إذا كنت من بين المئات، وربما الآلاف الذين قدّر اللّه لهم حضور مشهد إلقاء النّظرة الأخيرة على جثمان شيخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بمقرّها فلا شكّ أنك قد وجدت نفسك في حيرة من أمرك، وربما تبادر إلى ذهنك ذلك السؤال الرّهيب: (مَن يعزّي مَن؟) فرحيل شيبان لم يكن خسارة لعائلته فقط، وجيزة بعد رحيله عن الدنيا، ولم يكن خسارة للجزائر وحدها، بل كان خسارة جسيمة لأمة الإسلام كلّها· وإذا كان كثيرون ممّن تردّدوا على مقرّ الجمعية صبيحة تلك الجمعة الرّمضانية المباركة، 12 رمضان، قد فضّلوا تعزية بعضهم وشعروا بأنهم جميعا أفراد من عائلة الشيخ الجليل الرّاحل، فإن الوحيد الذي كان يستحقّ التهنئة ضمن ذلك المشهد المؤثّر هو الشيخ الرّاحل العالم العامل عبد الرحمن شيبان نفسه، ليس لأنه فقط سلّم روحه للرّفيق الأعلى في يوم جمعة وليست أيّ جمعة، بل هي جمعة رمضانية، وذلك من علامات حسن الختام، وليس فقط لأن الذين توافدوا لرؤيته لآخر مرّة وتعزية بعضهم هم من كبار القوم،وصغارهم، قد دعوا له جميعا بالرحّمة والمغفرة وحسن المآب، وإنما كذلك لأن المسلمين العارفين به يشهدون أن الشيخ الجليل الرّاحل كان في خدمة الإسلام والمسلمين· فالرجل الذي فقدته الجزائر إلى الأبد قد سخّر الجزء الأكبر من حياته للمنافحة عن الإسلام ومحاربة أعدائه، ومن أجل ذلك نحسب أن اللّه قد رفعه عنده مقاما عليّا واجتباه مع الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين (وحسن أولئك رفيقا)· لقد كانت جمعة رمضانية حزينة لنا يا شيخنا الرّاحل، وقد تركتنا بعدك أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام من بعد أن تكالب على أمّة الإسلام الغريب عنها والقريب، وأنت الذي كنت إلى آخر رمق من حياتك تقف لهم بالمرصاد وقد شنّوا عليك الحروب وألبسوا لك التّهم فكنت في كلّ مرّة تخرج من بين مخالبهم أقوى وأطهر· نسأل اللّه أن لا يحرمنا أجرك وألا يفتّنا بعدك، وأن يجعلنا ممّن يقتفون خطاك ويسيرون على أثرك، ونشهد أنك كنت تتّخذ القرآن دستورا وتعضّ على سنّة الرسول الكريم والخلفاء الرّاشدين بالنّواجذ· رحمك اللّه وطيّب ثراك، وهنيئا لك مقامك الرّفيع في الدنيا، وإن شاء اللّه في الآخرة يا شيخنا الجليل العالم العامل الرّاحل·