أكّدت الأستاذة ناير بن رقية فتيحة أستاذة مساعدة بقسم العلوم السياسية للنّظام الجديد بكلّية الحقوق والعلوم التجارية بجامعة عبد الحمبد بن باديس بمستغانم أنه رغم الأهمّية التي توليها الدولة لإدارة الجماعات المحلّية من خلال تطوير طرقها وتزويدها بأحدث الوسائل التكنولوجية والرّقمية في ظلّ ما يطلق عليها بالحكومة الإلكترونية، إلاّ أنها مازالت تعاني من أزمات عديدة كانتشار البيروقراطية وتفشّي ظاهرة الفساد السياسي والإداري وضعف عملية التأطير الوظيفي والتكويني وارتفاع معدّل التهرّب الضريبي وإغراق ميزانية الجماعات المحلّية بالديون وغيرها. حيث أصبحت هذه المشاكل تشكّل تحدّيات حقيقية أمام الإدارة الجزائرية تسعى إلى تجاوزها في ظلّ الإمكانيات المتاحة ومتطلّبات العولمة والاعتماد المتبادل واقتصاد السوق الحرّة، لتجد الجماعات المحلّية في الجزائر نفسها بين حتمية التطوّر وواقع التسيير. واعتبرت الأستاذة بن رقية في دراسة شاملة لواقع تسيير الجماعات المحلّية، أن تزايد الاهتمام بالجماعات المحلّية ناتج عن تزايد مهام الدولة ووظائفها في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والثقافية والخدماتية، ممّا جعل نظام المركزية تختلّ أطره ويسعى إلى إيجاد البديل وتحقّق من خلال اعتماد نظام اللاّ مركزية الذي تطوّر بتطوّر عدد البلديات وتزايد المشاريع التنموية والمنشآت القاعدية في ظلّ ارتفاع معدّل النمو السكّاني وتزايد اهتماماتهم ومتطلّباتهم اليومية والحياتية. وأصبحت الجزائر بذلك تعاني أزمة تسيير مادي وعقلاني واستراتيجي في ظلّ جملة من المشاكل والظروف تولّد عنها هيمنة التسيير البيروقراطي المركزي وأصبح الحكم المحلّي يتّصف بالبيروقراطية، في إشارة إلى سوء التسيير الإداري وسلب الجماعات المحلّية استقلالها في ظلّ الشخصية المعنوية التي تتمتّع بها، ممّا أدّى إلى تراجع التفاعل بينها وبين البيئة المجتمعية المحيطة بها التي تعبّر عن مصالح المواطنين، وأصبحت تشكّل أداة تنفيذية للتوجيهات والتعليمات الفوقية، ما زاد من الحدّ من المبادرة والإبداع. واعتبرت الأستاذة أن أهمّ ما يعيق تسيير الجماعات المحلّية في الجزائر هو ضعف التأطير الوظيفي والتكويني، حيث تواجه الإدارة المحلّية اختلالات كثيرة في مجال التأطير الوظيفي والتكويني لمواردها البشرية، وتتّسم العمالة في الإدارة المحلّية على مستوى الوطن بمستوى تعليمي متدنّي يفتقر إلى الارتقاء إلى مستويات أكاديمية عليا.. فغالبية الموظّفين لا يتعدّى مستواهم التعليمي الثالثة ثانوي أو أقلّ من ذلك، كما تتمثّل الأسباب الأخرى في ضعف العمالة الموظّفة في غياب روح الإبداع والمبادرة الخلاّقة في مقابل انتشار ظاهرة اللاّ مسؤولية وغياب الضمير المهني وتفشّي ظاهرة التسيّب في العمل. كما تعاني العمالة الجزائرية من تأخّر مواكبتها للتطوّر التكنولوجي والمعلوماتي ويظهر ذلك من خلال ضعف استخدامات الحواسيب على مستوى كلّ مصالح البلديات ولم يصل إلى مستوى الاكتفاء المحلّي، بل بقيت الصفة الغالبة هي الطريقة التقليدية، والتي تكلّف وقتا وجهدا وأخطاء كثيرة أدّت في الغالب إلى تذمّر المواطنين من الخدمات المقّدمة لهم ونتج عنها الفوضى وسوء التسيير الإداري. ومن جهة أخرى، تعتبر الدولة مسؤولة عن جزء كبير من ضعف التأطير نظرا لسوء التخطيط في القوى العاملة، وضعف التحفيز المالي والمعنوي وعدم التأهيل والتدريب في المدارس الخاصّة وعدم مراعاة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الموظّف مثل أزمة السكن والمواصلات والعلاوات والتكوين والحرّيات الأساسية والمبادرة. ورأت الأستاذة بن رقية فتيحة أن الحلّ الأنسب والملائم لعلاج المشاكل المتعلّقة بالتسيير المحلّي يكمن في رؤية استراتيجية جديدة معمّقة تهدف إلى إعادة تقويم العلاقة بين المواطن والإدارة المحلّية واسترجاع الثقة التي تلاشت في ظلّ مجموعة من المشاكل والمعضلات، ولن يتحقّق ذلك إلاّ من خلال تبنّي جملة من الاستراتيجيات البديلة التي تحمل حلولا ممكنة لتطوير تسيير الجماعات المحلّية، على غرار استراتيجية الإصلاح الإداري والسياسي التي تهدف إلى الارتقاء بمستوى الجماعات المحلّية إلى مؤسسة عصرية قادرة على تقديم الخدمات الضرورية.