بقلم: سليمان الشّيخ* ذكرت دائرة الهجرة في إسرائيل أن 82 يهوديا يحملون الجنسية الفرنسية وصلوا إلى إسرائيل في نهاية شهر جوان من هذا العام (2016) كمهاجرين فما المعطيات والوقائع التي تتعلق بيهود فرنسا وما الأسباب الضاغطة التي تدفع بعضهم للهجرة منها؟ وما هي الخصوصيات المتعلقة باليهود الفرنسيين في الفترة الأخيرة؟ في الثاني والعشرين من شهر مارس الماضي من هذا العام حصل اعتداء من قبل جهات متطرفة في مطار ومحطة قطارات العاصمة البلجيكية لوكسمبورغ ذهب ضحيته ما يزيد على 30 ضحية وعشرات الجرحى. وقد أجري استفتاء على عينة من يهود فرنسا فيما يتعلق ببقائهم في وطنهم فرنسا أو هجرتهم منه خصوصا إلى إسرائيل وتبين بحسب ما ذكرت وكالات الأنباء أن نحو 40 أعلنوا نياتهم الهجرة من البلاد إلى إسرائيل على الخصوص فما هي الخصوصيات المتعلقة باليهود الفرنسيين في الفترة الأخيرة؟. وفي الثالث عشر من شهر نوفمبر من العام الماضي (2015) ارتكب الإرهابيون عمليات تفجيرية مركبة ومتنوعة في أماكن عدة من العاصمة الفرنسية باريس ذهب ضحيتها نحو 130 مواطن توزعوا على فرنسيين مسيحيين ومسلمين ومن أتباع الديانة اليهودية أيضا وعلى غيرهم. سبق هذه العملية الإرهابية عدة عمليات أخرى من بينها الاعتداء على مبنى صحيفة شارلي إيبدو وكان من بين ضحايا الصحيفة بعض الصحافيين الذين يدينون بالديانة اليهودية مع أتباع لديانات أخرى كما وتم تفجير متجر يملكه يهودي وقتل فيه أربعة أشخاص من اليهود. كل هذا أعاد طرح مشكلة أتباع الديانة اليهودية في فرنسا وبالتالي في أوروبا وفشت وازدادت بين يهود فرنسا دعوات الهجرة من فرنسا والتوجه إلى إسرائيل أو إلى غيرها من بلدان العالم الأخرى وقامت المنظمات الصهيونية والسفارة الإسرائيلية في فرنسا ووزارة الخارجية الإسرائيلية بالشحن والتحريض وإسداء الوعود الفضفاضة عن الأمن والأمان ووجود فرص عمل ومساكن مناسبة وغيرها من تسهيلات في الكيان الصهيوني لمن يهاجر. وبالعودة إلى العملية الإرهابية التي قتل فيها محمد مراح ثلاثة تلاميذ ومدرسهم من اليهود في مدرسة بمدينة تولوز الفرنسية 2012 يومها قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة فرنسا والتوجه إلى المدرسة في تولوز ثار نقاش علني حول هوية يهود فرنسا في شأن الانتماء إلى الوطن أو إلى الديانة وهل فرنسا هي لكل مواطنيها بمسيحييها ومسلميها ويهودها وغيرهم؟ أم إن إسرائيل هي وطن اليهود من جميع أنحاء العالم بحسب ما ذكر نتنياهو ويجب أن يتجمعوا في إسرائيل. ومما جاء في نص خطابه: إن إسرائيل على استعداد لاستقبال اليهود من فرنسا والعالم وحمايتهم كونها وطن يهود العالم كلهم الأمر الذي استفز حمية الوطنية الفرنسية في حنايا الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند فبادر إلى التعليق قائلا: يجب على يهود فرنسا أن يعلموا أن الجمهورية الفرنسية تضع كل إمكاناتها لحماية اليهود إن ضمان أمنهم قضية وطنية هذه ليست قضية اليهود وإنما قضية الفرنسيين بأسرهم. وأضاف: أريد أن أعيد التذكير أمامكم بتصميم الجمهورية الفرنسية على محاربة معاداة السامية وستمنع في كل تجلياتها سواء كانت تجليات بالأفعال أم حتى بالأقوال. وقائع وحقائق يمكن الإشارة هنا إلى أن حادثة المدرسة تركت آثارها وتفاعلاتها بين يهود فرنسا وغيرهم من الفرنسيين خاصة وأن الأحداث أخذت تتداعى داخليا وخارجيا. فعلى الصعيد الداخلي فقد استمر الممثل الفرنسي الساخر ديودونيه من أصل إفريقي في تقديم مسرحياته الساخرة من ما تقوم به إسرائيل من إجراءات وسياسات باطشة وظالمة تجاه الفلسطينيين كبناء الجدار العنصري الذي صادر آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين وخرب الكثير من مزارعهم ومشاريعهم الحياتية ومنع تواصلهم كما سخر من التصرفات والاجراءات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون على مئات الحواجز المقامة بين كل الحواضر الفلسطينية والتي يتعرض فيها الفلسطيني للإهانة وتعطيل مصالحه وهدر وقته وغيرها من أعمال مما دفع بعض الجهات الصهيونية في فرنسا للدعوة إلى مقاطعة أعمال هذا المسرحي وتم إطلاق صفة اللاسامية عليه وعلى أعماله. بينما قامت تظاهرات واحتجاجات من قبل الجمعيات اليهودية ومن يناصرها للمطالبة بمنع أعماله قابلها جمهور آخر كان ينادي ويؤكد على حرية التعبير والموقف. وقد ازدادت التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين بعد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وارتكاب المزيد من المجازر التي ذهب ضحيتها الآلاف من الشهداء والجرحى وتم تدمير آلاف البيوت وتشريد آلاف السكان ما دفع بآلاف المتظاهرين في فرنسا كي يخرجوا منددين بهذه المجازر وداعين إلى وقفها ومحاسبة إسرائيل على جرائمها. أما الجمهور المؤيد لإسرائيل وخصوصا الصهيوني منه في فرنسا فإنه خرج بتظاهرات مؤيدة لإسرائيل واصفا الطرف الآخر بأنه من دعاة كراهية اليهود وإسرائيل وأنه لا سامي ما أوقع اشتباكات وصدامات وتخريب ممتلكات ما دفع بوزارة الداخلية الفرنسية إلى منع التظاهرات وهذا ما اعتبرته أوساط عديدة بأنه من سياسات المس بالحريات العامة وكم الأفواه. إن كل ذلك وغيره أخذ يلقي بظلاله في أوساط الأقلية اليهودية في فرنسا ويزيد من شن الدعوات المتطرفة في الدعوة للهجرة من فرنسا. بحسب دوائر الهجرة اليهودية في إسرائيل فإنها خططت لاستقبال نحو عشرة آلاف يهودي من فرنسا في العام 2015 في حين ان رقم المهاجرين من فرنسا في العام 2014 كان نحو سبعة آلاف مهاجر كما وأن تلك الأوساط في دوائر الهجرة تخطط لتهجير نحو 50 ألف يهودي فرنسي في الأعوام الخمسة القادمة بحسب ما تم الإعلان عنه. أما الرقم المتداول عن عدد يهود فرنسا فإنه يصل إلى نحو 560 ألف يهودي وهذا العدد يعتبر الرقم الثالث من تعداد اليهود في العالم بعد إسرائيل والولايات المتحدة. وكانت تصريحات نتنياهو عن يهود فرنسا قد أثارت تعليقات وردود أفعال وأقوال في أوساط عدة من اليهود الفرنسيين بينهم الحاخام اليهودي الفرنسي الأكبر حاييم كروسيه إذ طالب بالحماية والأمن ليهود فرنسا باعتبارهم من مواطنيها مؤكدا أننا لا نسارع إلى مغادرة فرنسا وعلى الحكومة أن تضمن أمن وسلامة اليهود وذكر بوعاز هندل الذي كان مستشارا لنتنياهو لصحيفة يديعوت أحرونوت: إن فرص يهود فرنسا بتجنب الاعتداءات عليهم أكبر عند وجودهم في فرنسا مما هي في إسرائيل بفعل الأوضاع الأمنية واحتمالات وقوع عمليات للمقاومة الفلسطينية في مدن وبلدات إسرائيل المختلفة. وذكر يهود يساريون فرنسيون للصحيفة نفسها نحن فرنسيون ولا شأن لإسرائيل بنا كما أن المهاجرة اليهودية كارين التي هاجرت إلى إسرائيل وأمضت سنوات هناك فقد ذكرت بعد عودتها إلى بلادها فرنسا إنهم هناك أي في إسرائيل يتعاملون مع المهاجرين السود بعنصرية وهذا أكبر دليل على عنصرية الدولة الصهيونية التي تدعي أنها أقامت دولة من أجل كل اليهود. لقد اكتشفت أن هذا القول هو ادعاء كاذب ما دفعني للعودة إلى بلدي فرنسا ولن أعود إلى هناك أبدا حتى للزيارة. بحسب ما جاء في ملحق فلسطين (16/6/2014) والذي يصدر شهريا عن صحيفة السفير اللبنانية. من ردود الأفعال التي سجلتها وسائل إعلامية عدة في ما يتعلق بالهجرة اليهودية من فرنسا أنه بالرغم من وجود متطرفين ومتعصبين بين اليهود الفرنسيين وأن بعضهم هاجر ويهاجر إلى إسرائيل كي يتابع هناك تطرفه وتعصبه حيث أشارت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في إسرائيل إلى أن أغلبية من بين اليهود الفرنسيين المهاجرين أعطت أصواتها للأحزاب المتطرفة كالليكود وشاس والبيت اليهودي. إلا أن دعوات الهجرة في فرنسا وفي غيرها من بلدان العالم أخذت تميل إلى التريث وعدم الاندفاع بل والتراجع بعد قيام الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة لأن مقولة الأمن والأمان التي تاجرت وتتاجر بها إسرائيل والأوساط الداعية إلى الهجرة أخذت تهتز وتقوضها الانتفاضة يوميا. وكما يتم اعتقال وإعدام الفلسطيني في الطرق ويترك على الأرض كي يصفى دمه ومنع مساعدات طبية لإنقاذه بعد اغتياله علنا وتحت أضواء الكاميرات أو خفية كذلك فإن الشرطي أو الجندي أو المستوطن الصهيوني لم يعودوا يأمنون من أن لا تصيبهم حجارة أو طعنات سكاكين ومفكات أو زجاجات حارقة أو دهس من قبل المركبات. إن مقولة الأمن والأمان يصيبها العطل تدريجيا في إسرائيل أما الوطن في فرنسا فهو الأضمن في المحافظة على الحاضر والمستقبل لجميع أبناء فرنسا من جميع الأديان والألوان والأصول الإثنية .