بقلم: أحمد برقاوي* اعتقد نَفَر من فلاسفة الأخلاق بأن الشر نسبي غير إني لأعتقد أن هؤلاء الفلاسفة لو شاهدوا سلوك داعش وأخواتها وحزب الله وأخواته والنظام السوري وأخواته لما ترددوا في القول: والشر قد يكون مطلقاً أيضاً. فليس هناك شر يفوق شر قتل الآخر تعصباً واختلافاً وسادية وانتقاماً من أبرياء. ولاشك عندي بأن الحرب شر لكن المشرعين العالميين ومع الأيام قد وضعوا قواعد لها للتقليل من شرورها ومن هذه القواعد حماية المدنيين أثناء الحروب عدم قتل الأسرى وحسن معاملتهم عدم استخدام المدنيين دروعاً حماية الأطفال الخ.. بل وميّز علماء السياسة بين نوعين من الحروب الحروب العدوانية من جهة والحروب العادلة من جهة أخرى فكل اعتداء دولة أو جماعة على دولة أخرى أو جماعة طمعاً في أرض أو ثروات أو هيمنة هي حروب عدوانية بامتياز فيما كل دفاع عن النفس لصد العدوان هو حرب عادلة. إني وأنا أتأمل سلوك الجماعات التي أشرت إليها أتساءل بدهشة: كيف لجماعات بشرية بعد هذا التطور الكبير في العقل والحياة أن تصل إلى حد ممارسة الشر المطلق؟ تدخل داعش بكل همجيتها إلى مدينة دير الزُّور تقتل كل من تراه مخالفاً لأيديولوجيتها باسم الحد على المرتد بالأمس أعلنت عن قتل شاعر وابنه معاً باسم إقامة الحد على المرتد وقس على ذلك. يدخل الحشد الشعبي إلى قرية عربية سنية ليطرد داعش منها وبعد أن ينجح في ذلك يمارس القتل الطائفي بحق سكان القرية والتهجير. تعز مدينة يمنية وحاضرة ثقافية اقتصادية من حاضرات اليمن يحاصر أهلها الحوثيون وكأنهم جماعات غازية من وراء البحار فيمنعون عنها الماء والغذاء والدواء. وقس على ذلك ما تفعله ميليشيات حسن نصرالله ومثيلاتها في قرى ومدن سوريا. والأنكى من ذلك أن هذه الميليشيات تقاتل داعش أو هكذا تدعي. فإذا كانت داعش وأخواتها شراً مطلقاً وميليشيا حزب الله وأخواته شراً مطلقاً وإذا كان الصراع قائما بين هذين النوعين من الشر فأي معنى لهذا الصراع ؟ فانتصار أحد الشرين شر وتوازن الشرين شر والصلح بين الشرين شر إذا فالصراع بين الأشرار لا يقود إلا إلى انتصار الشر. وهذا يعني لا يمكن مقاومة الشر بشر مثيله بل لا بد من هزيمة الشر بكل أشكاله وأنواعه. غير أن صراع الأشرار المختلفين في حقل الشر قد يؤدي وظيفة غير مدركة من قبل طرفي الصراع الشريرين ذلك أن هذا الصراع من شأنه بسبب طبيعته اللاعقلية بل والعبثية أن يقود إلى فناء الطرفين أو إضعافهما مما يسهل للقوى العقلانية الانتصار عليهما معاً. والحق أن انتصار الإنسان والمجتمع على الوسخ التاريخي المتمثل بالشر الذي يتوهم اليوم بقدرته على الانتصار لا يمكن أن يتحقق بنظرة جزئية إلى الأوساخ التاريخية أو إلى الشرور فليس هناك فرق بين القاعدة والحوثين وليس هناك فرق بين داعش وميليشيات نصرالله والحشد الوطني وهكذا. بل قل: يجب الانطلاق من استراتيجية بناء كلية تهدم في طريقها هياكل الإرهاب والوهم والبنادق المأجورة. وليس من شيمة الحياة التساهل مع الشر مهما كان نسبياً فالشر النسبي ينطوي على إمكانية أن يصير شراً مطلقاً لا سيما إذا تمكن من الحياة فترة طويلة.