بقلم: الدكتورة سميرة بيطام* للأطباء الجزائريين إبان الاحتلال الغاشم والجبان والمتكبر على نفسه وليس علينا دور رائد وعظيم ربما لم تتكلم عنه الكثير من الكتب لكني بحث فوجدت كتبا عديدة تحتاج منا الجلوس بهدوء والتمعن فيها بدقة متناهية لنستخلص العبر والدروس من شعب عظيم لا تكفي الدموع للوقوف مواساة بوقفة شموخ أمام حضارتهم الكبيرة جدا التي فاقت أقلامنا فأقررنا بالعجز ولم شمل الكلمات تلو الأخرى والتي باتت تفر منا حينما يتعلق الأمر بكتابة تاريخ الجزائر أطباء كتبوا بدراستهم في الطب لغة المقاومة وقدموا أنفسهم فداءا لوطن لا أعرف إن كنت سأقدر على إنهاء هذه الأسطر فدوما أرتجف وأقررت بها حقيقة في أكثر من مقال سواء في الصحة أو الإبداع الأدبي أني أرتجف حينما يتعلق الأمر بالكتابة عن وطن اسمه: الجزائر. و من الكتب التي تحدثت عن مجال الطب إبان الثورة وما بعدها كتاب: المآزر البيضاء خلال الثورة الجزائرية للبروفيسور مصطفى خياطي سآخذ منها المثال الواحد تلو الآخر عن كفاح كبير للأطباء البواسل. فإذا كان بالأمس الأطباء المقيمون خرجوا للمطالبة بتحسين ظروف العمل وتعرض بعضهم للضرب من أعوان الشرطة وقد كتبت في مقال سابق أن الشرطي عليه باحترام التعليمات فلا يستطيع الخروج منها وهو منع المسيرات خارج المستشفى والطبيب أراد التعبير بدون أن تضيق على حريته وله الحق في ذلك لأن الحرية لا تقبل بالتضييق وكنت عادلة بين الاثنين إلى أن تغير المشهد لوحده بدون وساطة أحد ليكون التظاهر خارج المستشفيات وبحماية أمنية رفيعة المستوى ليشعر الطبيب أنه يتنفس الهواء جيدا في بلده ليطالب بالتغيير مادام هواء الجزائر قد تغلغل في رئتيه فلماذا لا يبدع ؟ ليعرف الكل أن الإبداع إن هو سجن يموت وإن هو سار في دروب فسيحة من أفكار الحق والعدل والحرية لاق النجاح في صناعة قرار وهو: التغيير الايجابي نسأل الله أن يكمل علينا خير السلام إلى آخر نقطة من خريطة الأمة العربية والإسلامية وليس الجزائر فقط فنحن شعب نوصل حضارتنا التي نصنعها بفكرنا وإرادتنا إلى دول الجوار والدول المحبة للسلام وما يحصل اليوم هو استمرارية لخطى المجاهدين وشهداء نوفمبر ربما جيل اليوم لم يحظى بفرصة مرافقة المجاهدين والشهداء في جهادهم لكن من عاشروهم ولا يزالون أحياء سيكتبون مددا لأسطري من أنها الاستمرارية لجيل نوفمبر وما نموذج الأطباء الجزائريين إلا فئة من مستخدمي قطاع الصحة الجزائرية ولنبدأ بالشهيدة الدكتورة نفيسة حمود المنتمية إلى عائلة بورجوازية عريقة محافظة حيث كان أبوها مفتيا ولدت في 17 مارس 1924 بالجزائر العاصمة فقدت كل أفراد عائلتها واحدا بعد الآخر حيث أنها بوصولها إلى الجامعة كانت الوحيدة من عائلتها المتبقية و قد كانت المرأة الطبيبة الوحيدة التي انضمت إلى الجبهة زاولت دراستها الابتدائية والاكمالية بالعاصمة ثم درست بجامعة الطب الجزائرية أين ناقشت مذكرتها في الدكتوراه سنة 1954. انضمت مبكرا في جبهة التحرير الوطنية وكانت تساهم في التخطيط لمساعدة المرضى والمصابين بالإضافة إلى المطلوبين لدى الشرطة الفرنسية وكان يتم هذا بمشاركة ومساهمة البعض من أهلها ومعارفها مثل قايد جمود وهو عمها والذي شيد مركزا في منزله (بن قانة) (بن مرابط) (بن أونيش) وكل مناضل قاموا جميعا بتشييد مستشفى ميداني في مزرعة بن اونيش بفوردلو (برج الكيفان حاليا). ولقد كانت مسؤولة خلية في جبهة التحرير الوطني حيث كانت مشرفة على العمال في كل من (مجاوي) (خطيب) (لياسين) وآخرون و كان يساعدها في ذلك كل من ( سليمة بلهفاف) و(مليكة مفتي) وأيضا من طرف (أحمد بودرية) قبل التحاقه بجبهة الكفاح و كان عمل هاته الخلية يتركز أساسا في جمع الأدوية خاصة المضادات الحيوية العتاد الجراحي الخاص بالجراحة الخفيفة عن طريق تشكيل خلية عمل نشطة مكونة من أطباء وصيادلة وممرضين وطلبة في الطب و كان لهذه الخلية أيضا اتصال مع عائلات متقاعدين منظمة جبهة وجيش التحرير الوطني وكانت هذه الخلية أيضا مسؤولة عن تكوين وتعليم العشرات من الشباب الذين يدرسون الثانوية وكانت مسؤولة أيضا عن تسهيل وإجراء الاتصالات اللازمة لمساعدة المجندين في شبكة الصحة في الوصول بسهولة وسير إلى وجهتهم المختلفة. (كل هذا النشاط كان تحت الإدارة المثالية والمثابرة لنفيسة حمود بالإضافة إلى الخبرة التي اكتسبتها من معرفتي لهذه المرأة وعملي ونضالي في كنفها لم أشعر يوما مع رئيس لي لقد كانت متواضعة مع الجميع مع علاقة أخوية تجمعنا ومعاملة بلطف تتميز بها لقد كانت تقدر بشكل كبير مشاركتك مجهوداتك المبذولة وتشجعك دون يأس في أوقات المحن (مجاوي.أ.عبيد ص 185).فقرة تشيد بمآثر الشهيدة. أتمت دراستها في الطب في أمراض النساء وشاركت بعدها سنة 1967 في تأسيس أول مركز لتباعد الولادات في مستشفى مصطفى باشا وأصبحت مندمجة في امتحان 1972 وتم تعيينها رئيسا لمصلحة أمراض النساء في مستشفى( بارني) في الأول من سبتمبر 1974 واحتفظت بهذا المنصب حتى إحالتها على التقاعد وقد أسست سنة 1985 أول مركز للتلقيح الاصطناعي في مصلحة طب النساء في (بارني). اشتغلت نفيسة حمود في المجال السياسي وبالتحديد في الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات أين أنتخبت رئيسة له سنة 1966 في مؤتمر أول وشاركت أيضا في المفوضية الجزائرية في مؤتمر النساء الإفريقيات في الجزائر العاصمة سنة 1968 و تمت إحالتها على التقاعد في الأول من وإلى سنة 1986 تم تعيينها كوزيرة للصحة في 1991 حيث شغلت هذا المنصب لثلاثة شهور فقط بعد خيبة أمل أصابتها بسبب الحالة السياسية التي وصلت إليها الساحة الجزائرية في تلك الحقبة لتنسحب بعدها بشكل تدريجي من جميع نشاطاتها الشعبية لكي تكرس ما بقي من عمرها لعائلتها توفيت في الجزائر العاصمة في 10ديسمبر 2002 وتم دفنها في مقبرة العالية في مربع الشهداء ولقد تم تخليد ذكراها من طرف المجتمع الطبي عندما سمي مستشفى بارني باسمها سنة 2003 تاركة نفيسة حمود صورة للمرأة الجزائرية المحافظة وذات المبادئ المتفانية من القضايا العادلة. يتبع...