أعلنت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية تعيين سليمان الرضيمان مديرًا جديدًا لفرع الهيئة بمنطقة مكةالمكرمة خلفاً لأحمد بن قاسم الغامدي الذي كانت توصف آراؤه وفتاواه بأنها أكثر الآراء في الهيئة "انفتاحا" وتمشيا مع التوجه "الإصلاحي" بالسعودية، وهو ما جر عليه انتقادات واسعة أكثر من مرة. ويأتي قرار تكليف الرضيمان بعد عام من أنباء تحدثت عن تكليفه بالمهمة ذاتها بدلا من الغامدي، وذلك على إثر سهام النقد اللاذع التي وجهت للغامدي لآرائه الفقهية المنفتحة، غير أن الغامدي نفى صدور هذا القرار وأكد أنه لا زال في منصبه، بينما أكدت مصادر أن القرار صدر بالفعل ولكن تم سحبه. وكان الشيخ الرضيمان يعمل مديرًا لفرع الهيئة بمنطقة حائل قبل أن يصدر قرار نقله إلى منطقة مكة دون ذكر أسباب واضحة لذلك النقل. واكتفى الغامدي بالقول: «نسأل الله لمن يخلفنا في الرئاسة التوفيق في منصبه الجديد»، ويرجح أن يعود لعمله السابق مديرا لإدارة القضايا بالفرع ذاته. ويعد الشيخ أحمد الغامدي أول من عبر عن مواقفه في عدد من القضايا الفقهية -من داخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- مصطدما مع ما يعتبره البعض من قبيل المسلمات الشرعية التي استقرت في ذهن بعض الإسلاميين، كان أبرزها موقفه المبيح للاختلاط بين الجنسين، واعتبار "الاختلاط" مصطلحًا دخيلاً على الفقه الإسلامي، وكذلك إباحته أيضًا لمصافحة المرأة، ورده بأدلة شرعية على من يحرمونها. واعتبر الغامدي أن اختلاط المرأة بالرجال حين خروجها لحاجة دينية أو دنيوية جائز بشرطين؛ "أن لا يكون في هذا الاختلاط ريبة، وأن لا يكون هناك مزاحمة أو ملاصقة بالأجساد؛ فإذا استوفت هذين الشرط، فلا إشكال في اختلاطها في أي مكان كان وبأي مسافة كانت وفي أي زمان كان"، وقد دفعت هذه التصريحات بالغامدي لمواجهة حملة من الانتقادات الواسعة، تبعها محاولات للاعتداء عليه وعلى أفراد أسرته. وعلى الرغم من أن رأي الغامدي هناك من سبقوه فيه كالدكتور يوسف القرضاوي والشيخ الغزالي؛ فإن صدور هذا الرأي من أحد مشايخ هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الرسمية كان له وقعه على كثير من المشايخ السعوديين، مما أثار جدلاً واسعًا بين علماء سعوديين بشأن مفهوم الاختلاط، وصل إلى الدعوة لتنظيم مناظرة تلفزيونية مع "الغامدي" بإحدى القنوات الفضائية الخاصة. ورغم الهجوم الذي استهدف الغامدي بسبب هذه القضية فإنه لم يفتأ يؤكد أنه لم يتراجع عن آرائه وتصريحاته. آراء الغامدي المنفتحة خالفت أيضا ما استقر في بعض الأذهان على أنه من الثوابت عندما قال بجواز قيادة المرأة للسيارة، وكشف وجهها دون تكلف أو زينة. ودافع الشيخ الغامدي عن مواقفه مؤكدا أنها مبنية على الأدلة الشرعية التي يستند إليها الفقيه في إبداء رأيه مثلما هو منهج السلف الصالح، واصفا بالخطأ الآراء التي تقول إن رأيه هو امتداد لما يسمى بالحركة التغريبية، موضحا أن ما يطرحه بالأدلة "لا يدحض بهذه الاتهامات وإنما تدحض الحجة بالحجة والمناقشة". غير أن معارضيه وصفوا فتاواه بأنها "من صناعة التغريبيين الليبراليين في السعودية"، وقالوا إن موقفه "يذكِّر بما بالفتاوى سادت في مصر في بدايات هذا القرن لمحمد عبده وعبد العزيز جاويش ومصطفى المراغي"، وهي الفتاوى التي قالوا "إنها كانت نواة للتحرر والتهتك الأخلاقي". لكن الهجوم على الغامدي اشتد من داخل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد وصفه لمسؤولين في الهيئة بالغلو والتشدد، مما دفع عددًا من موظفي الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى التقدم بطلبات رسمية إلى مكتب الرئيس العام الشيخ عبد العزيز بن حمين الحمين، يطالبون فيها الإذن لهم بمقاضاة الغامدي أمام المحكمة الشرعية. وبلغ الأمر ذروته عندما أفتى أحد المشايخ في معرض رده على إباحة الغامدي للاختلاط "أنه من استحل الاختلاط وإن أدى إلى هذه المحرمات- فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله"، وفي أعقاب الفتوى قام بعض الشباب المتشدد بمحاصرة بيت الغامدي وطالبوه ب"إنزال أهل بيته ليقوموا بالاختلاط معهم"، وطالبوا بإقالته من منصبه.