عندما تسكن القسوة قلوب الأزواج .. زوجات يُطلّقن بعد إصابتهن بسرطان الثدي ..ونحن نعيش فعاليات شهر أكتوبر الوردي لمكافحة السرطان كان لابد من الوقوف في محطة واقع النساء المصابات بالسرطان وظروفهن القاسية فمن التهميش إلى صعوبة العلاج ليختم هذا وذاك بتعرضهن إلى أبشع معاملة من بعض الأزواج وتكون خاتمتها الطلاق فمأساة النساء اللائي يصبن بمرض سرطان الثدي لا تتوقف عند معاناة المرض بل في تخلي بعض المقربين وخصوصا الزوج عن شريكة حياته في أسوإ الظروف. نسيمة خباجة لا زال في مجتمعنا وللأسف يطلق اسم المرض الخبيث على مرض السّرطان أو حين يرغب أحد بأن يصنّف شخصًا قد أصيب بمرض السّرطان يقول: عندو هذاك المرض (ذلك المرض). حيث أنّ هذا التّوجه يجعل الكثير ممن أصيبوا به يصارعوه خفيّة أو سرًا عن المجتمع كما أن هنالك نقص واضح بالتوعيّة اتجاهه الفرديّة والمجتمعيّة. أنواع أمراض السّرطان كثيرة يُصاب بها مع اختلافها الرجال والنساء على حد سواء لكن أكثر الأمراض النسائيّة السرطانيّة انتشارًا هو سرطان الثّدي وفيه خصوصيّة من المعاناة كون له أثار خارجيّة على جسد المرأة خاصّة إذا تعرضت إلى استئصال الثّدي بعد قيامها بعمليات علاجيّة عديدة. معاناة ونظرات دونية لا أحد يعرف ما يمرّ به المصاب بالسّرطان إلّا نفسه منذ لحظة معرفته بإصابته بالمرض مرورًا بكل المراحل العلاجيّة. بالمقابل هو وحده الذي يعرف حاجته الإنسانيّة الأولى لأن يُحاط بالدّعم سواء من العائلة المقربة أو البعيدة والأصدقاء. حيث أنّ الدعم النفسيّ الذي يحتاجه المريض كما الدّعم المادي في كثير من المجتمعات من أجل العلاج هو فوق التعريف والتقدير أحيانًا. تعاني النساء المصابات بمرض السرطان في الجزائر مشاكل كثيرة لا ترتبط فقط بقلة عدد مراكز العلاج ونقص في الأدوية بل أيضا بالنظرة الدونية للمجتمع لهن خصوصا عندما يتم تطليقهن بسبب هذا المرض. جلست السيدة وردة على حافة سريرها بمركز بيار ماري كوري لعلاج السرطان تنظر إلى باب غرفتها وتنتظر قدوم ابنها حيث وعدها أخوها في الزيارة الأخيرة لها قبل أسبوعين بإحضاره معه في الزيارة المقبلة. وظلت زوبيدة تتفحص وجوه المارين من باب غرفتها اقتربنا منها فرسمت ابتسامة خفيفة رافقتها بعبارة الحمد لله عمرها 45 سنة وهي أم لثلاثة أطفال تروي قصتها مع مرض سرطان الثدي بكثير من الحسرة والألم وتقول: قبل ثلاث سنوات اكتشفت تغيرات في ثديي الأيسر غير أني لم أعر اهتماما لذلك ومع مرور الزمن ازدادت شكوكي التي تحولت إلى يقين بعد إجراء التحاليل والفحص الإشعاعي . وتضيف وردة قائلة: رفضت وضع المرض ولم أرضخ لإلحاح الأطباء ولكلام زوجي بضرورة استئصال الثدي وقررت تفادي ذلك حتى الموت. أبدى زوجي في البداية تعاطفا معي وشجعني على إجراء العملية وهو ما خفف عني الكثير من الألم. غير أنه بدأ يتنصل من مسؤولياته المادية والمعنوية اتجاهي فكان يتركني بالمستشفى لأيام دون أن يسأل عني إلى أن أخبرني في أحد الأيام وأنا على سرير المستشفى بأنه أتخذ قراراه النهائي بإنهاء علاقتنا الزوجية وتواصل زوبيدة رواية مآسيها والدموع تملأ عينيها كنت أعيش حياة سعيدة وهادئة إلى أن غدرني المرض ومن بعده زوجي حيث الآن أنتظر فقط دوري عسى أن يعجل الموت بحياتي . إحصائيات رهيبة قصة وردة مع مرض السرطان والحياة الزوجية ليست فريدة من نوعها فقد بات الخوف من هذا المرض يؤرق المرأة الجزائرية في السنوات الأخيرة بعد توسع خريطة انتشاره إلى كل الفئات العمرية وتسجل الجزائر سنويا أربعين ألف حالة إصابة منها 11 ألف حالة مصابة بسرطان الثدي يقتل منهن 3500 إمرأة سنويا أي بمعدل عشر نساء يوميا وتبقى هذه الاحصائيات جزئية وبعيدة عن الرقم الحقيقي لعدد المصابات بالمرض لأن أكثر من 70 بالمائة من الحالات المسجلة يتم اكتشافها في المراحل الأخيرة فقط وهناك حالات عديدة أخرى لا يتم رصدها نهائيا بسبب نقص الوعي الصحي في المناطق الريفية والصحراوية. وتعاني المصابات بمرض السرطان من وجود نقص في الأدوية ومن طول الوقت بين جلسات العلاج بالأشعة. وتزداد معاناة المريضات بشكل أكبر بسبب نظرة الأقارب والمجتمع لهن حيث يدخلن في دوامة من المشاكل الأسرية تنتهي في كثير من الحالات بالطلاق والتشرد. وتشير الأرقام إلى أن ظاهرة الطلاق بين المريضات بالسرطان في ارتفاع مستمر. حيث يتعرض ثلت عدد المصابات بالمرض - أي أربعة ألاف امرأة- للطلاق ابحاث كثيرة صدرت حول تأثير مرض السّرطان على الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة للمريض منها تأثير المرض على العلاقات الزوجيّة كالدراسة التي عملت عليها مجلّة السّرطان الدّوليّة في العام 2009 والتي أفادت بأن نسبة طلاق أزواج عن زوجاتهم المصابات بمرض خطير تفوق سبعة مرات لو كانت الحالة معاكسة أي لو كان الرّجل مشخّص بإصابته بمرض خطير. لابد من سن قوانين لحماية المصابات بسرطان الثدي الأسئلة المهمّة التي تطرح في هذا المقام هي لماذا على المرأة وضمن الظروف القاسيّة التي تعيشها أغلب المجتمعات وانعدام الأمان الصحي والاقتصادي في كثير من الأحيان وغياب القوانين التي تحمي المرأة وحياتها وصحّتها يجب عليها أيضًا أن تعاني من انعدام الدّعم المعنوي والاقتصادي وتترك وحيدة في مواجهة كل هذا؟ هنالك محاولات عديدة لمراكز الحماية من السّرطان والتوعيّة بشأنه تحاول أن تدفع نحو سنّ قوانين لحماية المرأة المريضة بالسّرطان بعد طلاق أزواجهن لهن على الأقل أن تؤمن الدّولة الدّعم الاقتصادي لعلاجهن. نعرف أن الكثير من ردود الفعل إزاء هداك المرض نابعة من عدم معرفة ووعي بكل ما يتعلق به. لكن عدم المعرفة ليس من المفترض أن يكون مبررًا لبعض الفئات المجتمع الذكوريّة بكيفيّة تعاملها مع المرأة التي تعاني من مرض خطير. أسباب كثيرة تعود لطلاق أزواج من زوجاتهن بعد تشخصيهن بمرض السّرطان منها عدم وجود قاعدة متينة للعلاقة فيما بينهم أو لأسباب اقتصاديّة أو جبن من المواجهة لكن وجود الأسباب لا يعني شرعيتها. إلّا أن أسوأ الأسباب التي تجعل الرجل ينفصل عن زوجته لأنها أصيبت بمرض سرطان كسرطان الثدي مثلًا لأنها حسب وجهة نظره قد فقدت شيئًا من أنوثتها! أو لأن المرض سيجعلها تفقد جزءًا أساسيًا من دورها كزوجة بالبيت! أو لأنها لن تصبح زوجة صالحة بعد مرضها! ولن تكون أمًّا صالحة ولن تتحمل مسؤوليات الأسرة! الكثير من الأسباب بإمكاننا سماعها وكل سبب بإمكانه أن يحرق القلب تمامًا ويضاعف من معاناة النسوة المصابات بسرطان الثدي.