بقلم: إسماعيل الجنابي* لم تكن مدينة الموصل يوما من الأيام مبعث خطر أو قلق للعراق بشكل خاص والعالم بشكل عام بل كانت على الدوام منارا للعلم ووهجا مشرقا للإنسانية لما تكتنزه من نسيج اجتماعي متحضر نقي وعقول متنوعة من العلوم بكل أشكالها واختصاصاتها. والموصل مدرسة من الطراز الأول لصناع الجندية وعلومها وفنونها العسكرية ولهذا لقبت ب(مدينة الرماح والحدباء وأم الربيعين وأم القلاع والعلا) ومن أجل كل ذلك تآمر المتآمرون عليها وامتدت يد الخيانة والغدر إليها وتكالب الأعداء والأشرار على أهلها الطيبين لينالوا من عليائها. ستحتضن واشنطن في الأيام المقبلة اجتماعا مهما يضم العشرات من وزراء الدفاع والخارجية لتقييم معركة الموصل ضد تنظيم داعش والتركيز بشكل متزايد على الجائزة الكبرى المتمثلة بالقضاء على أكبر معقل للجماعات المسلحة في العراق. ولهذا يتحدث مسؤولون أمريكيون وخبراء دوليون في الأممالمتحدة عن صعوبة المعركة والخطورة الإنسانية التي ستنجم عنها جراء العمليات العسكرية فيها حيث تقدر الإحصاءات الدولية وجود أكثر من مليوني نسمة فيها فإذا كانت الفلوجة التي يقطنها ما يقرب (150) ألف نسمة تعرضت لأبشع عملية قتل في تاريخ الإنسانية فما بالكم بمدينة الموصل التي تحتضن هذا الخزين البشري الكبير الذي لا يهم القاتل الأعداد التي سيقتلها بقدر ما يتحدث عن أن أكبر عملية إغاثة في التاريخ ستحصل فيها وحجم الكوارث التي ستشهدها. إن الجميع يسعى لتحقيق غايته المنشودة من معركة الموصل فالحكومة ليست لديها رؤية عسكرية واضحة المعالم ورئيس الوزراء قد يراهن على مستقبله السياسي من خلال استجوابه وسحب الثقة منه في حال استجاب للضغوط الخارجية لأن جميع قيادات الحشد الشعبي لا توافق على مشاركة الأمريكان بهذه المعركة وآخرون يرون أنها ستخلق أزمات وانقسامات سياسية خطيرة داخل البرلمان العراقي في حال شاركت القوات الأمريكية وقد تكون الموافقة على مشاركة قوات البيشمركة الكردية في معركة تحرير الموصل بمنزلة الانتحار السياسي للعبادي إذ ستزداد الصراعات الطائفية والعرقية بين السنة والشيعة والأكراد وكل ما ذكر من تكهنات وتوقعات متوقفة على قدرة الجيش العراقي في استعادة السيطرة على المدينة دون مساعدة لفترات طويلة وكبيرة من قوات البيشمركة الكردية والمليشيات الشيعية التي ستعمق الخلاف وتزيد من تعقيد الشارع العراقي المتأزم الذي يرنو إلى المصالحة الحقيقية وليس إلى إثارة النعرات فيه. ورغم أن المسؤولين العراقيين والأمريكيين لم يعلنوا جدولا زمنيا للتحرك نحو المدينة إلا أن القوات العراقية المدعومة من قبل القوة الجوية الأمريكية استعادت قاعدة القيارة الجوية جنوب الموصل التي ستكون مركز الخدمات اللوجستية للهجوم الرئيسي على المدينة ولعل الجدل الأمريكي الذي يحيط بالجدول الزمني لهذه المعركة يكمن في طبيعة المعركة ومرحلة ما بعد تحريرها من قبضة تنظيم داعش فالموصل والرقة قرينتان بعضهما مع بعض من حيث الأهمية للتنظيم وهذا ما يعني أن معركة الموصل ستكون لها أبعاد استراتيجية وهذا ما يدفعنا للتساؤل ماذا بعد الموصل؟ وهل سيتكرر مشهد الفلوجة؟ أم إن لكل معركة أسلوبها وخططها على اعتبار أن الموصل أكبر من الفلوجة بخمس مرات من حيث المساحة وعدد السكان. تقول الأممالمتحدة إنها تحتاج بشكل فوري إلى 280 مليون دولار لبدء الإمدادات المسبقة لتجهيز عشرات الآلاف من الخيام ومئات العيادات الصحية المتنقلة في ظل سيناريو أسوأ الحالات عند بدء المعركة المتوقعة مما يجعل مصير أكثر من مليون ونصف المليون مواطن مجهولا خصوصا ونحن نتحدث عن معركة مفتوحة وسيناريوهات متعددة ومصالح مختلفة لأكثر من جهة وقد يفاجئنا داعش باستخدام أساليب جديدة في مواجهاته العسكرية في حال خسر هذه المعركة المصيرية ستنعكس بشكل قاس ومدمر على أبناء الموصل. فليفهم القاصي والداني حجم المؤامرة على أبناء المحافظات السنية من خلال السماح للتنظيم بالاستيلاء عليها ليفعل فعلته ثم يبدأ بتنفيذ مخطط إخراجه عن طريق العمليات العسكرية لاستنزاف خزين المحافظات السنية البشري وتدمير بنيتها التحتية كما هي الحال بالنسبة للمدن الشيعية التي ارتهن مصيرها بيد إيران ومليشياتها التي تفجر السيارات الملغمة لقتل أبنائها.