لو صحت وثائق موجودة في حوزة أكاديمي أمريكي عن التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل ونظام جنوب إفريقيا العنصري البائد في سبعينيات القرن الماضي، فإنها ستكون الدليل الدامغ على امتلاك تل أبيب للسلاح النووي منذ أكثر من 35 سنة. ولا يبدو الأكاديمي ساشا بولاكو- سورانسكي، وهو يهودي من جنوب إفريقيا أصلاً وحاصل على الجنسية الأمريكية، مازحاً في ما يقول عن الوثائق التي نشرتها صحيفة »ذي غارديان« الأحد بعد أن تأكدت من أصالتها وشرعيتها، وهي سرية من أرشيف وزارة الدفاع بجنوب إفريقيا، واستخدمها ليغني، بها محتويات كتاب أصدره قبل أسبوع عن تعاون إسرائيل مع نظام »الأبارتهايد« العنصري في جنوب إفريقيا. وما اصطاده سورانسكي من وثائق هو ثمين جداً، فإحداها تتحدث عن اجتماع تم في 21 مارس 1975 بين وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، الرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريز، ونظيره الجنوب إفريقي الراحل منذ 4 سنوات، بيتر بوتا، أو الرجل الذي طلب من بيريز أن يبيعه بضاعة نادرة لا أحد يعثر عليها في الأسواق: صواريخ محملة برؤوس نووية جاهزة للاستخدام. وتوضح وثيقة ثانية تفاصيل اتفاق أمني وعسكري بين البلدين، يتضمن مادة تلزم الطرفين بالحفاظ على بنود الاتفاق تحت خانة »سري جداً«، والحفاظ على سريتها بشكل دائم، وفق ما نقلت »ذي غارديان« على لسان سورانسكي، الذي ذكر بأن تل أبيب كانت تعرف بنواياه للحصول على الوثائق، »لذلك حاولت منع حكومة جنوب إفريقيا بعد نظام الأبارتهايد تسليمها إليه«، كما قال. وسمى الأكاديمي سورانسكي كتابه »الحلف غير المعلن: العلاقات السرية لإسرائيل مع أبارتهايد جنوب إفريقيا«. ويركز فيه على دور شيمون بيريز كمعزز رئيس للعلاقات بين البلدين وإبرام الاتفاقيات بينهما، وهو معزز بصور ووثائق ومعلومات جمعها مؤلفه الذي يعمل حالياً محرراً لشؤون الاستخبارات بمجلة »فورين أفيرز« الأمريكية. ويبين الكتاب أن بيريز زار جنوب إفريقيا في نوفمبر 1974 وفي 1975، حيث عقد لقاء بين المسؤولين بوزارتي دفاع البلدين، عرضت فيه إسرائيل بيع جنوب إفريقيا صواريخ »أريحا« برؤوس نووية جاهزة. وبعد 3 أيام من اللقاء اجتمع بيريز مع وزير الدفاع الجنوب إفريقي ولكن في سويسرا هذه المرة، ووقّعا اتفاقاً للتعاون العسكري تضمّن أن الدولتين ستخزّنان الواحدة من أجل الثانية، أسلحة وقطع غيار. شحنات نووية بثلاثة مقاييس ورد في الكتاب أيضاً أن المسؤول عن أمن المؤسسة العسكرية بإسرائيل، يحيئيل حوريف، حاول حتى بعد 30 سنة من ذلك الاتفاق السري، منع نشره بعد أن تسربت بعض بنوده، بل إنه طالب السلطات في جنوب إفريقيا كتابياً في أفريل 2006 بعدم تسليم سورانسكي أي وثائق تتعلق بالاتفاق. لكن المسؤولين الإفريقيين سلموا مواطنهم الأكاديمي الوثائق بعد شطب بنودٍ معينة منها، وهي ما نشره في كتابه ونشرتها »ذي غارديان« أول أمس. وفي تفاصيل الاتفاق أن لقاء بيريس وبوتا عام 1975 في زيوريخ بسويسرا، تطرق إلى مسألة صواريخ »أريحا«، والتي أبدى بوتا رغبة بشرائها شرط أن تكون مزودة »بالشحنة الصحيحة«، فأجابه بيريز بأن الشحنة الصحيحة »متوفرة بثلاثة مقاييس«، مشيراً بذلك إلى السلاح النووي، مما يعني أن إسرائيل كانت قبل 35 سنة دولة نووية، وحافظت على سرية ترسانتها الذرية إلى الآن. ومع أن الصفقة لم تتم بسبب ارتفاع سعرها إلا أن الدولتين أبرمتا صفقات سلاح أخرى متنوعة، جعلت من جنوب إفريقيا الممول الرئيس لمشاريع الأبحاث والتطوير الإسرائيلية، والسوق الأهم لصادرات السلاح الإسرائيلي حتى 1994، وهو عام سقوط نظام »الأبرتهايد« العنصري؛ إذ باعت إسرائيل لجنوب إفريقيا سفناً وصواريخ من طراز »ريشيف«، وطائرات »كفير«، وقطع غيار ومحركات للدبابات، ومدافع ومعدات استخباراتية بمليارات الدولارات. ويكشف الكتاب أيضاً أن وزير المناجم الجنوب إفريقي، ستيفانوس بوتا، وصل إلى إسرائيل في 1976 في مهمة سرية، وأدار مفاوضات حول مصير 500 طن يورانيوم، سبق لجنوب إفريقيا أن سربتها لإسرائيل في 1975. وباستخدام هذه الكمية أفلحت إسرائيل في إنتاج بلوتونيوم يكفي لإنتاج 12 قنبلة نووية. وخلال الزيارة أبلغ رئيس الحكومة الجنوب إفريقية الإسرائيليين موافقته على بيع تل أبيب 100 طن أخرى من اليورانيوم من نوع »الكعكة الصفراء«، والكافي لإنتاج قنبلتين نوويتين. ومقابل الموافقة حصلت جنوب إفريقيا على 30 غراماً من التريتيوم، وهي مادة حيوية للتفجير النووي. ثم ساد صمت في العلاقات.. صمت قطعته مفاجأة لم تعرف بها إلا الولاياتالمتحدة. ففي صباح 22 سبتمبر 1979 التقط قمر تجسس أمريكي اسمه »فيلاه« وميضاً غامضاً مزدوجاً شعّ فوق المحيط الهندي وأضاء مساحة كبيرة من العتمة المخيِّمة على المياه. لكن الولاياتالمتحدة التي قام قمرُها بتصوير كل شيء، لم تكشف عن حقيقة الوميض لأحد، بل لاذت بالصمت. وحده وزير خارجية جنوب إفريقيا، عزيز فهد، كشف بعد 18 سنة عن سرِّه في مقابلة مع صحيفة »هآرتس« الإسرائيلية، حين قال إن الوهج العملاق لم يكن سوى تجربة نووية، لكنه لم يكشف بدوره عمن قام بها، واحتفظ بالسر لنفسه. إلا أن سورانسكي يقول في كتابه، استناداً إلى شهادة أحد كبار المسؤولين في المشروع النووي الجنوب إفريقي، إن القنبلة التي عملت عليها جنوب إفريقيا لم تكن جاهزة على الإطلاق في ذلك العام، ولا في الأعوام التي تلته، وما كان ذلك الوميض الذي أضاء ليل المحيط الهندي سوى تجربة نووية قامت بها إسرائيل.