بعد نصف قرن من التناحر كولومبيا تودع الحرب الأهلية اختارت الحكومة الكولومبية وحركة فارك المتمردة قلما مصنوعا من رصاصة أعيد تدويرها لتوقيع اتفاق السلام التاريخي بينهما الذي ينهي أكثر من نصف قرن من الحرب الأهلية في البلاد ودشنتا بذلك مرحلة جديدة شعارها الرصاص كتب ماضينا والتعليم مستقبلنا. ووقع الاتفاق -المؤلف من 297 صفحة- يوم الإثنين كل من الرئيس الكولومبي سانتوس وقائد القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) رودريغو لوندونيو المعروف أكثر باسميه الحركيين (تيموليون خيمينيز) و(تيموشنكو) خلال حفل ضخم أقيم في مدينة كارتاهينا الساحلية التي توصف بأنها لؤلؤة الكاريبي (شمال البلاد). وفي لفتة رمزية وقع الجانبان الاتفاق بقلم مصنوع من رصاصة أعيد تدويرها ومنقوش عليها عبارة الرصاص كتب ماضينا والتعليم مستقبلنا وسط حشد من الحضور ضم 2500 مدعو ارتدوا ملابس بيضاء وبينهم 14 رئيس دولة وحكومة ووزراء خارجية إضافة إلى عدد من ضحايا النزاع. وينص الاتفاق على تحول حركة فارك إلى حزب سياسي وإجراء إصلاحات في المناطق الريفية وإعادة إدماج المقاتلين المسرحين في الحياة المدنية. وينهي الاتفاق حربا استمرت نصف قرن سقط فيها ربع مليون قتيل فضلا عن مئات الآلاف من المصابين والمفقودين وجعلت البلاد مضربا للأمثال في العنف. ورحب الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس (65 عاما) بقرار حركة فارك الماركسية المتمردة ترك العمل المسلح والتحول الى حزب سياسي وقال في خطاب ألقاه خلال الحفل (بصفتي رئيس الدولة التي نحبها جميعا أرحب بكم في الديمقراطية وأفضّل اتفاقا غير كامل ينقذ أرواحا على حرب كاملة). أما زعيم (فارك) رودريغو لوندونيو (57 عاما) فطلب الصفح من (ضحايا النزاع) ووعد في خطاب ألقاه خلال حفل التوقيع بمرحلة جديدة من المصالحة والسلام. وقال (باسم القوات المسلحة الثورية الكولومبية أعتذر بصدق لجميع ضحايا النزاع عن أي ألم قد نكون تسببنا فيه أثناء هذه الحرب فنحن نولد من جديد لإطلاق مرحلة جديدة من المصالحة وبناء السلام). ومن الشخصيات التي شاركت في حفل التوقيع الرئيس الكوبي راؤول كاسترو الذي استضافت بلاده لمدة أربع سنوات مفاوضات السلام التي رعتها أيضا النروج وفنزويلا وتشيلي كما حضر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس منظمة الدول الأميركية لويس الماغرو ووزيرا خارجية الولاياتالمتحدة جون كيري والفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين. وأثنى جون كيري على سانتوس وتعهد بتقديم مساعدات قدرها 390 مليون دولار للإسهام في تنفيذ اتفاقية السلام وقال إن بلاده ستبحث رفع اسم فارك من قائمة المنظمات الإرهابية. وساد البلاد ارتياح على نطاق واسع لإنهاء سفك الدماء والخطف الذي خيم على البلاد خلال عقود طويلة لكن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة الكوبية هافانا في 24 أوت الماضي أثار انقسامات في كولومبيا رابع أكبر اقتصاد بأميركا اللاتينية. وأبدى الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي وبعض السياسيين غضبهم من السماح للمتمردين بدخول البرلمان دون قضاء أي عقوبات في السجن. ويصوّت الكولومبيون على الاتفاق في استفتاء يجري في الثاني من أكتوبر المقبل كي يدخل حيز التنفيذ وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيحصل على موافقة بسهولة. وكانت حركة فارك وقعت الاتفاق الجمعة الماضي خلال مؤتمر وطني نظم في قلب معقلها التاريخي في كاغوان (جنوب شرق). يذكر أن فارك انبثقت عام 1964 عن تمرد للفلاحين وأصبحت بعد ذلك لاعبا كبيرا في تجارة الكوكايين وكانت تجند ما يصل إلى عشرين ألف مقاتل في أزهى أوقاتها لكن الاتفاق يفرض على مقاتليها البالغ عددهم حاليا نحو سبعة آلاف مقاتل تسليم سلاحهم للأمم المتحدة خلال 180 يوم.