ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء وباء كورونا.. دروس ووقفات إن الله تبارك وتعالى قد يبتلي العباد ويمتحنهم ليعلموا فقرهم وحاجتهم إليه وأنه لا غنى لهم عنه رغم ما تقدموا فيه من العلم ورغم ما وصلوا إليه من الطب ورغم ما عندهم من المال إلا أنه يبقى حائلا دون كشف الكربات وقضاء الحاجات فلا يكشف الضر إلا الله ولا يدفع البلاء إلا الله ولا يشفي من المرض إلا الله القائل: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْر فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ) {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ وقد عالج الإسلام موضوع الأوبئة وذلك قبل وقوع الوباء وبعد وقوعه وانتشاره فقبل وقوع الوباء لا بد على المسلم أن يعلم أن القضاء قد يكون خيراً وقد يكون شرًا ومن أركان الإيمان الإيمانُ بالقدر خيره وشره فالمرض من الله والشفاء من الله والموت من الله والحياة من الله فهذا من الثوابت التي لا ينازع عليه مسلم في اعتقاده وأن الله تعالى إذا أنزل المرض فهو الذي أنزل الشفاء منه علم ذلك من علمه وجهله من جهله. فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لكل داء دواءٌ فإذا أُصِيبَ دواءُ الداء بَرَأَ بإذن الله عزَّ وجل). وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء). وفي مسند الإمام أحمد عن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: (نعم تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم). وفي مستدرك الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى لم ينزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت). فعلاج كل الأوبئة والأمراض الفتاكة وغيرها هو عند الله وقد يعلمه من يشاء من عباده ويخفيه عمن يشاء امتحاناً منه وابتلاءً حتى يرجع العباد إلى خالقهم ومولاهم ويسألونه ذلك العلاج والشفاء. ومن هدي الإسلام في التعامل مع الوباء عدم الذهاب إلى الأرض التي ينتشر فيها وعدم الخروج منها يدل لذلك ما رواه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به يعني الطاعون بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه . رواه البخاري ومسلم. فنهى عليه الصلاة والسلام عن التعرض للمكان الذي ينتشر فيه الوباء والمرض والخروج منه. ومن هنا أخذ العلماء رحمهم الله الحكم فيما ينبغي على الناس في مرض الطاعون وما شابهه من الأوبئة وهو أن من كان خارج نطاق المرض والوباء فإنه ممنوع من القدوم على المكان الموبوء ويؤيد ذلك قوله تعالى:{وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ}. وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. وحتى لا يصاب بالمرض فيداخله حينئذ التسخط والتحسر والتمني ولو أنه لم يأت ما كان له ذلك.! والمشروع لمن كان داخل البلد ونطاق البقعة الموبوءة ألا يخرج من مكانه ذلك لما في الخروج من المفاسد العديدة فقد يؤدي إلى اتساع نطاق الوباء فيضر بالمسلمين انتقاله ولهذا قال أهل العلم: إن المرض ليس مختصاً بالبقعة ولكنه متعلق بالأشخاص فالخروج لا يغني عن المرء شيئاً بل إنه يفاقم الحالة. والحكمة في النهي عن الخروج من بلد الوباء هو حمل النفوس على الثقة بالله والتوكل عليه والصبر على أقضيته والرضا بها. وهذا الحديث يدل على أن الإسلام سبق إلى ما يسمى بالحجر الصحي. فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاختلاط بأهل المرض المعدي فقال: (فر من المجذوم كما تفر من الأسد) رواه أحمد. وقال: (لا يوردن ممرض على مصح). رواه أحمد وأبو داود. وقد امتنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أخبر أن الوباء والطاعون قد وقع بالشام واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأشار عليه بعضهم بالمضي قدما وأشار عليه البعض الآخر بعدم الدخول حفاظا على أنفس من معه من الصحابة فقرر عدم الدخول فاعترض عليه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بقوله: يا أمير المؤمنين أفرارا من قدر الله تعالى؟ فقال له: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم نفرّ من قدر الله تعالى إلى قدر الله. فقد بين رضي الله عنه أن أخذ الحيطة والحذر من الوباء والمرض من قدر الله تعالى ولا ينافي التوكل عليه. ومن هنا يعلم أن ما تفعله السلطات الصحية في بلادنا – حرسها الله - من الحجر الصحي ومنع السفر لأماكن الوباء وتعليق العمرة والزيارة مؤقتا هو من هذا الباب والهدي الإسلامي ويحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفوس والابدان فالواجب التعاون معهم في ذلك. أما عن كيفية معالجة الوباء والمرض بعد الوقوع فيه فيكون بعدة أمور أيضا منها: أن يوقن المصاب أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه وأن يسلم بقضاء الله وقدره ويعلم أن القضاء والقدر منه خير ومنه شر كما قال صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له رواه مسلم. فقد يكون إصابته بالمرض رفعة لدرجاته وتكفيرا لسيئاته حتى يلقى الله وما به من الذنوب شيء وأن إصابته تلك إن أدت إلى وفاته كان سببا في استشهاده ولحوقه بالشهداء. ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطاعون شهادة لكل مسلم . وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بالمصابين بالأوبئة.