من العادات والتقاليد التي مازالت بعض العائلات محافظة عليها هي "شيخ الحي"، أو ذلك الرجل الذي يتمتع بالحكمة والصدق والرصانة، والذي نجده، أو كنا نجده في كل حي وقرية، يحتكم إليه الجميع، ورغم أنّ هذه العادة كادت تختفي خاصة في المدن الكبيرة إلاّ أننا نجد بعض الأحياء لا تزال تعمل بها ليوازي بذلك »شيخ الحي« شيخ القبيلة في الريف. قد يبدو الأمر غريبا خاصة في عالم صار أكثر انغلاقا على نفسه، فلا الفرد أصبح يفكر في الجماعة، ولا الجار يسأل عن جاره ولا ابن الحي يعرف أبناء حيِّه كلهم، وبل لا يكاد يعرف حتى هؤلاء الذين يقاسمونه العمارة، أو الذين تقابل بيوتهم بيته، لكن مع هذا فقد بقت بعض الأحياء أو بعض العائلات محافظة على تقاليد، ربما نكون وفي عصرنا الحالي أكثر حاجة إليها من غيرنا وممن سبقونا، وهي أن يكون للحي مدبر، أو مسير، أو شيخ، أو حتى رئيس بلغتنا الحديثة، يقوم على شأنها وشأن سكانها، ويعمل على حل المشاكل التي تحدث بين أسرها، أو المشاكل الكبيرة والعامة، والتي لا يخلو منها أيّ حي، ولأنهم لا يتفقون لا على كيفية حلها ولا يبدون حتى النية في ذلك، أو لا يجدون من يسير أمورهم، وينظمهم ويحسم في قضاياهم ومطالبهم، فتجدهم يعانون من مشاكل عادة ما تكون تافهة ولا يستدعي حلها بضعة أيام، أو ربما بضع ساعات إلاّ أنهم ولانشغال كل واحد منهم بأموره وهمومه الخاصة، فإنهم لا يتفقون على شيء، وتأتي آراؤهم متضاربة وأفكارهم متباعدة، فلا يفعلون شيئا، أما الأحياء التي لا زالت محافظة على ذلك التقليد والذي كان يعمل به في القرى وحتى المدن، لكن منذ زمن بعيد، حيث يوجد في كل حي رجل عادة ما يكون طاعنا في السن وله خبرة في الحياة وذكاء وقدرة على حلّ المشاكل ورزانة ومكانة وشخصية، وأهم من ذلك كله تفقهه في أمور الدين والدنيا، تجد كل واحد من أفراد الحي، وما إن يعترضه مشكل إلاّ ويلجأ إلى شيخ الحي، قد تكون خصومات بين أسرتين أو شابين، وقد تكون هموم جماعية مثل تعبيد الطريق أو إنشاء قنوات لصرف المياه أو إدخال الكهرباء أو غاز المدينة أو أيّ شيء، فيتجهون إلى شيخ الحي أو القرية، والذي يفكر بالتشاور معهم طبعا في الوسيلة التي يحلون بها مشاكلهم إمّا بالاتحاد وجمع الأموال لإنجاز المشروع، أو بتقديم طلب جماعي إلى البلدية المسؤولة عنهم، حتى لا تكون طلباتهم مبعثرة ومختلفة ومتفاوتة الأولويات، ثم إنّ البلدية ستضطر مع المطالب الجماعية إلى حل تلك المشاكل أو على الأقل النظر فيها. هكذا كان يعيش أجدادنا دون رؤساء بلديات ولا ولايات، ومع ذلك فقد كانت مشاكلهم أقل، وكانت تحل في وقت أقصر، ولم يعيشوا بالبطء الذي نتصوره نحن اليوم، في عصر سميناه »عصر السرعة«، ولأن هذه العادة حميدة فقد ظلت متوارثة، ولا زالت أحياء وفي قلب العاصمة تتبرك بشيخ الحي تعتمد عليه في أفراحها وأتراحها. وهو ما يحدث بحي "»النوارس"« ببلدية بوزريعة، حي فقير وفوضوي، لكنّ سكانه مع ذلك متلاحمون ومتماسكون وكلّ واحد منهم يعرف جاره، ولو أنهم لا يعيشون في سلام تام إلاّ أنّ طرقهم في حل مشاكلهم أفضل من طرقنا وأجدى، حيث أنهم يرفعون كل شكاويهم إليه، ولأنه يتمتع بمكانة صنعها له وقاره وعلمه وحكمته فإن الكلّ يحتكم إليه ويخضع لحكمه، بل إنهم لا يفكرون حتى ولو لم ينصفهم في الاتجاه إلى شخص آخر، وحتى العدالة لم تسمع بمشاكل وقعت في الحي المذكور منذ زمن طويل إلاّ تلك الحوادث الكبيرة والتي وجب معها تدخل السلطات المحلية. ربما لأننا لا نعرف الطريقة المثلى لتنظيم أنفسنا، أو ربما لأنه لم يعد لنا وقت نفكر فيه بهدوء والتفريق بين ما يضرنا مما ينفعنا، أو ربما لاجتماع كل تلك الأسباب صرنا عاجزين عن حل أبسط أمور حياتنا، ولم يعد الواحد منا يعرف الآخر، وزادت بذلك حاجتنا إلى التحاور.