لا تزال قرية »أولاد بودخان« التي تبعد بحوالي 9 كلم عن بلدية شعبة العامر الواقعة جنوب شرق ولاية بومرداس قاعدة خلفية للجماعة السلفية للدعوة والقتال ومعقلا من أهم معاقلها الرئيسية وذلك نظرا لتضاريسها الصعبة ووقوعها في أسفح جبال »لا لا أم السعد« و »الريح«. ولها أيضا منافذ إلى ولاية تيزي وزو عبر جبال تيزي غنيف وكذا أطلالها على الشريط الساحلي الممتد من بلديتي كاب جنات إلى زموري، بالإضافة إلى البلديات المجاورة لها على غرار عمال وبني عمران. »أولاد بودخان« ....الجنة التي أضحت مأوى للإرهاب وأنت تدخل قرية »أولاد بودخان« التي اقترن اسمها بأحد معاقل التنظيم الإرهابي وصنفت ضمن الخانة الحمراء، يبهرك جمالها باعتبارها تقع على سفح جبل »لا لا أم السعد« وجبل »الريح« المتاخمين لولاية البويرة واللذان يعتبران مناطق نشاط كتيبة »الفاروق« منذ التسعينيات، والتي أطلق عليها اسم مثلث الموت على اعتبار أن القرية لها بعض المنافذ على ولايات تعتبر ضمن مناطق المنطقة الثانية للجماعة السلفية للدعوة والقتال، فتضاريسها الوعرة سهلت عملية تنقل العناصر الارهابية والاحتكاك بنظيرتها (تيزي وزو) عبر بلدية تيزي غنيف وجبال سيدي علي بوناب، حيث تنشط بها كتيبة »النور« التي تعد من أخطر الكتائب الناشطة بولاية تيزي وزو وكذا بولاية البويرة. فقرية »أولاد بودخان« أو »أث بودخان« كما يحلو لأهلها تسميتها بعيدة كل البعد عن مشاريع التنمية وهذا ما أرق سكانها الذين اضطرتهم الظروف الأمنية الصعبة إلى هجرتها والبحث عن الأمن والاستقرار.. كيف لا والمنطقة لا تزال تنشط بها الجماعات الإرهابية التي تحاول إعادة بعث نشاطها من جديد، حيث كانت أحد المناطق التي سعى التنظيم الإرهابي إلى جمع عناصره للنظر في الاستراتيجية الجديدة للتنظيم الذي فقد رؤوسه المدبرة، وقد تم اختيار »أولاد بودخان« للاجتماع السري بها نظرا لصعوبة تضاريسها، غير أن مباشرة قوات الأمن لعملية التمشيط بالمنطقة فور ورود معلومات إليها حال دون ذلك. فسكان »أث بودخان« لا تزال ذاكرتهم متأثرة بالوضع الأمني الذي شهدته خلال التسعينيات وحتى حاليا، فالسنة الماضية تمكنت قوات الجيش الشعبي الوطني من القضاء على أمير سرية شعبة العامر وكان ذلك إثر اشتباك عنيف بجبال »أفني يزكر«. وفي هذا الصدد قال أحد المواطنين إنه يتذكر العشرية السوداء التي تحولت على إثرها القرية إلى كابوس وهو ما اضطرهم إلى الهجرة. أما مواطن آخر فقال إن قريتهم تذكر على صفحات الجرائد بعنوان »إرهاب...إرهاب..« و لم أقرأ أبدا عن استفادتنا من مشروع ما، وواصل حديثه في ذات السياق أنه كيف لقريتنا أن تستفيد من مشروع ما دام الإرهاب ساكن معنا. فقرية »أولاد بودخان« -حسبه- ذات طابع جمالي خلاب إلا أن الإرهاب حرمنا من الاستمتاع وأجبرنا على الرحيل والهجرة سريعا منها، حيث اتخذها معقلا له بعد كل عملية اعتدائية يقومون بها، حتى أن الجنود الذين كانوا يحرصون على سلامتنا لقوا حتفهم من خلال تلغيم أغلب الطرق المؤدية إليها وكذا من خلال القنابل المغروسة بداخل غاباتها، وحتى سكان القرية لم يسلموا منها، فكم من مواطن كان بصدد رعي غنمه فيفاجئ بقنبلة تنفجر عليه. فأغلب مواطني القرية الذين صدفناهم يتحاشون الحديث عن الوضع الأمني، مؤكدين أن قريتهم قد أنجبت إرهابين كثر، وهناك من هم ضمن شبكات الدعم والإسناد لها، حيث تمكنت قوات الأمن مؤخرا من توقيف 3 أشخاص بقرية أولاد بودخان كانوا بصدد نقل المؤونة إلى العناصر الإرهابية ليصبح العيش في هذه القرية جد مستحيل خاصة في ظل القصف اليومي الذي تشهده وهو ما أدخل الخوف في نفوسنا. سكان »أولاد بودخان« في انتظار حافلة التضامن اضطرت العديد من العائلات إلى توقيف أبنائها عن الدراسة بعدما انتقلوا إلى الإكمالية المتواجدة بمركز البلدية نظير تكاليف النقل التي أثقلت كاهلهم، وقد كانت فئة الفتيات الأكثر حرمانا من التمدرس. وفي هذا الصدد صرح نائب رئيس جمعية أولاد بودخان أن العديد من التلاميذ يلتحقون بمقاعد الدراسة متأخرين مما يؤدي إلى وقوع شجارات مع الأساتذة الذين يصرون على التحاقهم في الوقت المحدد، مضيفا أن قلة وسائل النقل جعلت العديد من التلاميذ يقطعون مسافة 8 كلم مشيا على الأقدام يوميا للالتحاق بإكمالياتهم، وهو المشكل الذي طرح على والي بومرداس الذي بدوره أمر بتخصيص حافلة تضامن للقرية، إلا أن البلدية رفضت على حد قوله بحجة ضرورة استفادة كل القرى من حافلة وعدم تفضيل قرية على أخرى تفاديا للمشاكل. المشكل هذا يطرح آخر، إذ أن المدرسة المتواجدة بالقرية »الشهيد بلقايد سعيد« تحتاج هي الأخرى إلى تهيئة وترميم، إذ تفتقد لأدنى الشروط اللائقة بدءا بالأقسام التي تتحول خلال فصل الشتاء إلى برك مائية بفعل المياه التي تغمرها، مضيفا أن أسقف أحد الأقسام قد إنهار بسبب الأمطار. كما طرح ذات المتحدث مشكل عدم تقديم الوجبات الساخنة للتلاميذ خلال فصل الشتاء واقتصارها على الوجبات الباردة وهو ما أثار استياء العديد من أولياء التلاميذ. طرق مهترئة.. وأخرى مغلقة وضعية طرقات القرية لا تختلف عن نظيرتها بالعديد من البلديات، إذ لا تزال مهترئة مما جعل السلطات المحلية تشرع في تعبيد جزء منها تاركة أكثر من كيلومتر غير معبد، الأمر الذي أعاق حركة المرور على مستواه، إضافة إلى الركن العشوائي للمركبات على حواف الطريق مسببة بذلك حوادث مرور مميتة بسبب توقفها عند المحلات التجارية. وفي ذات السياق كشف ذات المتحدث أن العديد من الطرق التي تربط القرية بولاية البويرة لا تزال مغلقة في وجه حركة المرور بسبب الأوضاع الأمنية، وهو الطريق الذي إن تم فتحه من شأنه فك العزلة عن القرية التي تعاني الإقصاء والتهميش منذ سنوات. ...الشباب بين الحرقة والمخدرات لم يجد شباب قرية أولاد بودخان التي أنهكها التهميش متنفسا لإبراز مواهبهم، إذ تفتقد القرية إلى دار للشباب التي من شأنها أن تكون فضاء ترفيهيا، خاصة وأن أغلبهم قد تركوا مقاعد الدراسة مبكرا وهو ما دفع العديد منهم إلى اتباع طريق الحرقة مجازفين بأنفسهم وأموالهم على أمل منهم أن يجدوا حلمهم في الضفة الأخرى. وقال مسؤول من جمعية أولاد بودخان أن القرية قد استفادت سنة 2003 من مشروع إنجاز ملعب جواري بأعالي القرية إلا أن الأشغال توقفت فجأة وبدون سابق إنذار. هذا وتبقى قرية أولاد بودخان تنظر التفاتة السلطات المحلية إليها وإدراج مشاريع تنموية من شأنها التخفيف من معاناة قاطنيها الذين فضل العديد منهم مغادرة الديار بحثا عن الأمن والاستقرار بعدما ارتبطت قريتهم بالإرهاب الذي فرض عليها العزلة، وتحولت بذلك إلى ساحة معركة بين قوات الأمن والعناصر الإرهابية التي تحتمي بتضاريسها الوعرة وجعلها تبقى فيها إلى يومنا هذا.