قبل دخول فصل الربيع بأيام، تكثف عمليات التخفيضات الموسمية الشتوية للألبسة التي أضحت من التقاليد الاستهلاكية التي نجحت في فرض مكانتها في المشهد الاستهلاكي الجزائري مؤخرا وبات ينتظرها التاجر والمستهلك على حد سواء بكل شغف، فيما يراها آخرون تظاهرة (وهمية) ومجرد ذر الرماد في العيون· وتعد هذه التظاهرة الاقتصادية حسب الكثيرين فرصة لتصريف المخزونات وتجديد المعروضات بالنسبة للتجار ومناسبة هامة لتلبية مختلف الحاجيات بأسعار يراها عدد من المستهلكين مناسبة ومعقولة· وما فتئت العلاقة التي تجمع الجزائريين بموسم التخفيضات تتدعم وتتأكد من سنة إلى أخرى خاصة وأن فترة التخفيض قد تساهم بشكل ملموس في الضغط على الأسعار بنسبة معتبرة، كما أن التاجر يحقق أيضا نسبة هامة من حجم معاملاته· وحسب الوزارة الوصية فإن المشرع يحتم على كل التجار الجزائريين وحتى الأجانب الحصول على رخصة تمكنهم من تخفيض أسعار سلعهم وهذا لا يتم إلا بعد إيداع طلبات التجار الراغبين في عملية التخفيض لتحديد سلعهم المعروضة للبيع مع أسعارها القديمة والأسعار المخفضة· كما أن عملية البيع بالتخفيض تتم وفق إجراءات محددة مرتين سنويا وتحديدا في شهري جويلية وجانفي، بيد أن الملاحظ أن أغلب التجار يباشرونها طوال السنة من خلال لافتات معروضة على واجهات المحلات التجارية والتي تسيل لعاب الكثيرين ولكنها قد تكون (للتمويه بغرض جلب الزبائن فقط) حسب المستهلكين· وخلال جولة استطلاعية عبر أسواق ومحلات العاصمة لوحظ استخدام التجار للافتات (التخفيضات) على واجهات محلاتهم تحمل (تخفيض 50 بالمائة) و (أسعار مذهلة) و (آخر كلمة) و (كل شيء ب 1000 دينار) و (اشتري قطعة وخذ الثانية مجانا) عبارات خطت لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن للتخلص من الملابس والأحذية وحقائب اليد المتكدسة· محلات تعج بالزبائن نساء ورجال وأطفال، شابات وشباب بصدد اختيار ملابس أو أحذية بأسعار مناسبة ومعقولة·· ارتياح مرتسم على الوجوه للثمن··· أجواء تفوح بها المحلات في موسم التخفيضات الذي طال انتظار البعض له بينما يصفه البعض الآخر ب(التخفيض الوهمي)··· آراء تأرجحت بين السلبي والإيجابي حول التخفيضات وأسئلة لا تزال عالقة عن إمكانية اعتبارها ملاذا لمحدودي الدخل على غرار الملابس المستعملة· لقد أشعلت (التخفيضات الموسمية) هذه الأيام حمى التنافس بين أصحاب المحلات التجارية ففاقت نسبة تخفيضاتهم في بعض الأحيان 60 بالمائة لاسيما ما تعلق بالملابس التي يسعى أصحابها إلى تصريفها بأي طريقة خوفا من كسادها فكسبوا ود الزبون الذي تستهويه هذه العروض التي أضحت الحدث بالنسبة إليه وإن كانت لا تشمل السلع ذات الجودة العالية وهو ما تم الوقوف عليه عند بعض المحلات التي انتهجت هذا التقليد· وعن سؤال يتعلق بمدى استيعاب الجزائريين لفكرة (التخفيضات) أجابت سهام موظفة بالقطاع الخاص كانت تتجول بالمركز التجاري (علي ملاح) بأول ماي بالعاصمة قائلة إن ما يعرف بالتخفيضات مع نهاية كل موسم شتوي أو صيفي (فرصة للذين لا تهمهم الموضة)، مردفة (أنا شخصيا اشتريت مجموعة من الفساتين وسأرتديها وإن كانت موضة الموسم الفارط لأن الموضة لا تهمني فالاختيار هو الأهم بالنسبة لي)· وأوضحت سمية طالبة جامعية كانت متواجدة بالمكان ذاته قائلة (لطالما كنت أقف أمام واجهة هذا المحل أتفرج على حقائب اليد إلا أن أسعارها كانت ملتهبة، إذ فاقت 3000 دينار وبما أنها انخفضت الآن إلى 1800 دينار اشتريت حقيبتين وسأستعملهما حتى الشتاء المقبل)· ووقفت مريم (موظفة) مكتوفة اليدين ثابتة تحدق بعينيها إلى الواجهة البلورية لأحد المحلات بشارع ديدوش مراد والتي زينت بثياب علقت عليها لافتات إشهارية كتب عليها تخفيض بنسبة 50 و60 بالمائة، وعبرت قائلة (جذبتني نسب التخفيض تبدو مذهلة)، معبرة عن فرحتها بموسم التخفيضات لأنه أصبح مناسبة هامة في العاصمة تستعد لها كل العائلات لاقتناء أغلب حاجياتها من ملابس وأحذية وحقائب يدوية وغيرها· وهرولت فتاة أخرى بالدخول للمحل قائلة (للتخفيضات نكهة خاصة رغم أن الأسعار لا تختلف كثيرا عن الأيام العادية لهذا السبب طفت بمختلف المحلات علني أجد ضالتي) فيما علقت السيدة شريفة ربة بيت قائلة (ثلاث بنات وراتب واحد··· التخفيضات منقذي)· ومن جهته أكد رياض أحد التجار بالأبيار بأعالي العاصمة أن السبب الرئيسي للتخفيضات هو التخلص من المخزون الذي بحوزته لكي يتسنى له عرض المنتوج الجديد· فيما عبرت إلهام بائعة بمحل للألبسة الرياضية بالأبيار لإحدى الماركات العالمية المعروفة عن ارتياحها لحلول موسم التخفيض لتتمكن من بيع سلعتها في وقت قياسي، وبالتالي الحصول على السيولة وقالت (التخفيضات أصبحت من تقاليد الجزائريين وتستعد لها مختلف الشرائح العمرية)· وعن الفئة التي تقصد محلات التخفيض أجمع جل التجار أن الخصم في الأسعار تستقطب ذوي الدخل المحدود الذين يتنفسون الصعداء بحسبهم نتيجة هذه التنزيلات في الأسعار، في حين أن الأغنياء لا يبحثون سوى على كل ما هو جديد في انتظار ما سيكشف الستار عنه من طرف شركات الموضة العالمية للموسم الجديد، ولا تلفت انتباههم التخفيضات التي تمس منتوجات الموسم المنقضي· ولا يمكن للتهافت المبالغ فيه من قبل بعض المستهلكين أن يلغي وجود آخرين (كارهين) للانغماس في الأثمان المنخفضة والسيد مختار يؤيدهم بالقول (الواقع أن القدرة الشرائية للجزائري تراجعت في الوقت الذي صار يستهلك فيه على النمط الغربي)· ويضيف المتحدث (بصراحة هذه التظاهرة لا تستجيب لتطلعات المستهلك ولا يختلف اثنان على أن الملابس المستعملة هي الملاذ الأفضل لمختلف الشرائح الاجتماعية)· وببعض من القلق والحيرة تحدث مراد صاحب محل للملابس الجاهزة بشارع حسيبة بن بوعلي عن الفتور والتراجع الذي يشهده موسم التخفيض مقارنة بالعام الفارط رغم أن نسب التخفيض تراوحت بين 40 و60 بالمائة، واعتبر أن المصاريف وتهاطل الفواتير التي أرهقت جيوب المواطن عوامل حولت وجهته، أما أحد الزبائن الذي كان واقفا عند عتبة أحد محلات بيع الملابس بشارع حسيبة بن بوعلي فأفصح أن (كتابة هذه اللافتات مجرد ذر للرماد في العيون لأنها ليست مبنية على قوانين وقواعد تجارية صحيحة ولا تخضع لضوابط ولمراقبة كما هو الحال في الدول المتقدمة) التي لها باع في هذا المجال حيث يصبح فيها هذا التقليد حدثا تجاريا واقتصاديا كبيرا كأوربا ودول الخليج العربي· وأكد شاب آخر بأن أغلب التخفيضات التي يتم الإشهار بها في الأسواق الجزائرية (وهمية وليست حقيقية) وهي تشمل عادة مخزون السلع البالية والتي تفتقد للنوعية، بينما السلع ذات الجودة لا تمسها التخفيضات إطلاقا وهو ما يتنافى مع القواعد التجارية الحقيقية التي تتعامل بها الدول المتقدمة· وبين مستاء ومستحسن لظاهرة التخفيضات بمعناها الحقيقي طبعا فإنه من المفروض أن تظل من التقاليد التجارية الرائدة في البلاد التي من شأنها تنشيط الحركة الاقتصادية وتحريك المعاملات التجارية وتؤدي أيضا إلى خلق حركية في الأسواق الراكدة وتصريف كل السلع المتقادمة لكن على أساس منظومة قانونية تتابعها مصالح التجارة لضمان حماية المستهلك·