عن عمر يناهز ال 72 سنة وبعد جلطة دماغية ألزمته الفراش مدّة شهر، رحل عنّا الفقيد المجاهد الرّائد ساعد بن لحرش، رئيس لجنة الثورة الزراعية بولاية الجلفة ومدير مطبعة الفنون البيانية بالجلفة تاركا وراءه إرثا كبيرا على المؤرّخين أن يعتنوا به ويقوموا بتدوينه للأجيال القادمة· حاسي بحبح، عين معبد، الجلفة، شارع الأمير عبد القادر، مدرسة الإخلاص (مديرية التربية، مصلحة الأجور حاليا) إكمالية الأمير عبد القادر، الولاية ومطبعة الفنون البيانية، هذه الأسماء ارتبطت كلّها باسم أحد صانعي ثورة التحرير المباركة وأحد خرّيجي مدرسة الإخلاص بجمعية العلماء المسلمين الجزائريينبالجلفة، منذ نعومة أظافره وهو فيه شيء غير عادي يوحي بالوطنية وهذا أنه عندما يخرج رفقة أصدقائه وهم طلبة في مدرسة الإخلاص إلى الشارع وعندما يلتقون بجنود المستعمر الغاشم أيّام الاحتلال يصرخون في وجوههم (شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب)·· إنه المجاهد ساعد بن لحرش الذي توفّاه اللّه وودّعته الجلفة بعد يومين فقط من رحيل رفيقه الشيخ عبد الرحمن شيبان، شيخ علماء الجزائر ورئيس جمعيتهم الرّاحل· لقد ولّدت مدرسة الإخلاص في هذا البرعم الذي أصبح له شأن كبير فيما بعد، روح المسؤولية والإحساس بالوطنية ليبعث وبعد أن حقّق نتائج رائعة ويحتلّ المراتب الأولى ليبعث إلى معهد بن باديس بقسنطينة·، وبعد أن قام اتحاد الطلبة الجزائريين بإعلان نداء للالتحاق بالثورة لبّى النّداء وعمل في صفوف الثورة بمنطقتي بشّار وتلمسان، ثمّ أرسل في بعثة إلى المغرب للتكوين في المتفجّرات من 1960 إلى 1962، ثمّ عاد إلى الجزائر برتبة رائد في الجيش الشعبي الوطني، وبعدها بعام قدّم استقالته وانضمّ إلى حزب جبهة التحرير الوطني كرئيس مجلس التأديب في ولاية الجلفة. في سنة 1969 اِلتحق المرحوم بسلك التعليم كمدرّس لجميع المواد باللّغة الفرنسية وهذا ب (C. E G) أو كما تعرف الآن مديرية التربية مصلحة الأجور حاليا ولقّب أثناء عمله في التدريس من طرف طلبته ب (الكرافس) لأنه عندما لا يقوم أحد تلاميذه بواجبه يصرخ في وجهه ويقول له بالعامّية (نجي نكرفسك) بمعنى أضربك إلى درجة أن أدخلك بعضك في بعض، ليرقّى بعدها كمراقب عام في إكمالية الأمير عبد القادر وسط المدينة من سنة 1969 إلى غاية 1978 ليلتحق بعد ذلك، أي من سنة 1978 إلى 1988 كرئيس لجنة الثورة الزّراعية بالولاية. وبعدها وفي سنة 1988 عيّن الفقيد مديرا لمشروع مطبعة الفنون البيانية بالجلفة، وهي المؤسسة الوحيدة بالولاية التي لم يتمّ حلّها وبقيت محافظة على مناصب الشغل بها وهذا راجع إلى نزاهة وإخلاص هذا الثوري الذي تربّى في أحضان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومن عائلة شريفة ومرموقة ويعرفها الخاص والعام ويكفي فقط ما صنعه (عمّي ساعد) من أجل الوطن· وعندما كان الشيخ في المغرب للتكوين التقى بمجموعة كبيرة من الثوّار وخاصّة عائلة المجاهد محمد بن شونان التي كانت متواجدة بالمنفى آنذاك والدكتور سي سالم العلوي وعمران عبد الحميد والدكتور جربيعي وهذا سنة 1960، حيث كانوا يتكلّمون مع المجاهد محمد بن شونان مؤسّس جمعية الإخلاص بالجلفة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، حيث كان يمدّهم بالنّصائح عن كيفية تمرير السلاح إلى الثورة الجزائرية وجمع الأموال وشراء المؤونة إلى غاية استقلال الجزائر ودخولهم والعودة إلى أرض الوطن· وقد وري الفقيد الثرى بمقبرة بلدية عين معبد التي تبعد عن عاصمة الولاية ب 18 كلم بجوار والده يوم الأحد الموافق ل 14 أوت 2011 الموافق ل 14 رمضان 1432ه. ومن غريب الصدف أنه وما إن توفّي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الحالي الشيخ عبد الرحمن شيبان يوم 12 أوت 2011 الموافق ل 12 رمضان 1432ه حتى تبعه الفقيد مباشرة بعد يومين من ذلك يوم 14 أوت 2011 الموافق ل 14 رمضان 1432ه، فقد كانا على اتّصال يبعضهما البعض وليكون شهر رمضان المبارك 2011 نهاية ورحيل للتلميذ والمعلّم، ودون أن ننسى في الأخير أن كتاب العقيد أحمد بن الشريف (parole de baroudeur)، أي (كلمة مقاتل) وفي صفحته 123 وضع صورة نادرة له وهو جالس وبيده السلاح رفقة أحدالمجاهدين· رحم اللّه الفقيد وأسكنه فسيح جنّاته وألهم ذويه الصبر والسلوان.