يُعتبر الملف النّووي الإيراني أحد المعضلات الاستراتيجية الكبرى التي تُواجه إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. فبعد ما يقرب من عام ونصف على تولّيه الرئاسة لم يتوصّل أوباما إلى صياغة استراتيجية ملائمة ومحلّ توافق بين أقطاب الإدارة حول التعامل مع طهران، خاصّة بعد اندلاع الأزمة الداخلية في إيران عقب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 12 من جوان 2009. فهناك تيّار داخل الإدارة الأمريكية يدعو إلى الاستمرار في نهج الحوار الذي أعلن أوباما تبنّيه منذ تولّيه السلطة في بداية عام 2009، وفي المقابل هناك تيّار يدعو إلى ضرورة تضييق الخناق على طهران عبر العقوبات الاقتصادية، بل والقوّة العسكرية إن أمكن، لدفعها إلى التخلّي عن برنامجها النّووي. وما بين هذين التيّارين، هناك بعض الأصوات التي بدأت تتعالى في واشنطن مطالبة إيّاها بضرورة الإقرار بالأمر الواقع وبفشل كلّ الخيارات المتاحة للتعامل مع إيران، سواء أكان الحوار أم العقوبات أم الحلّ العسكري، ومن ثمّ وضع استراتيجية للتعامل مع طهران في حالة امتلاكها سلاحا نوويا. وقد انضمّ إلى هذه الأصوات كلّ من جيمس ليندساي نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وراي تقية الباحث المرموق بمجلس العلاقات الخارجية والخبير في الشؤون الإيرانية، وذلك من خلال دراسة لهما تحت عنوان »بعد امتلاك إيران لقنبلة نووية نشرت بدورية شؤون خارجية«، عدد مارس أفريل 2010. *** إيران عازمة على أن تصبح قوّة نووية ينطلق الكاتبان في بداية الدراسة من مقولة أساسية تتمثّل في أن جمهورية إيران الإسلامية عازمة على أن تصبح القوّة النّووية العاشرة في العالم، »فهي تتحدّى التزاماتها الدولية، وتقاوم الضغوط الدبلوماسية لمنعها من تخصيب اليورانيوم، وترفض تقديم تفسير شامل لأنشطتها النّووية للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، بجانب انتهاكها لعدد من قرارات مجلس الأمن التي تطالبها بتعليق تخصيب اليورانيوم«. ووفقًا للكاتبين، فإن ضربة عسكرية ناجحة ضد المنشآت النّووية الإيرانية لن تؤدّي إلى إثناء طهران عن طموحاتها النّووية، بل ستؤدّي فقط إلى تأخير برنامج إيران النّووي لسنوات قليلة فقط، ومن المؤكّد أنها ستزيد من إصرار طهران على امتلاك الأسلحة النّووية. ورغم أن الاضطرابات السياسية الجارية في إيران قد تؤدّي إلى إسقاط النّظام السياسي، ممّا يؤدّي إلى إحداث تغييرات أساسية في السياسة الخارجية لطهران والتخلّي عن سعيها للحصول على أسلحة نووية، حسب ما يرى الكاتبان، فإن هذا الافتراض أمر بعيد المنال. ومن ثمّ »إذا استمرّ البرنامج النّووي الإيراني في التقدّم بالمعدّل الحالي، فإن طهران سيكون لديها المواد النّووية اللاّزمة لصنع قنبلة نووية قبل نهاية الولاية الحالية للرئيس الأمريكي باراك أوباما«. *** مخاطر دخول إيران النّادي النّووي ويعدّد الكاتبان مجموعة من المخاطر النّاجمة عن دخول إيران إلى النّادي النّووي، من أهمّها تزايد جرأة طهران في القيام بمحاولات لتقويض جيرانها وتشجيع الإرهاب ضد الولايات المتّحدة وإسرائيل، تصاعد احتمالية إندلاع حرب تقليدية أو نووية في الشرق الأوسط، تطلّع عدد من الدول في المنطقة إلى أن تصبح قوى نووية، إعادة ترتيب التوازن الديموغرافي في الشرق الأوسط وتقويض الجهود المبذولة لوقف انتشار الأسلحة النووية. وإضافة إلى ما سبق، فإن ظهور »إيران نووية« قد ينظر إليه باعتباره هزيمة دبلوماسية كبرى بالنّسبة للولايات المتّحدة، ما قد يؤدّي إلى التشكيك في قدرة واشنطن على صياغة الأحداث في الشرق الأوسط. مثل هذا السيناريو الخاصّ بدخول إيران إلى النّادي النّووي، يمكن تجنّبه عن طريق منع إيران من امتلاك السلاح النّووي، ومع ذلك يشير الكاتبان إلى أنه إذا فشلت واشنطن في منع إيران من التحوّل إلى قوّة نووية فسيظلّ بإمكانها احتواء إيران والتخفيف من جموحها النّووي. في هذا الإطار، ينبغي على واشنطن أن توضّح لطهران أن الحصول على قنبلة نووية لن يؤدّي إلى تحقيق المزايا التي تتوقّع، بل على العكس سيؤدّي إلى عزلتها وإضعاف مكانتها. كما تظلّ الولايات المتّحدة - حسب الكاتبين- بحاجة إلى تحديد واضح ل »الخطوط الحمراء« التي تحدّد ما تعتبره واشنطن سلوكًا غير مقبول من قبل طهران، ومن ثمّ تكون على استعداد لاستخدام القوّة العسكرية إذا تجاوزت طهران هذه الخطوط. وتحتاج واشنطن أيضًا إلى طمأنة أصدقائها وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط التي لاتزال ملتزمة التزامًا راسخًا بالحفاظ على توازن القوى في المنطقة. لكن احتواء »إيران النّووية« لن يكون بالأمر السّهل، وسوف يتطلّب »مهارة دبلوماسية كبيرة« و»إرادة سياسية« من جانب الولايات المتّحدة، حسب ما تؤكّد الدراسة. ومع ذلك، قد يكون مصير سياسة الاحتواء الفشل، وفي أفضل الأحوال يمكن أن تؤدّي الطبيعة المبهمة لعملية صنع القرار في طهران إلى تعقيد جهود واشنطن لردعها. ونتيجة للصعوبات التي قد تعترض سياسة الاحتواء، تشير الدراسة إلى أنه سيكون من الأفضل منع إيران من التحوّل إلى قوّة نووية ومتابعة الجهود المبذولة حاليًا للحدّ من برنامج إيران النّووي بقوّة، كما يجب المحافظة على الضغوط الاقتصادية على طهران وعدم استبعاد الخيارات العسكرية من على الطاولة. واعتمادًا على إقرارهم بعدم كفاية الخطوات السابقة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ومن ثمّ احتمالية دخول طهران إلى النّادي النّووي، يشدّد الكاتبان على أن التحدّي الرئيس الذي سيقع على عاتق واشنطن يتمثّل في التأكّد من أن هذه »النتيجة البغيضة« - امتلاك إيران قنبلة نووية - لا يكون لها تداعيات كارثية، وهذا يتطلّب فهم كيف يمكن لإيران النّووية أن تتصرّف إذا امتلكت قنبلة نووية؟، وما هي الاستجابات المرجّحة من قِبل دول الجوار ومنافسي طهران الإقليميين؟ وأخيرًا ما الذي يمكن أن تفعله واشنطن لتشكيل إدراكات وأفعال كلّ هؤلاء اللاّعبين؟ *** "إيران النّووية".. إيديولوجية أم براغماتية؟ تتمتّع إيران بخصوصية شديدة، حسب الدراسة، فهي دولة »ثيوقراطية حديثة تتبنّى المثل الثورية مع الحفاظ في الوقت ذاته على مصالحها البراغماتية«. ورغم أن طهران لم تتنكّر لجذورها الإيديولوجية بعد مرور ثلاثة عقود على ثورتها - حيث ورث آية اللّه الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية اللّه الخميني لخلفائه عقيدة دينية تقوم على تقسيم العالم إلى »مستكبرين« و»مستضعفين«-، فإن الحتمية السياسية للبقاء في السلطة قد دفعت زعماء إيران في اتجاه مختلف. قد كان على القادة الإيرانيين أن يديروا الاقتصاد الإيراني ويلبّوا مطالب السكان المتزايدة في البلاد ويعزّزوا مصالح بلادهم في منطقة مضطربة، ومن ثمّ اضطرّ رجال الدين إلى توقيع اتّفاقات مع خصومهم وأعدائهم، والتخفيف من حدّة خطابهم الإيديولوجي في أحيان كثيرة. بعبارة أخرى، تطلّب الاستمرار في الحكم من رجال الدين تقديم تنازلات غير مستساغة في كثير من الأحيان. وقد ظهر برنامج إيران النّووي، طبقًا للدراسة، ليس فقط باعتباره جانبًا مُهمًّا في علاقات البلاد الخارجية ولكن أيضًا كأحد العناصر المحدّدة لهوية إيران الوطنية، ومع ذلك فقد تغيّرت الأسباب التي دعت طهران إلى امتلاك سلاح نووي وأصبحت أكثر نضوجًا. فخلال رئاستي هاشمي رافسنجاني (1989- 1997) ومحمد خاتمي (1997-2005)، كان ينظر إلى الأسلحة النّووية على أنها أدوات للرّدع ضد الولايات المتّحدة ونظام صدام حسين. أمّا النّخبة المحافظة الحالية، بمن فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد والحرس الثوري، فترى الأسلحة النّووية وسيلة حاسمة لضمان التفوّق الإيراني في المنطقة. بعبارة أخرى، فإن وجود إيران قوية يتطلّب وجود بنية تحتية نووية قوية وواسعة النّطاق. *** مخاطر امتلاك إيران للسلاح النّووي ورغم أن امتلاك إيران للسلاح النّووي قد يؤدّي إلى تقويتها، إلاّ أن ذلك سيكون أقلّ بكثير ممّا تتصوّر طهران حسب الكاتبين. ومن شأن دخول إيران إلى النّادي النّووي أن يشجّع الأخيرة على أن تصبح أكثر عدوانية، حيث سيشعر الملايين بأن بحيازتهم سلاحًا استراتيجيا من شأنه أن يعزّز نفوذ بلادهم في المنطقة، وربما سيكونون أقلّ تحفّظًا في التحريض على انتفاضات شيعية ضد المشيخات العربية في الخليج العربي. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أن أيّ جهد إيراني لزعزعة استقرار جيرانها من السنّة سوف يلقى المصير ذاته الذي لاقته الحملات المماثلة في الماضي، فقليل من شيعة الخليج يعتنقون »الرسالة الثورية« لإيران، علاوة على أن التظاهرات المتفرّقة التي قام بها الشيعة في كلّ من البحرين والمملكة العربية السعودية لم تكن محاكاة للثورة الإيرانية، بل كانت متنفّسًا للتعبير عن حرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والسياسية. ومن المفارقات- حسب ما ترى الدراسة، أن السلاح النّووي الذي كان الهدف من تطويره هو ضمان تفوّق إيران الإقليمية، يمكن أن يفاقم عزلة إيران بين جيرانها، وأن يطيل أمد وجود القوّات الأمريكية في المنطقة المحيطة بها. بعبارة أخرى، من الممكن أن يؤدّي حصول إيران على قنبلة نووية إلى إحباط طموحاتها النّووية. وقد يجد »حرّاس الثيوقراطية« أن القنابل النّووية هي ببساطة ليست وسيلة جيّدة للضغط الدبلوماسي أو تعظيم المكاسب الاستراتيجية. وبالمثل، وعلى الرغم من أن امتلاك إيران للأسلحة النّووية قد يسمح لحماس وحزب اللّه والجماعات المسلّحة الأخرى في الشرق الأوسط بأن تصبح أكثر إصرارًا على مطالبها وأكثر جرأة في أعمالها، فإن ترسانة إسرائيل النّووية وقوّتها العسكرية التقليدية، فضلاً عن الدّعم الذي ستتلقّاه من الولايات المتّحدة، سيبقى على هؤلاء الفاعلين قيد السّيطرة. ومن المؤكّد أن طهران ستعزّز من تضامنها مع كلّ من حماس وحزب اللّه، لكنها لن تخاطر بالدخول في مواجهة نووية مع إسرائيل دفاعًا عن تلك الجماعات. وعلى الجانب الآخر، فإن تبنّي طهران خطابًا حادًَّا اتجاه الغرب في الوقت الذي تقدّم فيه دعمًا محدودًا من النّاحية العملية قد مكّن المؤسسة الدينية من كسب الإشادة الشعبية بتحدّي الغرب ومعارضة الولايات المتّحدة وإسرائيل دون تعريض نفسها لعقاب شديد. لذا، يرجّح الكاتبان أن تتّبع »إيران النّووية« النّهج ذاته على الأقلّ نظرًا لاحتمالات انتقام قوية من قِبل الولايات المتّحدة. وبالإضافة إلى ما سبق، ليس من المرجّح أن تتحوّل إيران إلى »باكستان جديدة«، وأن تبيع الوقود والمواد النّووية لدول أخرى.