على خطى الحبيب وصحبه مواقف للصديق في حب الرسول صلى الله عليه وسلم الصديق أبو بكر رضي الله عنه هو أكمل الناس إيمانًا وأحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان يتبادر إلى الذهن مدى محبته له في حادث الهجرة فإن هناك مواقف أخرى تكشف كيف كان يبادر إلي إدخال السرور على النبي الكريم ومن ذلك ما فعله حينما رأى وفد ثقيف قادمين إليه ليعلنوا إسلامهم وكانوا قد تأخروا وكان النبي يحب إسلامهم. *قدوم وفد ثقيف: بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك في رمضان قدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وكان من حديثهم أن الرسول لما انصرف عنهم اتبع أثره عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له كما يتحدث قومك أنهم قاتلوك وعرف رسول الله أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم فقال عروة: يا رسول الله؟ أنا أحب إليهم من أعز أموالهم وكان فيهم كذلك محببًا مطاعًا فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم فلما جاءهم وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله. فقيل لعروة: ما ترى في دمك؟ قال: كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إليّ فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه: إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه . ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهرًا وائتمروا بينهم ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب وقد بايعوا وأسلموا فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفدًا ليعرضوا إسلامهم. *محبة الصديق للرسول: فلما دنوا من المدينة لقوا بها المغيرة بن شعبة فاشتد ليبشر رسول الله بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر فقال: أقسمت عليك بالله لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل أبو بكر على الرسول فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة إلى أصحابه وأعلمهم كيف يحيون الرسول فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية فلما قدموا عليه ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده كما يزعمون. وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم وكان خالد هو الذي كتبه وكانوا لا يأكلون طعامًا يأتيهم من عند رسول الله حتى يأكل منه حتى أسلموا. ويظهر كمال محبة الصديق للنبي صلي الله عليه وسلم في هذه الواقعة أنه قصد التقرب إليه والتحبب بكل ما يمكنه ولهذا ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي بشره وفرحه بذلك وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة من القرب وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه وقول من قال من الفقهاء: لا يجوز الإيثار بالقرب لا يصح. يقول ابن القيم في زاد المعاد: وقد آثرت عائشة عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي صلى الله عليه وسلم وسألها عمر ذلك فلم تكره له السؤال ولا لها البذل وعلى هذا فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال ولا لذلك البذل ونظائره. ومن تأمل سيرة الصحابة وجدهم غير كارهين لذلك ولا ممتنعين منه وهل هذا إلا كرم وسخاء وإيثار على النفس بما هو أعظم محبوباتها تفريحا لأخيه المسلم وتعظيما لقدره وإجابة له إلى ما سأله وترغيبا له في الخير وقد يكون ثواب كل واحد من هذه الخصال راجحا على ثواب تلك القربة فيكون المؤثر بها ممن تاجر فبذل قربة وأخذ أضعافها وعلى هذا فلا يمتنع أن يؤثر صاحب الماء بمائه أن يتوضأ به ويتيمم هو إذا كان لا بد من تيمم أحدهما فآثر أخاه وحاز فضيلة الإيثار وفضيلة الطهر بالتراب ولا يمنع هذا كتاب ولا سنة ولا مكارم أخلاق.. وعلى هذا فإذا اشتد العطش بجماعة وعاينوا التلف ومع بعضهم ماء فآثر على نفسه واستسلم للموت كان ذلك جائزا ولم يقل إنه قاتل لنفسه ولا أنه فعل محرما بل هذا غاية الجود والسخاء كما قال تعالى: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وقد جرى هذا بعينه لجماعة من الصحابة في فتوح الشام.