بقلم: نورالدين مباركي* من بين التحديات الحديثة للإدارة والوظيفة العمومية عامة والموارد البشرية خاصة الرقمنة la Digitalisation يبدو أن الرقمنة هي التغيير والتحول الرئيسي الذي سيكون الأكثر تأثيرا على المهن والنشاطات والوظائف المستقبلية. حيث سيتيح الفرصة للإدارة للإنفتاح أكثر والتواصل السهل والمباشر بدون قيود أو عراقيل مع مختلف الفاعلين والمساهمين وكذا مشاركة وتبادل المعلومات. لكن لا يجب ان نهمل الجانب الآخر والهام والذي يشمل المخاطر والآثار على هذه النشاطات والمهن المستقبلية. في هذا الصدد يبرز دور وظيفة الموارد البشرية حيث تقوم هذه الأخيرة بحشد المهارات والكفاءات اللازمة لتوقع هذه المخاطر والآثار والتصدي لها ومعالجتها ذلك من خلال التحول الرقمي ووضع منظومة رقمية خاصة بها تكون فعالة. *نحو إدارة موارد بشرية رقمية استراتيجية: في عصر الرقمنة إن مديري الموارد البشرية لديهم تحدي رئيسي الذي يتعين عليهم مواجهته وهو رقمنة وظيفة الموارد البشرية من خلال أتمتة جميع عمليات الموارد البشرية هذا من جهة ومن جهة أخرى يتعين عليهم مرافقة الموظفين في هذه التغيرات والتحولات سواء الثقافية الإدارية والتنظيمية. إن رقمنة العمليات الإدارية تمثل اليوم رافعة حقيقية للمنظمات من أجل تحسين جودة خدماتها وأيضا تكون قادرة على تخصيص الوقت الكافي والمناسب للأنشطة ذات قيمة مضافة. الرقمنة هي من جهة بمثابة وعد لتوفير الوقت اللازم للأنشطة ذات قيمة مضافة للموارد البشرية ومن جهة أخرى استجابة لتوقعات الموظفين وتحسين صورة وسمعة الإدارة. استخدام الرقمنة في وظيفة الموارد البشرية يعطي لمديري ومسؤولي الموارد البشرية رؤية استراتيجية للوظيفة. في الواقع تبسيط وأتمتة عمليات الموارد البشرية تجلب فوائد ونتائج إيجابية ملحوظة وملموسة على وجه الخصوص من وجهة نظر إدارية. بهذا المعنى أتمتة المعاملات وتبادل المعلومات سلامة الموظف وإزالة الخدمات المادية أو ما يسمى بالخدمة الذاتية للموظفين (Selfcare RH)... من بين الميزات الحديثة المتعلقة بالاستخدامات الجديدة للموظفين. بل هناك ميزات أكثر جاذبية للرقمنة والإلكترونية ظهرت حديثا مثل روبوتات دردشة الموارد البشرية les chatbots RH حيث تتمثل خصائصها مثلا في: الاستجابة بسرعة وبدون قيود على المشاكل والأسئلة الإدارية كما تعالج حياة الموظفين في العمل (دراسة وتحليل مؤشرات الرفاه في العمل تغذية إقامة نقل...) أو مسألة تكوين وتدريب الموظفين (تعطي حلول التعليم والتكوين والتي تتطور أيضًا في هذا المجال). قد تكون مثل هذه الميزات موجودة لدينا مثل إنشاء مجموعات على مواقع التواصل الإجتماعية لكنها تبقى غير رسمية تنشأ بطريقة شخصية من طرف احد أو مجموعة من الموظفين يأخذون المبادرة. من خلال دراسة قام بها بعض الباحثين والمنظمات المتخصصة في مجال الموارد البشرية فإن أهم النشاطات والعمليات المتعلقة بالموارد البشرية التي من المرجح أن تتم أتمتتها ورقمنتها تتمثل في: التوظيف / التكوين / حركة الموظفين / الترقية / الراتب / المكافأة / تسيير المسار المهني / تسيير وتطوير الحياة المهنية / التسيير المالي. إذا هي أهم عمليات ونشاطات الموارد البشرية التي تتأثر بشكل مباشر وفعال بالرقمنة والأتمتة وبالتالي فإن التحدي الذي يواجه الموارد البشرية هو التحول من أجل تقديم خدمات قوية ذات القيمة المضافة وبتكلفة أقل!. وبالتالي يمكن لوظيفة الموارد البشرية أن تركز على المهام الاستراتيجية الأخرى وبالتالي خلق وطرح نهج وأساليب جديدة للإدارة. إن رقمنة عمليات الموارد البشرية تعمل على تحرير الوقت وفك القيود لصالح الموظفين. وبالتالي فالمكاسب تكون مرئية وملموسة نستطيع على سبيل المثال تسليط الضوء على حقيقة أن الموظف يمكنه الوصول إلى وثائق مختلفة حسب رغباته وبشكل آمن عن طريق ما يمكن تسميته بالخزنة الرقمية. تسمح هذه الأخيرة أيضا بتخزين وثائق النظام الخاص بالموظفين (كشف الراتب الإطلاع على الملف الشخصي... إلخ) يعني كل الوثائق الإدارية الخاصة بالموظف والتي يمكنه تتبعها طيلة مساره المهني وهذا ما يتيح سهولة في التنظيم الإداري وتوفير الوقت وخاصة تعزيز الثقة والشفافية وربط العلاقة بين الإدارة والموظف. هذا يسمح بتسيير أفضل ولكن الأمر الذي يتطلب وجود متخصصين في الموارد البشرية والذين يخصصون الكثير من الوقت لتحقيق النتائج وتجسيد البرنامج والعمليات المتعلقة بالرقمنة وأتمتة الموارد البشرية. هذه الرقمنة تحدد جيدا حالات الاستخدام والبيانات والعملية...الخ بحيث تكون هذه الحلول فعالة ومرضية للموظفين. في الواقع يمكن لهذا الانتقال والتحول يمكن أن يؤثر على وظيفة الموارد البشرية في المرحلة الاولى فقط وذلك بسبب الوقت الذي يستغرق لتنفيذ هذه المشاريع التي قد تأخذ مدة من الزمن. كما لا تملك جميع الموارد البشرية نوع من الشهية والميول للرقمنة التي توفر الجهد والوقت للموظفين والإدارة على حد سواء والتي تتأقلم مع جميع الظروف وتعتبر حلا لها هذا إذا نظرنا مثلا للظروف الحالية التي تمر بها الإدارة في ظل الأزمة الصحية والتي رجحت الكفة للرقمنة وبينت أهميتها للقيام بالأعمال والنشاطات بشتى انواعها مثلا كالاجتماعات عن بعد والندوات...الخ. *الذكاء الإصطناعي في قلب التحولات الرقمية للموارد البشرية : في جل الإدارات المتطورة لقد تم إدماج وزرع الذكاء الاصطناعي بالفعل في أنظمة المعلومات الحالية المطبقة على خدمات الموارد البشرية. لذلك من المرجح أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى حد كبير في مجال العمل الإداري والذي سوف تؤثر بشكل كبير على مختلف مستويات الموارد البشرية. كل هذا يوحي بتحديات جديدة لمديري الموارد البشرية والتي يمكن أن تصل إلى حد تأطير وتنظيم الذكاء الاصطناعي أو حتى دعم الموارد البشرية في المستقبل. الذكاء الاصطناعي سيحول الموارد البشرية إلى مستويات عديدة ومتنوعة. أتمتة العمليات والمهام وكذلك إدخال الذكاء الإصطناعي في مجال الموارد البشرية سيسمح بتوفير الوقت ويعزز الفعالية. هذا الذكاء الإصطناعي IA سيسمح للموظف بالحصول على تكوين يتكيف ومتوافق مع تطوره وحياته المهنية. في هذا الصدد يجب أن تعرف إدارة الكفاءات كيفية تأخذ حصتها وتلعب دورها في الرقمنة. في الواقع في السنوات الماضية واحدة من التحديات كانت تتمثل في تجهيز وظائف الموارد البشرية بحيث تلبي متطلبات وتوقعات الموظفين. لذا فإن الفكرة تتمحور حول تطوير تجربة الموظفين من أجل تحسين مردوديتهم وكفاءتهم. حتى المديرين لديهم مسؤولية جديدة في هذا الجانب وهي مسؤولية إعطاء معنى للعمل. تسيير تجربة الموظف تمر من خلال التبادل البشري ولكن أيضا من خلال نظم المعلومات لتسيير المواهب والكفاءات. بفضل نظام المعلومات للموارد البشرية فإنه من الممكن الحصول على بيانات الموارد البشرية واستخراجها من أجل تحليلها. إن الهدف من هذه العملية هو أنها تسمح بفهم السلوكيات سواء الفردية والجماعية. *وظيفة الموارد البشرية كوسيلة ومفتاح التحول الرقمي: من اهم التغييرات التي تمس ولها تأثير كبير للغاية في المستقبل لوظيفة الموارد البشرية والتي تطرقنا إليها سابقا هي طرق العمل الجديدة New Ways of Working وتطور المهن والكفاءات l evolution des metiers et competences. كلاهما على حد سواء يبدو أنهما مرتبطان مباشرة ب الرقمنة. من المنتظر ومن المتوقع أن تقوم وظيفة الموارد البشرية بمرافقة ودعم بشكل أفضل التحولات الرقمية في نظام وبيئة الإدارة (المنظمة). من هذا المنطلق يمكن طرح التساؤل الآتي: ما هي الكفاءات اللازمة للموارد البشرية من أجل القيام بهذا الدور الجديد؟ تسمح الرقمنة أيضًا بتحديد فرص جديدة مثل تلك البيانات الضخمة الكبيرة Big data والذكاء الاصطناعي IA والتي ترتبط بالإحتياجات الجديدة بخصوص الكفاءات التي يجب أن تكون مناسبة ومرضية مما يعني تدريب وتكوين الموظفين ليكونوا قادرين على اغتنام هذه الفرص وتغطية الإحتياجات للكفاءءات المشار أليها الخاصة بالوظيفة. في هذا الصدد لقد برزت مؤخرا تخصصات في الموارد البشرية الرقمية والتي تنمو أيضًا في فرق الموارد البشرية أي على المستوى الجماعي. للرقمنة نصيبها من المخاطر: على قدر ما لها من إيجابيات لها كذلك مخاطر تتمثل خاصة في التجريد من الإنسانية في المهام صعوبة التكيف مع التغيرات وإهمال جزء من مهام الموارد البشرية التي يمكن أتمتتها بسهولة. هنا يبرز الدور الحقيقي لمسيري ومديري الموارد البشرية في إيجاد الحلول وتحقيق التوازن بين ضرورة توفير الوقت والفعالية واحتمال تلاشي واندثار العلاقات والرابطة البشرية. ومن أجل تحقيق هذا التوازن من الضروري إجراء انتقال وتحول بمرافقة وظيفة الموارد البشرية. يقول Christophe Coudroy : Contrairement à la fonction finance qui devra être revisitée (la fonction de reporting pouvant de plus en plus s automatiser) la fonction RH à l inverse va voir sa place croître. Eneffet la dimension relations humaines ne sera jamais automatisée et la tendance est au développement de l engagement et de lamotivation des collaborateurs خلاصة القول وبشكل عام الرقمنة في الزمن الحاضر لا تمثل خطورة ولا مصدر خوف وارتباك وشك كما نلاحظ إتقان كبير لوظيفة الموارد البشرية في هذا المجال. اليوم في الزمن الحاضر استطاعت عدة مشاريع للرقمنة جلب فوائد كبيرة وهامة لكن الأمر يستغرق بعض الوقت لتأسيسها تجسيدها وأخذها في الاعتبار. في الواقع هذا التحول الرقمي لا يؤثر فقط في الأدوات أو العمليات. بل هو يطور طرق عملنا تفاعلاتنا مع بعضنا البعض علاقاتنا مع المحيط والزمن. من الواضح أن هذا له تأثير قوي على رفاه الموظفين وبشكل عام على أداء الإدارة. لذا فهو جيد لمديري الموارد البشرية قيادة مشاريع التحول الرقمي والعثور على المؤشر الصحيح والرابط بين العلاقات البشرية قدرة الإدارة وقابليتها للتغيير أو تطوير الكفاءات ورقمنة كل الوظائف. إنها حقا مسألة ثقافة الإدارة وليس فقط مقياس الأداء أو أحد الحلول التكنولوجية.