** أرشدوني كيف أحيي قلبي، فأنا أحافظ على صلاة الفجر لكن إذا لم أنهض للصلاة فلا أحس بالحزن وأحافظ على صلواتي لكن إذا امتنعت عن الذهاب إلى المسجد بدون عذر فلا أحزن، وأتكلم عن الأقصى بقوة لكن لا أحس بالحزن في قلبي. أبي أخذ الربا فاعترضت لكن لا أحس بغضبة لله في قلبي. قلبي يضرب بشدة من الخوف عندما أفكر أو أعزم على التكلم والدفاع عن مظلوم أو حق؛ لضعف تعبيري والطبية إلى حد السذاجة المرسومة على وجهي، لكن بالإيمان يختفي كل هذا.. أرشدوني ماذا أفعل؟ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: إن سؤالك يدل على وجود حُرْقة إيمانية تخالج صدرك، وهذه عندنا في الدين وفي علم النفس هي المحرك الأساس للإنسان نحو المعالي والآمال الغالية، والغالب أنها لا تضيع بل تتحقق وفق تحرك الإنسان وسعيه في طرق الحياة. فما أجمل أن يسعى المرء منا إلى البحث عن أسباب سعادته، وأن لا يعيش هكذا في الحياة بلا غاية أو هدف، وما أجمل أن يمشي في حاجة نفسه من القضاء على همومها. ثم إنك قد سألت عن موضوع خطير، يكاد لا يسلم منه مخلصٌ مجتهد في الحياة، حيث الضيق والتقلبات غير الطبيعية في حياة الواحد منا. ولنتكلم بنصيحة الدين والعلم في هذه المسألة، والتي تشغل بال الكثيرين، فلستَ بمفردك على الطريق؛ لأنه طريق سلكه الصالحون، وسار على دربه الدعاة العاملون، وبين الحين والآخر يحاول الشيطان أن يجلس بالطريق ليعطلك ويعطلهم، ولكن الحاذق هو الذي يستطيع العودة سريعا إلى الله دون أن يطيل مدة بُعده عن ربه (صلاة الفجر والصلوات المفروضة والأقصى وهموم الأمة والتعامل بالربا والظهور أمام الناس) كلها مسائل مترابطة بالقلب وحركة الإنسان وهذه كلها تعد من الزاد الإيماني للإنسان، فما بين صلاة فجر تزيدك رجولة وثقة في منهجك، ودعما من ربك، وصلوات مؤقتة مفروضة فرضها الخالق لنتذكره ونئوب إليه خمس مرات في اليوم والليلة؛ لنتطهر من الذنوب والآثام والتقصير، وما بين هموم أمتنا وما يحدث للمسجد الأقصى والآلام المحيطة بالأمة، وقضية التعامل المادي بالحرام -الربا- ومسألة الطيبة والسذاجة. إنك تستطيع بعون من الله أن تملأ حياتك سعادة، وتكسوها ألوانا من البهجة، وتُلبِسها صنوفاً من الفرح والسرور. فهيَّا لا تستسلم للألم، ولا تركن للهمِّ، ولا تسلم قيادك للغمّ؛ فالوجود جميل، ولا تزال الحياة مملوءة بما يبعث على السعادة ويدعو للسرور. وإليك وسائل العلاج وطرق الوصول لحياة أفضل بين جوانح ظلمة الدنيا، وظلام العصيان. أولاً: حدد غايتك في الحياة، ماذا تريد؟ ثانيا: ثق في قدراتك، فأنت صاحب قدرة فائقة على الصمود. ثالثا: انهض من كبوتك، واستعن بربك، وصاحب الصالحين. رابعا: نظّم وقتك، وحدد أولوياتك في الحياة. ولا مانع من عمل جدول وورد محاسبة تحاسب به نفسك على التقصير، وليكن لك عقاب تعاقب به نفسك عند التقصير، ولكن لا تبالغ فيه. واسمح لي أن أقول لك: إن مشكلة البعض أن يبلغ به الحزن من أن يكون أسيرا لمعصيته، وحبيسا لزلته، وقد رأى نفسه متكاسلا عن الصلاة، مفرطا في الفرائض، فيلقى الشيطان اليأس في روعه، ويقتل روح الأمل في نفسه، فيمضي جازعا مقهورا، منطويا مدحورا.. والدين الإسلامي لم يُرِد من أتباعه أن يدقوا لأنفسهم أوتادا بجوار معاصيهم فلا يبرحوا إلا إلى الموت، ولم يطلب من المذنب أن يملأ الأرض صراخا وعويلا، ولكنه أمر العاصي بالندم، وحثه على ستر نفسه، والمضي في الطاعة حتى ولو بقي متعلقا بمعصية لم يأت أوان الإقلاع عنها بعد. فأنت أيها الشاب بتقصيرك في صلاة الفجر –مثلا– أو الدراسة والمذاكرة، مازالت أمامك الفرصة في الأخذ بالأسباب للمحافظة على صلاة الفجر، حيث ذمة الله ونوره الذي يهديك به في ظلمات الدنيا، ولعل صلاة الفجر بالنسبة لحالتك زادٌ لن تجد مثله في التخلص من همومك وقلقك ليذهب عنك ضيقك الذي تشعر به. وإذا أردت أن تعلم السبب في تراجعك عن كل شيء في حياتك من صلاة وطاعة ومذاكرة ومدارسة لمواد دراستك، ففتش داخل نفسك، فمن المؤكد أن هناك شيئاً أوقفك. أسأل الله أن يزيل عنك البأساء والضراء، وأن يرفع عنك الألم النفسي، وأن يستخدمك لدينه ولا يستبدلك، نحن وإياك. وفقك الله ورفع عنك البأساء والضراء، وكشف عنك الغمّ والهمّ، ورزقك ثباتا ونجاحا وفلاحا وتوفيقا وتميزا.