فاجأت السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، الوفود المشاركة في مؤتمر معاهدة منع الانتشار النووي، المنعقد حاليا في نيويورك، في مقر المنظمة الدولية، بقولها، إنها تريد »شرق أوسط خاليا من الأسلحة النووية«، ولكنها لم تذكر اسرائيل مطلقا في خطابها، بينما ذكرت ايران التي لا تملك أي أسلحة نووية حتى الآن أكثر من عشر مرات. السيدة كلينتون أرادت بمثل هذا التصريح إرضاء بعض الوفود العربية، والمصري منها على وجه الخصوص، الذي وزع اقتراحا على الدول الموقعة للمعاهدة (189 دولة) بعقد مؤتمر في العام المقبل بخصوص إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، تشارك فيه دول المنطقة، ومنع تزويد إسرائيل بأي مواد أو أجهزة نووية طالما لم تكشف عن برامجها النووية وتوافق على إخضاعها للتفتيش الدولي. الموقف المصري هذا يستحق التنويه، ولكن هناك مخاوف جدية من أن يتم التراجع عنه تحت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تماما مثلما حدث عام 1995، عندما رفضت مصر التوقيع على قرار بتجديد التزامها بالمعاهدة طالما ظلت اسرائيل غير ملتزمة بها، فبعد أن حظي هذا الموقف بالتقدير والاحترام في العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز فوجئنا بالسيد عمرو موسى وزير الخارجية المصري في حينها يُسقط كل الشروط المصرية ويوقع على تجديد المعاهدة وتوقيع مصر لها بطريقة مُهينة. وكان لافتا أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي حرص على زيارة مصر يوم الإثنين الماضي، ليس من أجل دفع عملية السلام مثلما أشيع، وإنما من أجل الضغط على الرئيس حسني مبارك للتراجع عن موقف بلاده المذكور، تماما مثلما حدث عام 1995، ويبدو أن هذا الضغط حقق بعض النجاح، فقد تراجعت حدَّة المطالبات المصرية بشأن ضرورة الكشف عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، ويدور الحديث حاليا عن وساطة أمريكية لإصدار »قرار مخفف« في نهاية الاجتماع. كل هذه الجعجعة الأمريكية حول إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية تستهدف إبقاء الملف النووي الايراني على مائدة الاهتمام الدولي، وبما يمهد الطريق لفرض عقوبات اقتصادية على طهران. وهذا ما يفسر عدم الاهتمام الإسرائيلي بتصريحات السيدة كلينتون وجهود رئيسها أوباما المفاجئة حول إخلاء العالم بأسره وليس منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، لأن المسؤولين الإسرائيليين مقتنعون بأن الإدارة الأمريكية ستلتزم بتفاهمات جرى التوصل إليها عام 1969، مع الحكومات الإسرائيلية بعدم ممارسة واشنطن أي ضغوط على إسرائيل كي تنضم إلى ميثاق منع انتشار السلاح النووي. ومن المفارقة أن الإدارة الأمريكية تبرر التزامها بهذه التفاهمات بتبني ذريعة اسرائيلية تقول بتحقيق السلام أولا ثم الحديث بعد ذلك عن شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، أي أن توقع اسرائيل معاهدات سلام وضمانات أمنية مع جيرانها العرب ثم يتم بعدها الحديث عن برامجها النووية والكشف عنها. الرد العربي يجب أن يتمثل في عكس هذه المعادلة، أي أن يتم تفكيك الأسلحة النووية الاسرائيلية وتدميرها كشرط لتحقيق السلام وتوقيع المعاهدات الأمنية والسلمية، وإلا اللجوء بكل الطرق والوسائل لامتلاك العرب لأسلحة نووية تحقق الردع النووي مع إسرائيل. لا نفهم لماذا تخشى بعض الدول العربية من حدوث سباق تسلح نووي في المنطقة، فمثل هذا السباق بات حتميا في ظل التواطؤ الغربي مع البرامج النووية الاسرائيلية، ومحاولة تحويل الأنظار عنها إلى نظيرتها الايرانية التي ما زالت »نطفة« في رحم طموحات أصحابها. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن جميع الدول العربية، بل والإسلامية أيضا يجب أن تنسحب بشكل جماعي من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية طالما ظلت اسرائيل خارج مظلتها، وترفض إخضاع مفاعلاتها النووية وخاصة مفاعل ديمونة للتفتيش الدولي. نعرف أن الحكومات العربية لن تفكر، مجرد التفكير، بمثل هذا الاقتراح، لأنها أضعف من أن تُغضب الولاياتالمتحدة أو تستفز اسرائيل، فإذا كانت لا تستطيع كسر حصار ظالم وغير قانوني أو أخلاقي على مليوني عربي مسلم في قطاع غزة، فهل ستنسحب من معاهدة دولية على هذه الدرجة من الأهمية كهذه؟ امتلاك العرب لأسلحة نووية هو الكفيل بوضع حد لهذا التغوُّل الإسرائيلي، وبما يحقق الردع الفاعل مع الدولة العبرية. ويكفي الإشارة إلى أنه منذ أن امتلكت كل من الهند وباكستان أسلحة نووية توقفت الحروب بينهما كليا. ونذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ونشير إلى حالة الرعب التي تسود اسرائيل حاليا من صواريخ »حزب الله« في جنوب لبنان ونجاح هذه الصواريخ والإرادة القتالية القوية خلفها في وقف العربدة الاسرائيلية ضد لبنان التي استمرت طوال الثلاثين عاما الماضية. وربما يفيد ضرب مثل آخر على حالة الرعب الاسرائيلية هذه من خلال الإشارة إلى أزمة صواريخ سكود التي أثيرت مؤخرا، وتبنتها واشنطن والتعاطي »المنضبط« معها، فإذا كانت اسرائيل على علم بنقل هذه الصواريخ السورية إلى »حزب الله« في لبنان، فلماذا لا تضربها مثلما ضربت مفاعل دير الزور المزعوم، طالما تؤمن بأن هذه الصواريخ تخلُّ بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة وتشكل تهديدا مباشرا للأمن الإسرائيلي؟ ما يمنع اسرائيل من ضرب هذه الصواريخ هو تيقنها بأن الإقدام على مثل هذا العمل لن يمرَّ بسلام، وقد يؤدي إلى تفجير حرب اقليمية شاملة، لأن اللقاء الثلاثي الذي انعقد في دمشق (بشار الأسد وأحمدي نجاد والسيد حسن نصر الله) اتخذ قرارا بالرد، وأن صبر سوريا على كيل الإهانات الاسرائيلية قد يكون نفد، وإلا كيف يتم فهم تصريحات السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري الذي يعتبر »أنعم« المسؤولين السوريين، عندما قال إن الاسرائيليين يجب أن يعلموا أن الحرب إذا ما اشتعلت ستصل إلى قلب المدن الاسرائيلية، أو تصريحات السيد حسن نصر الله التي قال فيها إن هدم بيت في الضاحية الجنوبية سيرد عليه بتدمير أحياء كاملة في تل أبيب. التفوق العسكري الاسرائيلي يتآكل، ليس بسبب الاستعدادات والبرامج النووية العربية وإنما بسبب بروز قوى اقليمية عظمى غير عربية مثل إيران وتركيا، فمنطقة الخليج العربي تشهد حاليا مناورات عسكرية بحرية إيرانية تستمر ثمانية أيام هي الثانية من نوعها في غضون شهر، حيث تجري هذه المناورات قرب الأساطيل الأمريكية التي تزدحم بها مياه المنطقة في تحد غير مسبوق. الإبداع العربي المتميز هو في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل، والتهديد باللجوء إلى مجلس الأمن في حال فشلها، وكأن مجلس الأمن لا يعرف شيئا من قضية الصراع العربي الإسرائيلي ولم يصدر خمسة وستين قرارا بشأنها مع الجمعية العامة. الرد العربي على الرفض الاسرائيلي بالكشف عن أسلحته النووية وتفكيكها هو بدخول السباق النووي، فهناك 500 مليار دولار تدخل خزائن دول المنطقة العربية من عوائد النفط سنويا، وهناك كوريا الشمالية وباكستان وربما روسيا والصين أيضا على استعداد للمساعدة في هذا الصدد إذا ما كان الثمن مناسبا (عقود تجارية ونفطية)، لكن الاستمرار في العويل والشكوى من البرنامج النووي الإيراني والتحريض عليه أمريكياً هو قمة المهانة والتذلل. عبد الباري عطوان. القدس العربي