إن المولد النبوي الشريف من المناسبات الدينية المقدسة من قبل المجتمعات المسلمة، فهي تبعث فينا كمؤمنين بهجة كبيرة بمولد أشرف الخلق محمد الأمين، هي مناسبة لا يفصلنا عنها إلاّ أيّام قليلة، والتحضير لها انطلق في مختلف الأسر الجزائرية المسلمة على كل الأصعدة، فلا يمكن لأيّ أسرة أن تفوّت هذه المناسبة دون القيام بتنظيف المنزل وتزيينه ودون تحضير أشهى الأطباق وإشعال الشموع والأجسام المضيئة واستعمال البخور ووضع الحنّة، هي إذا عادات طيّبة تضفي على هذه المناسبة ذوقًا خاصا، يجعلنا نسر لقدومه، أمّا عن الأطباق التي تحضّرها ربات البيوت عشية ليلة المولد النبوي، فهي كثيرة ومتنوعة بتنوّع تقاليد وطباع كل منطقة في جزائرنا الحبيبة، حتى داخل المنطقة الواحدة نجد تنوعا في هذه الأكلات من (شخشوخة بسكرة، والرشتة، الكسكس، والبربوشة وهي الكسكس المطهو بالحوت والسمك وهو منتشر في شرقنا الكبير، وغيرها من الأطباق ). قمنا بجولة في سوق (ميسوني) بالعاصمة لنستطلع أجواء التحضير لهذه المناسبة، ونقف على أهم المقتنيات من قبل ربات البيوت، فوجدنا إقبالاً كبيرا من قبل سيّدات الجزائر على مختلف اللوازم من لحوم ودجاج، بالرغم من الارتفاع المذهل لأسعارها، واقتناء أكياس (الرشتة والتريدة) غير أن هناك من تصنعها يديها في المنزل، لما فيها من ذوق خاص في نظر الكثيرات من النساء الجزائريات، كما أنّ اقتناء الحلويات المختلطة (تراس) ولوازم (الطمينة) التي لا تستغني عنها أية أسرة بما أنّ المناسبة هي مناسبة (مولد)، أخذت حصة من ضروريات الاحتفال بالمناسبة، السيدة (الزهرة) من اللواتي التقيناهنّ في هذا السوق، قالت بأنها تقوم باقتناء كل ما يلزمها لتحضير أكلة (الشخشوخة) التي تحبّها هي وأفراد عائلتها، كما أنها على حدّ قولها قد ألفت أن تقوم بطهيّها في هذه المناسبة. أمّا إذا تحدّثنا عن الشموع التي بقيّت لها أهمية كبيرة في هذه المناسبة بالرغم من الابتكارات الصينية المذهلة في عالم المفرقعات، والتي تعرف أسواقنا تجارة كبيرة فيها، فإنّ للشمعة معنى خاص في قلب الجزائريين، بحيث يتم اقتناء هذه الشموع ووضعها في صينية وإشعالها تزامنا مع فترة تناول وجبة العشاء التي تجتمع فيها كل العائلة، مما يضفي على جوّ العشاء حميمية كبيرة واستلذاذًا بهذه المناسبة، فقد ظهرت أنواع جديدة وحديثة للشموع تنقص من نسبة اقتناء الشموع التقليدية، فهي على شكل وردة كبيرة أو تفاحة أو أعمدة باخرة مرصعة بأحجار لمّاعة، أو على شكل أسطوانات زجاجية ملوّنة تجذبك بشكلها المتميّز والمذهل، فهذه الأخيرة عرفت نسبة اقتناء كبيرة وهو ما أكدّه لنا أحد الباعة بسوق ميسوني دائما على أنّ هذه الأنواع جعلت المواطنين يقبلون عليها بكثرة، كما أنّ بعضهم يقوم بأخذها كهدية لخطيبته إضافة إلى قطعة من اللباس، وهو ما يعرف عندنا (بالمهيبة) التي يكون نصيب عروس المستقبل منها محفوظا في هذه المناسبة أيضا. وليبقى أحلى ما في هذه المناسبة كغيرها من المناسبات الدينية كثرة المسرات وزيارة الأهل والأحباب وتبادل أشهى وألذ الأكلات، ونرجو من المولى العزيز الحكيم أن يعيد علينا هذه المناسبة وعلى كل الأمة الإسلامية عامة والجزائر خاصة بألف خير وعافية.