النبش في النفايات ديكور متواصل عبر بعض الشوارع محرومون يقتاتون من المزابل الفقر الشديد ينهش أجساد المحرومين ويدفع بهم إلى انتهاج سلوكات لا يتقبلها العقل كانت آخرها حومهم حول الحاويات وتحين الفرصة لإدخال رؤوسهم في الحاويات التي لا يحتمل المرء منا حتى العبور بمحاذاتها إذا لزمه الأمر لكن فئة من الناس أبرمت عقدا مع تلك الحاويات وعزفت عن فسخه وهو ما يجسده منظر الكهول والعجائز وحتى الشيوخ وهم ينبشون النفايات علهم يجدون ما يصلح أكله أو يعثرون على أداة للاستعمال المنزلي فحالتهم المزرية لم تسمح لهم بتوفير الضروريات وكان مآلهم حاويات النفايات بل منهم من جعل المزابل مصدرا لقوته اليومي وقوت عياله. نسيمة خباجة هي فعلا ظاهرة يندى لها الجبين وتحتار فيها العقول بعد أن عاشرت مجتمعنا لسنين وسنين مجتمعنا الذي يعكس الأنفة وعزة النفس والكرامة إلا أن كرامة بعضهم قد أهينت أمام الحاجة والعوز بعد أن جعلوا من حاويات النفايات ضالتهم للبحث عن الأكل واللباس ومختلف الأشياء التي تصلح للاستعمال ومعظمهم يُسقط اللائمة على الظروف الصعبة التي يمرون بها والتي رمت بهم إلى ذلك المصير المحتوم الذي مس كبرياءهم وجعلهم مطأطئي الرؤوس. سلوك مهين يعكس واقعا مريرا المواقف الموحدة لهؤلاء تفسر حكاية واحدة تتلخص في تكبدهم الفقر الذي لا يرحم ويدفع إلى القيام بأي شيء حتى ولو كان مهينا فحال هؤلاء الكهول والعجائز والشيوخ لا يسر السامع لشهاداتهم الحية عن ما يتكبدونه والذي لا يأتي في ربع معاناتهم من النظرات الثاقبة التي يطلقها العابرون حينا والجالبة للشفقة والرأفة بهم حينا آخر. هو ما سرده علينا شيخ قارب السبعين سنة وجدناه قرب حاوية للنفايات بأحد الشوارع الراقية بالعاصمة قال لنا إنه يعيش العوز وأفراد أسرته فهو لا يملك دخلا خاصة أنه كان يعمل حرا في البناء ولم يخضع إلى نظام التأمين وكان معظم من يشغلونه يمتصون دمه دون مقابل الأمر الذي انقلب سلبا على وضعيته بعد الكبر حيث يعاني العوز والفقر ولا يقوى على توفير قوت العائلة فمنزله شبه مهجور ولا يحوي حتى الأشياء الضرورية كالثلاجة والمدفئة ونحن على أبواب الشتاء وأضاف أنه يعيش على تبرعات المحسنين ويختار بين الفينة والأخرى القيام بجولة وسط الحاويات من أجل جمع ما يصلح للاستعمال المنزلي وأحيانا يجلب حتى بعض الحبوب كالعدس والفاصولياء التي يتخلص منها الأغنياء لمجرد بعض مظاهر القدم كالحشرات أو الكوز على حد قوله إذ لا تتوانى زوجته في إزالتها من بعض الحبوب طبخها للعائلة كما أنه يعثر على الصحون والملاعق ويجلبها هي الأخرى لبيته ويستعملها بعد تنظيفها وقال إنه يعيش على بقايا الأغنياء وختم بالقول الحمد لله على كل حال. الأحياء الراقية وُجهتهم المفضلة تبقى الأحياء الراقية الوجهة المفضلة لمن اختاروا الحوم والنبش في النفايات خاصة أن نفاياتهم من نوع خاص ولا تشبه نفايات الأحياء الشعبية في شيء تبعا للمستوى المادي ورقي تلك الأحياء التقينا بعجوز بحي راق بالعاصمة قالت إن بؤسها هو من دفعها إلى ذلك الموقف الصعب الذي يجلب الشفقة وقالت إنها بصدد البحث عن بعض الملابس والأحذية لاجتياز الشتاء وألفت التنقل من مفرغة إلى أخرى قصد العثور على بعض الحاجيات التي تنفع أسرتها من ملابس وأغراض منزلية متنوعة قديمة وقالت إنه لا يهمها نظرات الناس إليها مادامت لا تؤذي أحدا بل تغطي حاجتها من تلك الحاويات فحالتها المعسرة هي التي دفعتها إلى هناك ومثلها كثيرون في الوقت الصعب الدي نعيشه الآن والغلاء الذي مس كل شيء. مفرغات الأسواق الشعبية سبيل الزوالية بات هؤلاء يشكلون جماعات متفرقة منهم من اختارت الأحياء الراقية وجماعات أخرى كان سبيلها الأسواق الشعبية فهي فرصة تسمح لهم بجمع أكبر قدر ممكن من بقايا الخضر والفواكه وحتى اللحوم انتقلنا إلى بعض الأسواق على غرار سوق الساعات الثلاثة وسوق على ملاح لرصد الوضع عن قرب وبمجرد احتكاكنا ببعض الفئات تأكدنا أن هناك عائلات تعيش في وضعية صعبة للغاية وبعد أن نهش الفقر والجوع عظمها وعظم أطفالها كان سبيلها التردد على بعض المفارغ المحاذية للأسواق من أجل الظفر ببعض المواد الغذائية من خضر وفواكه وحتى عظام المواشي التي يتخلص منها الجزارون بغرض استعمالها في تحضير بعض الأطباق والحصول على نكهة اللحم هو الواقع المر الذي وصلت إليه بعض العائلات الجزائرية في ظل العوز والحاجة وتخبطها في مشاكل اجتماعية لا حصر لها. التقينا ببعض النسوة عبر بعض الأسواق الشعبية من بينهن إحدى العجائز التي كانت تجمع بعض السردين بعد أن تخلص التاجر منه وقالت إنها اعتادت على ذلك الحل لكي لا تحرم العائلة من تذوق نكهة السردين بعد أن فارق مائدتهم لمدة طويلة فبعد جمعه تقوم بتصنيفه بعد ذلك تتخلص من الأجزاء الفاسدة وتطهو الكمية السليمة وفي سؤالنا عن مدى تخوفها من الآثار السلبية على صحتها وصحة عائلتها خاصة أن بقايا السردين جمعتها من النفايات أجابت إنه مهما كانت النتائج فهي أقل ضررا من الجوع الذي تعيشه. سيدة أخرى وجدناها أمام بقايا الفواكه تتصيد حبات تصلح للأكل بعد أن تناثرت حبات من التفاح والإجاص هنا وهناك وسط أكوام من النفايات فقالت إنها لا تقوى على اقتناء الفواكه فهي بالكاد توفر الخبز والحليب لأطفالها ولم تجد إلا ذلك السبيل لتزويد عائلتها ببعض أنواع الفواكه التي تبقى أجزاء منها على حالها وبالفعل جمعت حبات من الإجاص التي كانت بها بقع سوداء قالت إنها سوف تتخلص منها وكذلك كان حال حبات التفاح التي ظهرت أجزاء منها فاسدة لكن لم تتوان عن جمعها في أكياس وأخذها إلى العائلة. الحاويات مقصد آخر لبائعي الخردوات فئة أخرى جذبنا منظرها واحترنا لأمرها فما كان علينا إلا تقصي الوضع وجمع الحقائق عنها هي فئة لا يظهر عليها العوز أو ملامح التسول حيث عادة ما تكون ألبستهم نظيفة وبعد أن اقتربنا من بعض المنتمين لهذه الفئة تأكدنا أنها باتت مقصدا آخر لبائعي الخردوات يجمعون بعض المخلفات المنزلية قصد بيعها وبعض المفارغ الكبرى صارت حتى الحاويات الصغيرة مقصدا لها من أجل جمع الحديد والبلاستيك وإعادة بيعه لتحقيق عائدات حيث تحولت أيضا الحاويات إلى مصدر استرزاق لمن لا حرفة له. التقينا بأحد الكهول أمام مفرغة بالعاصمة فقال إنه يحوم بين الحاويات عبر الأحياء ويستبدل الوجهة من يوم لآخر قصد جمع بعض الخردوات المنزلية من أجهزة كهرومنزلية معطلة وحتى أحذية وملابس لإعادة بيعها بالسوق وتحصيل بعض العائدات وقال إنه يداوم على ذلك الحال لأكثر من 10 سنوات ولا يجد أي حرج في ذلك رغم نظرات الاستغراب التي تطاله من العابرين أمام المفارغ خاصة أنه يتنقل من مفرغة إلى أخرى ويركز خاصة على الأحياء الراقية للحصول على بعض الخردوات التي تصلح للبيع فالحالة الميسورة لقاطنيها تدفعهم إلى التخلص من بعض الأجهزة بعد فترة قصيرة من الاستعمال الأمر الذي ينعكس عليه بالإيجاب بعد بيعها وتحقيق بعض المداخيل التي تنفعه في إعانة نفسه والتكفل بأعباء العائلة. إلى متى تبقى بقايا الأغنياء زادا للفقراء؟ الظواهر التي بات مجتمعنا يتخبط فيها هي ظواهر جد مخجلة ومؤسفة ونحن في القرن الواحد والعشرين الذي بلغت فيه التكنولوجيا والتحضر مستوى عال مس مختلف المجالات وجعل من بعض الدول بلدانا رائدة لتبقى مناظر البؤس مسجلة في مجتمعنا فمن المسؤول يا ترى؟ ووقوفنا على منظر هؤلاء وهم يدخلون رؤوسهم في النفايات جلب لنا الدهشة والأسف والحيرة في آن واحد خاصة أن السلوك لا يعكس الهوية الجزائرية التي تجعل من الكرامة ورفع الرأس خطوطا حمراء ممنوع المساس بها فكيف لهؤلاء أن يدخلوا رؤوسهم في موضع كهذا فلا القوانين ولا الأعراف الاجتماعية ولا حتى ديننا الإسلامي الحنيف يقبل بمثل هكذا مظاهر تجلب الخجل والعار! فبالإضافة إلى الصورة الاجتماعية المهينة التي يخلقها هؤلاء فهم يعرضون صحتهم إلى الخطر بالمكوث أمام تلك الحاويات وإدخال رؤوسهم فيها والتقوت بأكل فاسد ينبئ عن أمراض خطيرة فالواقع والدراسات تثبت أن حتى المواد العادية والجيدة من خضر وفواكه لا تخلو من المخاطر الصحية بسبب المبيدات الملحقة بها وبعض المواد الكيميائية التي تعيبها فما بالنا بجمع سلع وأكل قديم لا يغني ولا يسمن من جوع حكمت الظروف الصعبة على هؤلاء التقوت منه فإلى متى تبقى بقايا الأغنياء زادا للفقراء..؟..