فقد بدأنا في مقال سابق الحديث عن دعاء الصالحين في القرآن وعرضنا بعض النماذج التي تدل على قوة الرجاء بالله عز وجل ونكمل في مقالنا ما بدأناه في المقال السابق ونبدأ ب : تلطف عيسى عليه السلام في دعائه وأدبه إذا تأملنا دعوة نبي الله عيسى عليه السلام ومن معه يسألونه آية لزيادة إيمانهم وتثبيتهم على دينهم.. مائدة من السماء قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة:114). تطمئن قلوبهم كما طلب إبراهيم عليه السلام من قبل ذلك ليكون زيادة في إيمانه ولما كانت القضية ابتلاءً فقد تأدب عيسى عليه السلام غاية الأدب ينادي ربه يا الله يا ربنا قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} فجمع في الدعاء بين ألوهيته تعالى وربوبيته {اللَّهُمَّ} الميم في قول: {اللَّهُمَّ} بدلاً من ياء النداء المحذوفة قبل لفظ الجلالة يا الله {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} يعني يا ربنا وهكذا دعا بالاثنين جميعاً دعا بألوهية ربه وبربوبيته يا الله يا ربنا {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} فهو يريد التثبيت للحواريين أصحابه ويريد نعمة لهم وفرحاً وعيداً {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} إنه رزق من الله وهو خير الرازقين عز وجل فلا يرزق أحد مثل رزق الله تعالى ولا يملك أحد مثل رزق الله تعالى ونجد التبرؤ من الحول والقوة والاعتراف بأن الله يملك الأمر كله. في دعاء عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (سورة المائدة:118) لست بظالم لهم لو عذبتهم لأنك تملكهم ومن ملك الشيء يفعل فيه ما يشاء إن عذبهم فهذا عدل وإن رحمهم فهو فضل {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} تفعل فيهم ما تشاء {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة:118) أنت أرحم بهم من أنفسهم وأعلم بأحوالهم منهم ومغفرتك صادرة عن تمام عزتك وقدرتك ليست كمغفرة وعفو العاجز الذي لا يقدر لا إنها مغفرة صادرة عن تمام العزة والقوة والقدرة فمع قدرته على الانتقام ومع قدرته على التعذيب ومع قدرته على الإهلاك فهو يعفو وهذا السر وراء ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العزيز الحكيم {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لأن المعتاد أن ينتهي مثل هذا الدعاء فإنك أنت الغفور الرحيم ولكنه انتهى باسمين عظيمين لله عجيبين في هذا المقام {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليست مغفرتك وعفوك صادرة عن ضعف لكن عن قدرة وقوة أنت عزيز منيع الجناب لا يستطيع أحد أن يغلبك تغلب كل أحد. وأيوب الذي دعا ربه بأنه أرحم الراحمين وأنه مسه الضر.