نهاية أية أزمة تعني بداية مرحلة جديدة.. جذب وضمان الكفاءات في الإدارة العمومية.. كيف؟ بالنسبة لكثير من الباحثين والمختصين في مجال الموارد البشرية والإدارة بصفة عامة إن نهاية أية أزمة تعني بداية مرحلة جديدة هذه الأخيرة تتميز بطابع مغاير تماما للماضي حيث هذه المرة تنقلب الموازين وترجح الكفة لصالح العرض أي عرض الوظيفة وليس طلبها من طرف الراغبين في الترشح. إن الإدارة العمومية اليوم تواجه تحديا يتعلق بقلة المناصب أي قلة العرض هذا من جهة. ومن جهة أخرى نقص في الكفاءات / المهارات وهذا راجع لعدة أسباب تطرقنا إليها سابقا والتي تدرج ضمن التحديات الحديثة المتعلقة بتنوع النشاطات والمهن وكذا الكفاءات المتخصصة...الخ. في ظل هذا التطور الملحوظ وسريع الوتيرة والذي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم والذي يؤثر بصفة كبيرة على الوظيفة العمومية على الإدارة العمومية أن تغير طريقة عملها خاصة فيما يتعلق بالمورد البشري الذي يعتبر الرأس المال الحقيقي والوحيد لنجاح الإدارة أو المنظمة. بصيغة أخرى أكثر دقة يجب على الإدارة أن يكون أسلوبها محترفا يعني أن تعمل باحترافية وهنا يمكن القول أن عليها أن تجذب !. تجذب الرأس المال البشري تعرفه بعملها تحببه فيه وتحتفظ به لنفسها ليس المعنى من الإحتفاظ هو الإحتكار وإنما لتفادي الهروب إلى قطاع آخر وبالتالي تضييع كفاءة ومهارة كانت لتعطي إضافة للإدارة. الحرب إن الموظفين والمترشحين للوظيفة هم أكثر الأشخاص الذين تجمعهم علاقة أو سوف تجمعهم مع الإدارة والتي على هذه الأخيرة أن تعمل على إرضائهم. قد تسمى بالحرب حرب الكفاءات تخوضها وظيفة الموارد البشرية بما أنها على الخط الأمامي. إن مديري ومسيري الموارد البشرية على دراية تامة بالتوقعات الجديدة لموظفيهم بدرجة أولى للمترشحين وللمجتمع المدني وكل من له علاقة بالإدارة والتي بدورها تزيد من حدة وصعوبة المهمة وتضع الإدارة في حرب حقيقية. بالنسبة لكثير من المختصين الجذب و الإحتفاظ بالكفاءات هو أولوية بالنسبة لوظيفة الموارد البشرية بل أصبحت الإستراتيجية الرئيسية. من بين مقومات هذه الإستراتيجية التوظيف والتكوين الأولي فالإهتمام بالتكوين الأولي كان وسيظل يعطي نتائجه المرضية بالطبع لمن يهتم بذلك ! والتوظيف يعني كذلك اختيار وجذب الشخص المناسب للمنصب والوظيفة المناسبة. تقنيات جديدة وحديثة تتعلق بالتوظيف برزت لتوضيح الرؤية أكثر للمنظمات والإدارات ولكن أيضا توثيق الحاجات التي سطرتها الإدارة من خلال مخططها. استخدام الوسائل التكنولوجية خاصة فيما يتعلق بالإتصال والمعلومات وتقنيات عملية تنظيمية هي أمثلة عن عملية التوظيف المتجدد والمصمم بأسلوب حديث من طرف وظيفة الموارد البشرية من أجل التكيف مع البيئة الحالية. لا تزال هناك مشكلة التناقض بين ما يمكن أن تقدمة الوظيفة العمومية أو السلطات المسؤولة من مناصب والحاجة الحقيقية للإدارة؟. الجواب يتأرجح بين عدة جوانب وأطراف فاعلة ; السياسية بدرجة اولى التنظيم القانوني البيئة الوظيفية عدم توازي الأهمية والمستوى الإجتماعي بين القطاع الإقتصادي والوظيفة العمومية مما يؤدي إلى العزوف عن هذه الأخيرة الإفتقار إلى منظومة إدارية تهتم أكثر بالموظفين وتعزز تواجدهم... الخ. إن رؤية Visibilité و سمعة Reputation الإدارة هما المكونان الرئيسيان لثقلها. والثقل هو مركز قوتها في المحيط والمجتمع. إن هذان المكونان (الرؤية والسمعة) يرتبطان أكثر بوظيفة الموارد البشرية وذلك من خلال: نوعية وجودة الحياة المهنية / الإستقرار والرفاه في العمل / طبيعة ونظام العمل...الخ. الاستجابة لتوقعات المترشحين المترشحون للوظيفة عند إدراكهم لهذه العوامل والمكونات بصفة عامة عند إدراكهم لثقل الإدارة حتما سيتأثرون بشكل مباشر وهذا التأثر سيعزز قرار انضمامهم لهذه الوظيفة (الإدارة). الجذب هو الاستجابة لتوقعات المترشحين (الموظفين المحتملين مستقبلا) ولكن الأهم هو أن تكون الإدارة قادرة على الاستجابة لهذه التوقعات وتحقيقها. يجب على الإدارة توضيح الرؤية على أعمالها على ما تفعله على ما خدماتها (ما تقدمه وما تعرضه) على ثقافتها وبيئتها. فالهدف الأهم هو رسم صورة مناسبة لها. العمل على تحسين وتطوير الصورة يمكن أن يكون صعب للغاية ويصبح تحدي وقضية رئيسية. من أجل ذلك يمكن تحديد أهم وأقوى الاختلافات في الجاذبية بين القطاعات: - القطاع العام غير المعروف وغير جذاب وقليل المرونة أي مقيد بالقوانين والتنظيمات مما يعزز ويخلق البيروقراطية التي تبقى بمفهومها الأصلي الذي يعني حكم المكاتب . - المقومات الخاصة بالقطاع العام والتي من المفروض أن تجذب الكفاءات لا تزال ضعيفة ولا ترقى للمستوى المطلوب والمرغوب به. هي مواقف وسياقات مختلفة التي يجب على مديري ومسيري الموارد البشرية التكيف معها لرسم الصورة المناسبة والجيدة للإدارة. من بين أهم الطرق والأساليب لتعزيز مكانة الإدارة وهيبتها موضوع يعتبر ضروريا ألا وهو تعزيز المسؤولية الاجتماعية للإدارة والتواصل على المستوى الخارجي من أجل إبراز النشاطات التي تقوم بها الإدارة والإجراءات المتخذة من طرفها. حسب دراسات حديثة عدد كبير من مديري ومسيري الموارد البشرية يعتبرون أن المتطلبات لتعزيز المسؤولية الإجتماعية سيكون لها أثر كبير بل مهم جدا لوظيفة الموارد البشرية. تطوير نهج المسؤولية الاجتماعية للإدارة هو تأكيد على مبادئها ثقافتها وخاصة قيمها. هذه القيم تسمح للمترشح للوظيفة والذي قد يكون الكفاءة المطلوبة أن يسرع للإلتحاق بهذه الوظيفة (الإدارة). إذا بكل بساطة هذا يساعد على جذب الكفاءات والمهارات اللازمة للوظيفة.لذا فإن وظيفة الموارد البشرية لها دور أساسي في خلق أو تعزيز نهج المسؤولية الاجتماعية للإدارة. يقول Pierre Roche: La disposition intellectuelle à changer d employeur beaucoup plus facilement est un challenge pour le RH: si on n arrive pas à donner du sens aux actions d un collaborateur il ira voir ailleurs... أولوية.. من خلال هذا القول نرى ان الإهتمام بالموظف له طبيعة خاصة وذو أولوية. فالأهمية الإستراتيجية لهذا الأمر المتروك لمسيري الموارد البشرية تأخذ معناها الكامل في هذا الصدد. بالإضافة إلى مسار وظيفي متنوع ومرنة بتوافق مع توقعات ومساهمات الموظف والتي ترمي به في نوع من المغامرة إن دور مسيري الموارد البشرية هو تسهيل اندماج الموظفين الجدد في الوظيفة (الإدارة) أو في حياتهم الوظيفة جديدة. من الممكن القول أن الفترة الأولى من الإدماج والتي تتراوح عموما من ستة أشهر إلى سنة هي ضرورية جدا للموظف الجديد. في الواقع هذا سوف يعزز رغبته في البقاء والعمل لهذه الإدارة على المدى الطويل أما إذا كان العكس فسيعمل على التفكير والتخطيط للتغيير !. بمجرد مرور هذه الفترة ونجاح الإدماج يبدأ العمل على مضاعفت الجهود من خلال التقرب من كل الفاعلين (زملاء رؤساء مسؤولين...الخ) وتكوين علاقة تفتح له المجل للمشاركة والمساهمة لمتابعة مساره وتطوره... أكثر من ذلك وعموما فمن الضروري اليوم بالنسبة له(الموظف) إعطاء معنى لأعماله ونشاطاته بصفة مستمرة ويومية وأيضا لمعرفة مساهمته في الإدارة. الاحتفاظ بالموهبة في حياتهم ضمان الجودة الحقيقية الحياة في العمل: إن الأهمية التي يعطيها مسيري الموارد البشرية لجودة ونوعية الحياة المهنية والتي يتجاوب معها الموظف هي واحدة من الإجابات والنوايا التي تبرز قبول الموظف بالوظيفة وعزمه الإحتفاظ بها. وفي هذا الصدد يقول Remi Boyer: La Qualité de Vie au Travail est la clé de voute de l équilibre au quotidien de notre établissement أجيال كثيرة وشابة مفعمة بالحيوية والكفاءة يبحثون عن المعنى في الوظيفة والتنوع. هم بحاجة إلى شيء من التخصيب والتجديد الوظيفي بما يتلاءم مع قدراتهم ومهاراتهم. طلبهم الرئيسي الآن يرتكز أساسا على نوعية وجودة الحياة في الوظيفة (الإدارة) ولكن أيضًا جودة المهنة. إن زيادة وتعزيز عناصر الرضا والراحة المادية تلعب دورا كبيرا في استقطاب الرأس المال البشري (الكفاءات) فمن الضروري إذا إدراج هذا الجانب ضمن الأولويات. بمعنى أن تمنح لكل موظف: التقدير الشعور الجيد بالعمل القيادة الدعم الاجتماعي القيم... إلخ. مراعاة مختلف السياقات يجب أن يراعي مسيرو الموارد البشرية مختلف السياقات والعوامل والبيئة التي تتطور فيها إدارتهم مثل: تنوع المهن زيادة الطلبات الإجتماعية-المهنية أولويات الإدارة المختلفة...الخ. وهذا ما يدرج ويظهر توقعات مختلفة ومتنوعة متعلقة بجودة ونوعية الحياة المهنية. إن تلبية توقعات الموظفين هذه لن يتم العثور عليها تلقائيا أو صدفة أو حتى بسهولة. الرقمنة هي أيضا تأخذ بعين الإعتبار بما لها من أثر على جودة الحياة المهنية. الموظفون هم في انتظار وبحث دائم عن توازن حقيقي بين الحياة المهنية والشخصية كما يريدون ويتمنون المرونة والبساطة في إجراءات وأساليب العمل. لذا يجب اعتماد استراتيجيات جديدة للموارد البشرية لضمان رفاه وراحة الموظفين داخل الإدارة. هذا الطلب والذي أصبح شرطا في الدول المتقدمة هو قانوني منطقي وحيوي بحيث يلبي توقعات الموظقين وكل أعضاء الإدارة (المنظمة). وهذا بالطيع ينعكس على وظيفة الموارد البشرية ويفرض عليها إعادة التفكير في طرق ومناهج أخرى واستخدام الأدوات الرقمية الجديدة للحفاظ على جودة الحياة المهنية للموظفين وأيضا أداءهم. إن الإهتمام بنوعية وجودة الحياة المهنية تعتبر القاطرة والدافع الرئيسي للأداء والمشاركة وولاء الموظفين وخاصة جذب وضمان الكفاءات والمهارات. وبالتالي فإن جودة الحياة داخل الإدارة أو الرفاهية في العمل عنصر أساسي يجب دمجه وإدراجه في مناهج واستراتيجيات الموارد البشرية.