خبراء يطالبون بإجراءات عاجلة لكبح الاستهلاك الداخلي ** كشفت الحكومة أخيرا عن نيّتها في التوجّه نحو استغلال الثروة الغازية والطاقات المتجدّدة إلى أبعد حدّ ممكن كبديل لتجاوز تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية وتراجع احتياطي الصرف بيْد أن لخبراء الطاقة تخوّفات مشروعة بخصوص هذا الرهان. أعطى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في 22 فيفري الماضي تعليمات لمواصلة وتكثيف التنقيب عن الموارد من الغاز الطبيعي مطالبا بضرورة جعل برنامج الطاقات المتجدّدة كأولوية وطنية بالنّسبة لمستقبل الاقتصاد الوطني من أجل ضمان استقلال الطاقة للجزائر والتحرّر من التبعية للنفط. ومعه باشرت حكومة سلاّل التنسيق مع كبار المنتجين العالميين في منتدى الدول المصدّرة للغاز على غرار روسيا التي قال وزير خارجيتها سيرخي لافروف خلال زيارته لبلادنا إن شركات روسية كبرى في صورة (غاز بروم) و(نفط روسيا) أبدت رغبتها في الاستثمار في الجزائر. كما دخلت الحكومة مؤخّرا في مفاوضات متقدّمة لكسب أسواق جديدة للغاز الجزائري حيث حلّ وفد رسمي أردني مؤخّرا بالجزائر من أجل عقد شراكة مع شركة سوناطراك في قطاع الطاقة واستيراد الغاز الطبيعي لغايات استخدامه في محطات توليد الكهرباء في المملكة. بينما وعد الرئيس المدير العام لسوناطراك أمين معزوزي مساء أوّل أمس بإنهاء سنة 2016 بزيادة جلية في إنتاج الغاز بعد تراجع دام عدّة سنوات بفعل زيادة إنتاج حقل حاسي الرمل ب 7 ملايين متر مكعّب من الغاز يوميا أي ما يعادل حقلا متوسّطا فضلا عن تقديم إعادة تشغيل الوحدة الثالثة من المركّب الغازي لتيفنتورين إلى أفريل بدل جوان المقبل بعد ثلاث سنوات من التوقّف إثر الاعتداء الإرهابي الذي استهدف هذا الموقع في جانفي 2013. خطر داخلي تمتلك الجزائر احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي حيث تشير البيانات الرسمية إلى بلوغ الاحتياطيات المؤكّدة 4.7 ترليون متر مكعّب من الغاز بما يعادل 3 من إجمالي الاحتياطي العالمي للغاز. إلاّ أن ارتفاع الاستهلاك الداخلي للغاز الطبيعي جعل خبراء يدقّون ناقوس الخطر من رهن مستقبل البلاد على طاقة موجّهة للاستهلاك الداخلي أكثر منها للتصدير حسبهم. وفي السياق نقلت صحيفة (العربي الجديد) اللندنية عن المستشار السابق لشركة سوناطراك مراد برور قوله إن (استهلاك الغاز الطبيعي على المستوى الداخلي مرتفع جدّا وهذا الإفراط في الاستهلاك غير مبرّر مقارنة بالنمو الاقتصادي في الجزائر ولا مقارنة مع الثروة التي يخلّقها الاقتصاد الجزائري). وحذّر برور وهو مدير مكتب الخبرة الجزائري الفرنسي (إيميرجي) المتخصّص في الطاقة من الإفراط في الاستهلاك المتزايد للغاز الطبيعي (فالجزائر تحوز فعلا على احتياطيات كبيرة من هذه الثروة الباطنية لكن إذا استمرّ الاستهلاك كما هو عليه الحال الآن فإن هذه الاحتياطات ستنضب قبل الآجال المتوقّعة). ويمكن -حسب برور- أن يسدّ الغاز الطبيعي الثغرة التي خلّفها تراجع أسعار النفط في البورصات العالمية على إيرادات بلادنا من خلال اتّباع استراتيجية مبنية على التنقيب في حقول أخرى مع الاتجاه نحو أسواق أخرى إضافة إلى السوق الأوروبية مع ترشيد الاستهلاك الداخلي للغاز الطبيعي وتعويضه بالطاقات المتجدّدة. منافسة خارجية من جهة أخرى اعتبر الخبير النفطي والمدير العام الأسبق لشركة سوناطراك النفطية عبد المجيد عطار أن الصناعة الغازية في الجزائر قطعت علاقتها مع أساسيات السوق تماما مثل العرض والطلب. ويوضّح عبد المجيد عطار أن المنافسة باتت شديدة بين قطر من ناحية والجزائروروسيا من ناحية أخرى بالنّظر إلى المنافسة الشديدة التي تجدها الأولى في السوق الآسيوية من قِبل أستراليا وبالتالي هي تحاول تعويض ذلك بالبحث عن أسواق أخرى تعتبر أوروبا أهمّها. وأبرز عطار في تصريحات صحفية حديثة أن قطر صارت من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المميّع في العالم واستثماراتها في هذا المجال تفوق ب 4 مرّات استثمارات الجزائر ما يجعل قدرتها الإنتاجية تفوق بمرّتين إلى ثلاث مرّات القدرة الإنتاجية للجزائر في مقابل احتياج داخلي بسيط جدّا نظرا لعدد سكّانها القليل. ويتخوّف عطار من صعوبة مهمّة الجزائر في المنافسة بسبب الضغوط الكبيرة التي تعاني منها حقولها وتنامي الطلب الداخلي المحلّي بشكل كبير خاصّة وأن معظم محطات توليد الكهرباء تعمل بالغاز لكن الجزائر ما تزال تمتلك -حسبه- أوراقا رابحة حتى تضمن الإبقاء على العقود طويلة الأجل في صفقات توريد الغاز وبالتالي الحفاظ على كمّيات تصدير مناسبة أهمّها أن الجزائر مصدر يمتاز بالثقة في السوق الأوربية حيث لم يسبق له وأن أوقف تموين أوروبا بالغاز حتى في عزّ الأزمة الأمنية.