مراصد إعداد:جمال بوزيان وفق شهادات حية لمجاهدات بمنطقة جمورة ببسكرة: المرأة الجزائرية أظهرت مهارات فائقة لمواجهة الاستدمار الفرنسي ترصد أخبار اليوم مقالات الكُتاب في مجالات الفكر والفلسفة والدِّين والتاريخ والاستشراف والقانون والنشر والإعلام والصحافة والتربية والتعليم والأدب والترجمة والنقد والثقافة والفن وغيرها وتنشرها تكريما لهم وبهدف متابعة النقاد لها وقراءتها ثانية بأدواتهم ولاطلاع القراء الكرام على ما تجود به العقول من فكر متوازن ذي متعة ومنفعة. حرائر الجزائر يروين التاريخ الحقيقي: دور النساء المُقاوِمات في منطقة جمورة خلال ثورة نوفمبر المجيدة بقلم: الدكتورة سامية بن فاطمة أستاذة وباحثة في التاريخ المسبلون والمسبلات يستقبلون المجاهدين في ديارهم وجعلوها مراكز للثوار المجاهدة خضرة : سلاح ثورة التحرير الكبرى كان يُشترَى من التبرعات وحُلَيِّ النساء أخطر ما عانت منه الثورة هُم الخونة الذين ساعدوا العدو الغاشم المجاهدة محجوبة : مكثت في السجن بضع ليال كانت كلها خوف ورعب وعذبت في يوم من أيام الشتاء الباردة المجاهدة محجوبة : كنا نخبئ السلاح تحت الأرض ونطلق على المكان اسم (كازمة) ونضع فوقها حَجَرا مسطحا ونرمي فوقه التراب المرأة الريفية تعرضت لعذاب مرير من طرف العدو الغاشم الذي انتهك حرمتها وامتهن كرامتها وأحرق قراها ودمرها تدميرا شنيعا بشهادة المجاهدة خضرة وردا على الضابط الفرنسي المجاهدة المازية تحيي ابنها الشهيد بزغرودة تطفئ بها النار التي تحرق صدرها ثالثا: دور المرأة في جمورة أثناء ثورة التحرير 1954-1962م كان للمسبل عموما دَور مهم في الثورة التحريرية إذ يعد بمثابة الرئة التي يتنفس بها جيش التحرير الوطني وتدعم أكثر من ذي قبل بعد عام 1956 م أي بعد انعقاد مؤتمر الصومام الذي تقرر فيه تعزيز فئة المسبلين بالنظر إلى دَورهم المهم وكذا الحاجة الماسة إليهم باعتبار أنهم يقدمون خدمات كبيرة لجيش التحرير الوطني دون أن ينتبه إليهم جيش العدو.. وفي جمورة كان المسبل يقوم بتموين المجاهدين في غفلة من سلطات الاحتلال وتروي لنا السيدة خضرة كيف كانت تساعد زوجها فتقول: ... بعد انطلاق الثورة التحريرية والتأكد أنها ثورة انضم أبناؤنا وإخواننا إلى المجاهدين في الجبال وجملة أعمالي التي كنت أقوم بها وقتها هي مساعدة أخواتي في طحن الحبوب وتحضير الطعام لإرساله إلى المجاهدين أما زوجي فكان يقوم بجمع التمر من الأُسر الميسورة في القرية لأقوم أنا بحشوها في جلود لحفظها ونقلها إلى الثوار وكان زوجي أيضا مسؤولا عن جمع التبرعات من مال وحلي (فضة وذهب ) هذا الأخير الذي كان يبيعه للحصول على المال لشراء السلاح وهو ما تسبب في سجنه إثر وشاية فاتهم بمساعدة الثوار وسجن لمدة ثلاثة أشهر وقد ظل يُحوَّل من سجن إلى آخر فزرته في سجنه ب القنطرة لكني لم أجده فظننت أنه قد مات غير أنه أُفرِج عنه بعد ثلاثة أشهر... . مهام أخرى.. ومن بين المهام الأخرى التي يؤديها المسبل إضافةللتموين هي مهمة الإيواء إذ كان المسبلون والمسبلات يستقبلون المجاهدين في ديارهم التي جعلوا منها مراكز للثوار يلتقون فيها لتناول الطعام أحيانا وقضاء الليالي الباردة في فصل الشتاء أحيانا أخرى وهنا أظهرت المرأة الجزائرية مهارتها الفائقة في التحايل على قوات جيش العدو. والمرأة في منطقة جمورة هي نموذج مصغر لعديد نساء الجزائر وعن إيواء المجاهدين تحدثنا السيدة محجوبة فتقول : ... إن زوجي كان مسبلا يساعد الثوار وفي كثير من الأحيان يحول منزله إلى مركز يأوي فيه إخوانه المجاهدين فكنت أنا وأخواتي نحيك القشابيةمن أجلهم وأيضا نغسل ملابسهم ونطبخ لهم إذا نزلوا لدينا ضيوفا وفي إحدى المرات اخبرني زوجي أن الثوار سيأتون إلى منزلنا وبعدها قام بجلب كل ما يلزم لتحضير الطعام لعدد كثير من المجاهدين قمت بتحضير الطعام رفقة أخواتي من ذوات الثقة ثم أطعمت صغاري ليناموا وبعد وصول المجاهدين تم استقبالهم بحفاوة فتناولوا طعام العشاء وفي هذه الأثناء كان هناك من يسهر على حراسة المكان -وقليلة هي المرات التي كانوا يبيتون فيها عندنا ليواصلوا مسيرهم قبل طلوع الفجر حاملين معهم فطورهم وملابسهم النظيفة- وعلى اثر وشاية أحد الخونة علم الجنود الفرنسيون أن المجاهدين قد قضوا الليلة عندنا فما كان منهم إلا أن قصدوا المكان في صباح اليوم التالي وراحوا يفتشون المكان ويقولون لنا: أين الفلاقة ؟ تكلموا لقد كانوا هنا...ولكن لحسن الحظ ورحمة من العليم القدير كنا قد أخفينا كل أثر لذلك ... . ذكاء كبير وإتقان رائع فعلى الرغم من الجهل الذي كان سائدا في المجتمع الجزائري إلا أن عمل هؤلاء النساء امتاز بذكاء كبير وإتقان رائع حيث تجسد لنا السيدة محجوبة صورة عن ذلك فتقول: ... أما السلاح فقد كنا نخبئه في مكان تحت الأرض نطلق عليه اسم (كازمة) نضع فوقها حَجَرا مسطحا ونرمي فوقه التراب وإذا جاءت السلطات الفرنسية لتفتيش المنزل بحثا عن أثر الثوار تجدنا نحرك التراب الموجود في أرضية المنزل وهذا لإخفاء أثر نعال أبنائنا وإخواننا من المجاهدين أما عن الطعام إذا كان بكميات كبيرة فإننا نوزعه على الجيران ليبدو كل شيء طبيعيا... . وذكرت لنا السيدة محجوبة أنها قد سيقت مع زوجها إلى مركز التحقيق بتهمة مساعدة الثوار فقالت: ... مكثت في السجن بضع ليال كانت كلها خوف ورعب وعذبت في يوم من أيام الشتاء الباردة لقد كانوا دائما يحاولون استدراجي أثناء التحقيق فيقولون لي: إن زوجك قد اعترف بكل شيء وأنه قد مات ولكن لم أكن أصدق ما يقولون ولم أعترف بأي شيء وكنت إذا سألني الضابط أرد عليه:أنت تعرف كل شيء لماذا تسألني؟... . وحرصا من المجاهدين على سلامة السكان لم يكونوا يريدون إقحامهم في مشكلات مع جيش العدو الفرنسي وفيه تقول السيدة خضرة : ... في إحدى المرات مر المجاهدون بجانب منزلنا طلبنا منهم تشريفنا بالدخول إلينا للقيام بواجب الضيافة فردوا علينا قائلين: (... اللي ذيلوا حلفة والنارحذاه كيفاه يقدم للعرش يشعل فيه بارك الله فيكم) ... . أي أنهم لا يريدون أن يسببوا لهم المشكلات مع فرنسا وأنهم يقدرون وقوفهم إلى جانبهم ودعمهم فالشعب هنا لم يكن يساعد الثوار فحسب بل إنه تلاحم فيما بينه وعزم على العمل يدا واحدة. إيمان بالنصر ويبدو أن إيمان المرأة الراسخ بالنصر أكسبها قوة تحمل وصبر كبيرين فهي التي تودع زوجها أو ابنها الشهيد بزغاريد وأدعية كثيرة مؤمنة بقولالله جل وعلا: ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ...)). سورة آل عمران(الآية 169). وهنا تروي لنا السيدة خضرة قصة السيدة المازية وهي من المنطقة أيضا فتقول: ... هذه السيدة استشهد ابنها أثناء مطاردة الجنود الفرنسيين له والسبب هو أنه كان يحمل أوراقا مهمة ووثائق تخص المجاهدين وقد تمكن من إخفائها وطمرها في مكان تحت التراب وفي أثناء ذلك أصابه الجنود بالرصاص فقتل فأتوا بحمار لحمله والذهاب به إلى منزل أمه لتراه وحين وصلوا اليها سأل الضابط السيدة المازية قائلا:هل أنت بخير؟ فأجابت: أجل أنا بخير فرد عليها: لكنني لست بخير لأني كنت أريده حيا فما كان من السيدة المازية إلا أن تحيي ابنها الشهيد بزغرودة تطفئ بها النار التي تحرق صدرها... . ومما تجدر الإشارة إليه أن المرأة الريفية قد تعرضت لعذاب مرير من طرف العدو الغاشم الذي انتهك حرمتها وامتهن كرامتها وأحرق قراها ودمرها تدميرا شنيعا كلما يسجل جيش التحرير نصرا على الأعادي الطغاة تشن القوات الفرنسية على أهالي القرى العزل حملات إبادة من تعذيب وإهانة وسلب ونهب وإحراق الثياب وإتلاف الأرزاق وتحطيم الأواني وعبث بالأعراض وتقتيل البشر والحيوانات حيث تقول السيدة خضرة : ... كانت فرنسا إذا نزلت بمنزل تخرب فيه كل شيء وكثيرا ما كانوا يأخذون نساء المجاهدين ويضعونهن في السجن بل وأحيانا يقتلونهن ... . بشاعة الانتقام الفرنسي وبعد اشتداد لهيب الثورة وتفوق الثوار في عدة عمليات ضد العدو الفرنسي كان على السلطة الاستدمارية استدراك ذلك بمحاولة خنق الثورة للقضاء عليها وقد سخرت لكل ذلك إمكانات مادية وبشرية هائلة لإحباط عملياتهم وفصل الثوار عن الشعب ومنعهم من مساعدتهم وبدأت عمليات الملاحقة والاعتقال في حق كل من يشك في أمره وعن بشاعة الانتقام الفرنسي من الشعب تحدثنا السيدة محجوبة فتقول: ... ولأن المنطقة التي كنا نقيم فيها حصينة فهي شبه جبلية كثيفة بالأشجار والنخيل فقد كانت معبرا للمجاهدين في طريقهم إلى بني فرح يطلق عليها اسم بنارية وبفضل هذا الموقع الممتاز كان يمكننا رؤية الجنود الفرنسيين حين قدومهم إلينا فنقوم بأخذ احتياطاتنا بسرعة فقامت القوات الفرنسية بترحيلنا من هذه المنطقة نحن وكل أهالي القرية إلى مكان آخر يعرف باسم الشرف وقد أمرونا أن نهدم منازلنا بأيدينا في اليوم نفسه وهو انتقام منا لأننا كنا نساعد المجاهدين وقد أقمنا مع سكان الشرف في منزل واحد وأُسرة واحدة نحتمي بهم ويحتمون بنا وتقاسمنا أيام الشقاء معا... . ولعل أخطر ما عانت منه الثورة التحريرية في كامل التراب الوطني هو ذلك العنصر الذي آثر مساعدة العدو الغاشم على العمل من أجل تحرير الوطن وهم الخونة أو كما يعرفون ب القومية وهُم خونة لأنهم خانوا الوطن وقبله أنفسهم هم الذين نحملهم مسؤولية تأخر استقلال الجزائر بسبب تلك المساعدات الكثيرة التي كانوا يقدمونها للمحتل لمحاربة إخوانهم وهذه النقطة تحديدا فيها كلام كبير جدا. طامعين تديو الاستقلال؟ إذ تقول السيدة محجوبة : ... لقد كان هؤلاء (القومية) دائما يرددون علينا: (طامعين تديو الاستقلال؟ أحنا الأرض لينا والسماء لينا)... وهي كناية عن سيطرة فرنسا البرية وكذا الجوية.أما السيدة خضرة فتقول: ... كنا نخاف (القومية) كثيرا لأنهم كانوا يتطاولون علينا دائما وكأننا لسنا من بني جلدتهم وأذكر أنه في مرة من المرات وبعد خيانة ثلاثة أفراد من أهل المنطقة تم جمعنا في مكان فسيح وبأعداد كبيرة ليلقوا علينا خطابا فكان الضابط الفرنسي يتكلم بالفرنسية و(القومي) يترجم لنا كلام الضابط بالعربية فكان يقول: ... إن هؤلاء قد عرفوا أن فرنسا هي أُمهم ولهذا جاؤوا إلينا ولو أنهم وجدوا أن ل(الفلاقة) فائدة لبقوا معهم ففرنسا هي أُمكم وهي من كَبَّركم ففرنسا قوية وتستطيع حمايتكم فرنسا بقرة حلوب أما (الفلاقة) فهُم ذئاب لصوص جاؤوا لنهبكم فلا تستمعوا إليهم... . ولأن فرنسا تثق في قدراتها كثيرا وتحاول إقناع نفسها أنها الطرف المنتصر في هذه الأرض وأنها ستأخذها عاجلا أم أجلا كانت السلطات الفرنسية من فترة لأخرى تقوم بحركات تحاول من خلالها إشعار الشعب أنها باقية وأن الجزائر هي قطعة فرنسية وحسب السيدة خضرة فإن فرنسا: ... قامت مرة بجمع كل الرجال في مكان واسع و تركت النساء في المنازل وطرح الجميع أرضا وعلى بطونهم- ظننت أنهم سيقتلونهم حينذاك- وكان كل من يرفع رأسه يتم ضربه بالسلاح ضربة قوية على رأسه ليسقط وبقوا هكذا لساعات طويلة ثم تركوا وأمروا أن يرددوا عبارة L Algériefrançaise . حرائر الجزائر وختاما يمكن القول: إن مجتمع جمورة هو كغيره من المجتمعات أحاطت به عادات وتقاليد هي عموما عادات الريف الجزائري في حقبة ما وفي الواقع لا يمكن اعتبارها شيئا سيئا ولا وصفها بالبالية ويجب ألا نحكم عليها لقد انعكست سلبا على المرأة فجداتنا صحيح كن غير متعلمات ولا مثقفات لكنِ الإسلام هو دِينهن وهذا كاف لكي يفهمن الحياة جيدا ويسرن في دروبها بشكل صحيح وما يظهر وبجلاء وعيهن بالقضية الوطنية هو ذاك الدور المميز الذي قمن به فداء لهذا الوطن ومعاناة المرأة من الحرمان والكبت إضافة لحبها الكبير للحرية ولد لديها الانفجار خلال ثورة نوفمبر 1954 م حيث خرجت من ذاك الإطار الضيق الذيرسم لها لتشارك أخاها الرجل في مختلف أعماله وتكون سنده الذي يتكئ عليه وحاميه في أحيان كثيرة. صحيح أن النساء في جمورة لم يكن يتوجهن إلى الجبال وإنما كان عملهن دائما خلف أب أو أخ أو زوج وقد ينظر إلى هذه الأدوار على أنها قليلة وغير كافية لكن الحقيقة هي أن الرجل بدونها لم يكن ليفعل شيئا حينذاك والشهادات كثيرة موثقة يرويها التاريخ المجيد لحرائر الجزائر.