تشغل قضايا الاحتيال في الجزائر حيزا مهما في الملفات القضائية المطروحة أمام مختلف المحاكم بالجزائر، ولا يهم إن كان المتورط فيها إطارا أو مسؤولا نافذا أو حتى شخصا بسيطا، جزائريا أم أجنبيا مادام هناك المئات من الأجانب وبصفة أساسية من الأفارقة تورطوا في هذه القضايا، ومادام هناك الكثير والكثير من الأشخاص من يقعون ضحايا لهؤلاء المجرمين بسهولة تامة، قد يأخذهم الطمع بتحقيق مكاسب مادية هامة يوهمهم بها هؤلاء، أو الحصول على وظائف مغرية أو سكنات أو محلات تجارية وغيرها من المطامع التي تجعل بعض الأشخاص لا يترددون في منح هؤلاء المحتالين الكثير من الأموال ولا يستفيقون إلا على خسارة كبيرة وفادحة. ويتحول الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك عندما يكون المحتال والضحية من أسرة واحدة، تجري في عروقهم نفس الدماء، ويحملون نفس الاسم، بل ويشتركون في نفس المنزل، لينهار كل ذلك دفعة واحدة أمام المحكمة، ويتحول من كانوا بالأمس أشقاء حميمين إلى أعداء حقيقيين، حيث يستغل الطرف المتهم الثقة وعلاقة القرابة والأخوة التي تجمعه بالضحية، ليقوم بالنصب عليه وسلب أمواله بطريقة مثيرة، خاصة إن كان متأكداً من أنه لن يتعرض إلى أية متابعات بحكم العلاقة المميزة التي تجمعهما، وإذا كان بعض المحتالين قد نجوا فعلا من أعمالهم وجرائمهم في حق أقرب الناس إليهم، واستفادوا بالفعل من العلاقة العائلية للإفلات من العقاب، فإن آخرين لم يهضموا تعرضهم للخيانة والسرقة والاحتيال على يد أقرب الناس إليهم، ولم يتمكنوا من غفران ذلك لهم فكان بديهيا أن تصل الأمور إلى أروقة المحاكم والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، منها قضية طرحت على مستوى إحدى الغرف الجزائية بمجلس قضاء الجزائر تتعلق بأخ له منصب شغل مرموق، قام بالاحتيال على أشقائه الأربعة ثلاث إناث وذكر واحد، وأخذ من كل واحد منهم مبالغ مختلفة تتراوح ما بين 40 إلى حوالي 100 مليون سنتيم، بعد أن أوهمهم بأنه مساهم في مشروع ضخم وسيمكنهم من الحصول على شقق ومحلات تجارية، غير أن انتظارهم طال دون أن يتجسد المشروع الذي أوهمهم به، ولأنه عجز عن تسديد المبالغ التي أخذها منهم، فما كان منهم إلا إيداع شكوى ضده، لتتم متابعته بتهمة الاحتيال على أشقائه. وبمحكمة عبان رمضان، أدين أحد الأشخاص المتابعين بتهمة الاحتيال والتزوير بثلاث سنوات حبسا نافذا بعد أن قام بسلب الضحية الذي لم يكن سوى شقيقه مبلغ 4 ملايير سنتيم، وقد طالب هذا الأخير من المحكمة استرجاع كافة أمواله ورفض التنازل عن شكواه حتى بعد إدانة شقيقه بثلاث سنوات حبسا نافذة. ومن وجهة نظر قانونية فإن »كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو أوراق مالية أو وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو عتاد مالي، أو بإحداث الأمل في الفوز بأي شيء أو في وقوع حادث أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع أي شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20.000 دج«. ولا يبدو أن القضايا من هذا النوع تنتهي عند حدود المحكمة، مثلما هو الحال في بقية القضايا الأخرى، حيث يكون القاضي الفيصل ما بين المتهم والضحية، ولا مجال لأية تصعيدات أخرى بعد أن يقول القاضي كلمته، بل إنها تمتد لتتسبب في انهيار وتأزم العلاقات الأسرية والأخوية إلى الأبد، وضياع وتشتت العائلة ككل، بعد أن تنعدم الثقة وتتعزز مشاعر الحقد والكراهية ما بين الطرفين وبين أطفالهما مستقبلا.