إن من كمال نعمة الله وسعة رحمته أن جعل لعباده طريقاً يرجعون به عن ذنوب اقترفوها وآثام ارتكبوها وما من عبد إلا وهو معرض لارتكاب الذنوب صغيرة كانت أو كبيرة إما بتركه لما أمره الله به أو فعله لما نهاه عنه وذلك من سنن الله له فيها حكمة بالغة ليميز الخبيث من الطيب كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم (أخرجه مسلم) وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون (أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك والدارمي في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه). فالاستغفار سبيل وضعه الله لعباده للعود إليه بعد الذنب ليعفو عن سيئاتهم ويقيهم شر عقوبتها ويوفقهم لفعل الحسنات فيتبين إذن أن الاستغفار له نتائج حسنه وفوائد طيبة يمكن ذكر بعضها: 1 / أن الاستغفار يجلب الرحمة يدل على ذلك قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) [النساء: 110]. قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في شرحه لهذه الآية: (أي من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم علية والإقلاع والعزم على ألا يعود فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة فيغفر له ما صدر منه من الذنب ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة ويوفقه فيما يستقبله من عمره ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه لأنه قد غفره وإذا غفره غفر ما يترتب عليه) (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبد الرحمن السعدي). وقوله تعالى في خطاب شعيب عليه السَّلام لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]. قال العلامة محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (استغفروا ربكم) أي من عبادة الأصنام ثم توبوا إليه أي بالتوحيد أو بالرجوع عن البخس والتطفيف (إن ربي رحيم) أي للمستغفرين التائبين (ودود) أي مبالغ في المحبة لهم (محاسن التأويل القاسمي). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله (إن ربي رحيم ودود لمن تاب وأناب يرحمه فيغفر له ويتقبل توبته ويحبه ومعنى الودود من أسمائه تعالى أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه فهو (فعول) ومعنى (مفعول) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الشيخ عبد الرحمن السعدي). وقال الشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله: (واستغفروا ربكم مما أنتم عليه من الشرك والمعاصي ثم توبوا إليه بالطاعة (إن ربي رحيم) لا يعذب من تاب إليه ودود يحب من أناب إليه) (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير أبو بكر الجزائري). 2 / أن الاستغفار سبب لفتح أبواب الخيرات والبركات على الناس يفيد ذلك قوله جلَّ وعلا على لسان نبي الله هود علية السَّلام لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ . . . ) [هود:52] وقوله جلَّ شأنه على لسان نوح عليه السَّلام لقومه: فَقُلْتُ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح: 10-12). قال الشيخ أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله في ذكر هداية الآيات: (استنبط بعض الصالحين من هذه الآية أن من كانت له رغبه في مال أو ولد فليكثر من الاستغفار الليل والنهار ولا يمل يعطه الله تعالى مراده من المال والولد) (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير أبو بكر الجزائري).