بما أن الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون قد قال: عندما كان مشروع رئيس يخوض سابق الانتخابات الرئاسية للوصول إلى قصر الإليزيه وذلك خلال زيارته للجزائر العاصمة في شهر فيفري المنصرم في تصريح لوسائل الإعلام الوطنية بأنَّ ما ارتكبته فرنسا إبان الحقبة الاستعمارية والتي امتدت لحوالي 132 يعد جرائم ضدَّ الإنسانية فإن عليه من الجانب السياسي والأخلاقي والتاريخي أن يعترف بما اقترفت بلاده في الجزائر من مجازر مروعة وجرائم يندى لها جبين الإنسانية جمعاء فالزيارة الحالية لرئيس الفرنسي للجزائر والتي سبقتها زيارة سلفه في فرنسوا هولاند 2015 وقبله زيارة نيكولا ساركوزي الشهيرة إلى عاصمة الجسور المعلقة قسنطينة في سنة 2007 وقبلها زيارة الرئيس الاشتراكي الفرنسي جاك شيراك عام 2003 فكل الزيارات الفرنسية للجزائر كان يركز فيها المسؤولون والرؤساء الفرنسيون على الجوانب الاستثمارية والاقتصادية باعتبار أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول خارج قطاع المحروقات للجزائر بمعدل رقم أعمال تبادلي يناهز 8 مليار دولار سنوياً حسب أرقام خبراء الاقتصاد أماَّ الجوانب السِّياسية أو التاريخية أو حتى ملفات الذاكرة والأرشيف العالقة بين البلدين. فيحاول في كل مرة الجانب الفرنسي التغاضي عنها والتهرب من طرحها على طاولة البحث والنقاش بين الجانبين والمطالبات الرسمية الجزائرية بأن تعترف فرنسا بجرائمها في الجزائر يقابلها فتور فرنسي ولا مبالاة سياسية في معظم الأحيان فالرئيس اليميني المتطرف والداعم الأكبر في فرنسا للأقدام السوداء والحركة الصهيونية أكد خلال زيارته لقسنطينة يوم كان رئيساً لجمهورية الفرنسية بأنه لن يعتذر على جرائم أسلافه في الجزائر لأنه لم يكن حاضراً يومها وليس مسؤولاً عنها بأيِّ حال من الأحوال فالأبناء لا يتحمّلون جرائم الأجداد والآباء بحسب زعمه. أما الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فقد اكتفى بعبارات الأسف وقال: حينها بأن الشعب الجزائري قد تعرّض إلى نظام حكم غير عادل وهو الاستعمار وأنا أقدّر جراحه من جراء ذلك فكل الرؤساء المتعاقبون على حكم قصر الإليزيه يخافون من الاعتراف علانية بأن ما قام به أجدادهم بحقنا هو جرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية وعليهم وفق ذلك أن يعوِّضوا الشعب الجزائري مادياً ومعنوياً عن ذلك ويجب بالتالي تعديل بعض بنود اتفاقية إيفيان والتي تمنع محاكمة مجرمي الحرب الفرنسيين أو تقديمهم للمحاكمة أمام المحاكم الجنائية الدولية وعلى رأسهم السفاح موريس بابون وخاصة تلك الجرائم الفظيعة التي ارتكبها ضدَّ المهاجرين الجزائريين المقيمين في فرنسا في فترة الاستعمار الفرنسي والتي تمَّ توثيقها في كتاب حمل اسم جرائم موريس بابون ضدَّ المهاجرين الجزائريين في 17 أكتوبر 1961 تأليف الأستاذ سعدي زيان فعلى الحكومة الجزائرية أن تطالب الحكومة الفرنسية بدفع تعويضات مالية كبيرة وتقديم اعتذار خطي مكتوب عن تلك الجرائم مادام أن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا قد طالبت بدفع تعويضات مالية كبيرة دفعتها حكومات دول عربية كليبيا وذلك إثر تفجير الطائرة الفرنسية يوتا والتي طالبت باريسطرابلس بدفع تعويضات لعائلات الضحايا المدنيين وقبلها حادثة لوكاربي الشهيرة والتي دفعت الحكومة الليبية في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي ملايين الدولارات لواشنطن بعد إدانتها أمريكياً وغربياً بارتكابها بالرغم أن هناك الكثير من الشكوك الدولية حول جدية تورط نظام طرابلس في تنفيذها كما ادعت الحكومة الأمريكية وقتها ومادام أن ماكرون قد اعترف بأن ما ارتكبته أجداده في الجزائر هي جرائم ضدَّ الإنسانية فإن على الدولة الجزائرية رفع دعاوى قضائية باسم مواطنيها وليس باسمها الشخصي المعنوي ككيان سياسي لكي لا تتحمّل المسؤولية القانونية بخرقها لأحد بنود اتفاقيات أيفيان وتطالب الدولة الفرنسية بتعويض هؤلاء جميعاً فباريس التي لا يزال الآلاف من ضحايا تجاربها النووية في صحراء الجزائر الكبرى يعانون من أمراض سرطانية خطيرة عليها أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية والقانونية وتعتذر لهم وتعوضهم مادياً ومعنوياً وتعيد الأرشيف الوطني المتعلق بالثورة التحريرية كاملاً و الموجود في معظمه في خزائنها وأن تعطي الجزائريين كامل حقوقهم التاريخية ثم بعد ذلك لكل حادث حديث فلماذا اعترف الألمان بجرائم هتلر المزعومة؟ فيما يسمى بمحرقة الهولوكوست وتلقوا من برلين تعويضات مالية منذ سنة 1948 تقدر مئات المليارات من الدولارات ويعاملون معاملة تفضيلية في ألمانيا وهناك قانون ألماني فيدرالي يمنع الإساءة إليهم أو التشكيك حتى في المحرقة اليهودية بينما حقوق الجزائريين المادية والمعنوية والتاريخية مصادرة من الجانب الفرنسي وكلما جاء رئيس فرنسي لزيارتنا استقبلناه بالزهور والورود ووقعنا معه حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية التي تصب كلها في مصلحة فرنسا بالدرجة الأولى فإلى متى يستمر هذا الوضع يا ترى؟..