن ننسى دماء إخواننا فالدم الدم والهدم الهدم واللّه غالب على أمره ولكن عباد الصليب لا يعلمون). وأكّد عنصر آخر في التنظيم أن (الاستشهاديين والانغماسيين بالمئات ينتظرون إشارة من الشيخ أبي بكر البغدادي خليفة المسلمين) وأكمل قائلا: (رسالتنا لهم ستكون بالمفخّخات والأحزمة الناسفة والاغتيالات فليس من الإنصاف أن يهنأوا بعيش وإخواننا في بلاد المسلمين بأنكد عيش). الإصدار الثالث التهديدي لفرنسا والذي بثّه المكتب الإعلامي في (ولاية دجلة) حمل عنوانا لافتا وهو (باريس قبل روما) اعتبر خلاله التنظيم أن (غزو باريس أولى من غزو روما) وهي عبارة رددها سابقا (أبو محمد العدناني) الناطق الرسمي باسم التنظيم. وقال أحد عناصر التنظيم إن (القتل في سبيل اللّه هو الفوز العظيم وهو الذي دعانا اللّه ورسوله عليه السلام لفعله) وأضاف مخاطبا منفّذي هجمات باريس: (لقد سلكتم مسلك النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولن يضلّ من سلك هذا المسلك فهو خير طريق مختصر إلى الجنّة) وتابع: (حاشا للّه أن تكون هذه النهاية فهذه قطرة في بحر والدولة بدأت في العراق والشام ولن تنتهي إلاّ برفع راية العقاب من المشرق إلى المغرب كما وعد النبي عليه السلام) وفي رسالة تهديد إلى الولايات المتّحدة الأمريكية قال: (بدأنا بفرنسا الصليب وسننتهي بالبيت الأبيض المزعوم ونجعله أسودا لا بل سنفجره). وواصل مقاتل آخر تهديده لفرنساوأمريكا قائلا: (نبشّر هولاند وأوباما ومن لف لفهم بأننا سنشويهم بإذن اللّه بالمخففات فوالذي رفع السّماء بلا عمد سنلاحقهم أينما ذهبوا ونقتلهم سنقتادهم عبيدا كالكلاب بإذن اللّه) وخاطب أميره (أبا بكر البغدادي) قائلا: (إننا جنودك فاذهب بنا حيث شئت وإنّا ماضون في هذه الطريق حتى يكون كلّ شبر في هذه الأرض للمسلمين). وكان روب واينرايت مدير الشرطة الأوروبية (يوروبول) اعترف باحتمالية شنّ تنظيم الدولة هجمات جديدة على عدّة دول أوروبية. وقال واينرايت في تصريح نقلته وكالة الأنباء الفرنسية إن (التهديد الإرهابي إثر اعتداءات باريس هو الأكثر جدية في السنوات العشر الأخيرة). وأضاف واينرايت أمام لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية في البرلمان الأوروبي: (يمكننا أن نعتبر دون مبالغة أن وقوع هجمات أخرى أمر محتمل). وأعلن مدير الشرطة الأوروبية عن فتح مركز مختصّ في (مكافحة الإرهاب) مشيرا إلى أن الشرطة الأوروبية ستخصص له موارد حقيقية وتابع: (هذا المركز سيعزز قدراتنا على مراقبة الإنترنت ومتابعة تمويل الإرهاب وتتبع الأسلحة النّارية والاتّجار فيها ومتابعة المقاتلين الأجانب وأنشطتهم). وحسب واينرايت فإن (متابعة تحرّكات المقاتلين الأجانب المشتبه فيهم بين أوروبا وسورياوالعراق تبيّن أن هناك 10 آلاف مشتبه بهم في هذا المجال قد دخلوا الدول الأعضاء ودولا شريكة على المستوى الدولي) وبيّن أنه (تمّ التحقّق والتأكد بالفعل من ألفي اسم باعتبار حامليها مقاتلين فعليين) موضّحا أن (البقية هم فقط مشتبه فيهم أو يساعدون في تحرّكات المقاتلين). واعترف مدير الشرطة الأوروبية بوجود 5 آلاف مقاتل على الأقلّ يحملون جنسيات أوروبية في سورياوالعراق.