بقلم: جمال نصرالله* من المؤكد أن مصطلح تنوير جاء على أنقاض الظلامية... وفخر الأمة العربية أنه انطلى عليها هذا الحراك منذ بدء الرسالة المحمدية وماجاء في القرآن الكريم من آيات بينات تدعو وتحث على إتيان العلم والتدبر في الكون والخلق وكذلك نبذ التعصب وكل أنواع الجاهلية المقيتة. لكن ونظير عقدة الغرب الذي مازالت تلازمه لحد الساعة عقدة المركزية المتعنتة. فهو يريد دوما أن يُنسِب إليه التأسيس والانطلاقات بل الريادات في شتى المجالات...حتى ولو كلفه ذلك إبادة أصحابها ماديا ومعنويا ؟! وهذا فعلا ما نلحظه ونشهده من صناعة للأبراج العالية حتى ولو على جماجم الغير حيث يراد بهذا الترويج لبضاعته عن أنها هي الأنسب للشعوب والمجتمعات في جميع الحقب والفواصل الزمنية....نحن لا ننكر إيجابية ثورات التنوير بفرنسا وبريطانيا وحتى أمريكا مع بداية القرن ال18يوم ثارت شلة من المثقفين ضد حكم واستبداد الكنائس ورجال الدين .. ومهدت بذلك لثورة صناعية شاملة أتت بأكلها على جميع الأصعدة.. لتعطي لنفسها تزكية الحداثة بمفهومها الجوهري مع تسجيل عدة تأسفات عن حال الشعوب والدول العربية لأنها كانت يومها لازالت تتخبط بين براثين الاستعمار والاستيطان الغاشم..ولم تستسغ أوتسمع عن مصطلح حداثة إلا بعد إعادة نهوضها ويقظتها..لكن للأسف الشديد فقد كان من ذاب وانخرط في استشراف هذا المصطلح (أي الحداثة) هو مجموعة من الأقلام التي فهمته بآليات مغايرة على أساس أنها أرادت تقليد الغرب في ثوراته ضد الكنيسة والبدء في إصلاح شامل..ونقصد مجموعة من المثقفين الذين أرادوا محو كل شيء معنوي من الواقع العربي فكان أول من هاجموه هو التراث المكتوب والدين بالخصوص على أساس أنه عقبة في طريق التطور والتحديث؟! ناسين ومتناسين أن الغرب الأوروبي لم يثر على التراث الفكري والمعنوي لمجتمعاته وأقاليمه بل ثار ضد المؤسسات القائمة آنذاك؟! خاصة من كانت تمثل الدكتاتوريات من أسر برجوازية حاكمة وإقطاعية بل كولونيالية ...الغرب أبدل كل البنى التحتية لهذه المؤسسات الحاكمة أو تلك دافعا ثمنا رهيبا لكن للأسف نقولها ألف مرة كانت حركة التنوير العربية التي تحمل معها مفاهيم الحداثة ليست فقط خجولة محتشمة بل تحاول معالجة الجراح بالدهون كما يقال وليس القضاء على مقوماته ومغذياته من جذور أي أن الإصلاح لم يكن فوقيا مع كل المؤسسات.. بل كان شبه فلكلوري إن صح التعبير أو منطلقا من تحت حيث راحت تكثر من كتاباتها وخطاباتها التي لم تلق الاستجابة الشافية الوافية من طرف الشرائح العريضة للمجتمع وكأنها كانت تغرد خارج السرب...بينما المؤسسات الفوقية تنعم براحة تامة وماضية في تثبيت أقدامها وأطروحاتها فلم تسر حركات التنوير أكثر من عرجاء بل مضت مندفعة بجثتها نحو الأمام إلى غاية أن اصطدمت بما هو أقوى منها نفوذا وعتادا وتأثيرا وهو واقع السياسات والحكومات التي كان أغلبها يعمل تحت طائلة الغرب لضمان بقائه وتوريثه للسلط ؟! من هنا كان التنوير إما فُهم فهما خاطئا أو أنه انطلق انطلاقة خاطئة ..إلى غاية أن اشتد عليه الوجع وظل يتحرك في قبره مناديا لأي مار أن ينقذه قصد الخروج للوجود فقط؟! وإعادة المحاولة. بينما في منابر أخرى صعدت شبه نخبة تتعالى أصواتها هنا وهناك تتحدث عن مابعد الحداثة ناسية أن الحداثة هي نفسها فشلت في إرساء قواعدها أو تحقيق شيء يذكر على صعيد التقدم سواء التكنولوجي أو الاقتصادي وحتى السياسي والثقافي لتتنعم به المجتمعات والأفراد ...ماعدا ثقافة التركيب التي ازدهرت والتي تعني استيراد القوالب الخارجية وضبطها على الواقع العربي حتى تستطيع مواكبة العصر وحفظ ماء الوجه على أقل تقدير ؟! شاعر وصحفي جزائري هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته