جميع من يتجوّل في شوارع العاصمة وبالتحديد شارع ديدوش مراد وأودان تستوقفه ظاهرة غير مألوفة لدى مجتمعنا وهي ظاهرة رسم البورتريهات في الشوارع كمهنة لكسب الرزق وليس كهواية أو مجرد عرض للوحات زيتية· (ب· ل) هي المرأة الوحيدة من بين ثلاثة أشخاص الذين يمتهنون الرسم كوسيلة لسد حاجاتهم المادية، اقتربنا منها وحاولنا الاستفسار أكثر عن هذه الظاهرة وعن أسباب اختيارها للشارع حتى يكون مكان عملها· في البداية لم تشأ الحديث معنا بحجة ضيق الوقت وارتباطها بالعمل ولكن ما كانت سترويه لنا هو الذي كان يؤرقها ويشعرها بالقلق والتوتر، هذا ما كانت عيناها تخبرنا به، ومع إصرارنا ومحاولاتنا المتكررة قررت أن تجيب عن أسئلتنا أو بالأحرى فضلت أن تسرد لنا قصتها في مدة قصيرة وهذا كان شرطها· هي فتاة من الجنوب الجزائري بدأت العمل كرسامة في شوارع العاصمة منذ ثماني سنوات، فبعد خروجها من مركز الطفولة المسعفة وبالضبط عندما أطفأت شمعتها التاسعة عشر، وجدت نفسها وحيدة في هذا العالم لا أسرة تحميها ولا مكان يأويها سوى الشارع الذي احتضنها بين ثناياه المليئة بالخوف والمخاطر والآلام وهذا ما عاشته (ب· ل) وكانت ثمرة خروجها إلى الشارع صبي ضعيف زاد من محنها· تقول (ب· ل) بدأت الرسم حينما كنت في مركز الطفولة المسعفة، فالرسم كان الوسيلة الوحيدة للتعبير عن شعوري وعن آمالي وتفاؤلي بالمستقبل مواساة لنفسي، ولكن منذ أن وطئت قدماي الشارع صدمت بالواقع المرّ والصعب وهذا ما جعل موهبتي تتحوّل إلى عمل أكسب به بعض المال الذي يساعدني على تربية ابني وتغطية مصاريفه· ثم توقفت (ب· ل) عن الكلام قليلا وثارت فجأة تقول بصوت مرتفع (سئمت من لا مبالاة من بإمكانهم مساعدتي، سئمت من نظرة الاحتقار التي ينظرو إليّ بها بعض الأشخاص المنحرفين والفاسدين، سئمت من عمليات السرقة التي أتعرّض لها، سئمت من الحفرة ومن كل أنواع التهميش لكني والحمد للّه أنا قوية وكل ما أتعرّض له من مواقف جديدة يزيدني صلابة، فأنا مصممة على الحفاظ على شرفي وعملي الشريف مهما واجهتني الصعاب والمشاكل· استوقفت (ب· ل) وسألتها عن لوحاتها قليلاً وعن الكيفية التي ترسم بها فأجابتني أنها ترسم جميع لوحاتها بالقلم الرصاص فهي تفضل كثيرا اللونين الأبيض والأسود لأنهما في نظرها يمثلان الصراع الدائم بين الخير والشرّ وبين التفاؤل والتشاؤم، فهما يمثلان طبيعة حياتنا اليومية· أمّا عن زبائنها فهي تقول إن أغلبيتهم من الجزائر العاصمة وضواحيها، وبهذا الصدد تقول (ب· ل) لديّ زبائني الأوفياء والحمد للّه هم دائمًا يحبون عملي وترضيهم لوحاتي فهم يقولون لي نحن نرى وجوهنا في لوحاتك كما نراها في المرآة وهذا حقا يفرحني ويشجّعني على الإبداع والعمل أكثر)· أما عن سعر لوحاتها فهي ترى أنها معقولة وفي متناول الجميع فهي تتراوح ما بين 800 دج إلى 900 دج وهذا الاختلاف يعود إلى سعر الأدوات المستعملة في رسم لوحاتها على حد قولها· وعند هذا الحد تستوقفنا هذه المرة (ب· ل) بحجة ارتباطها بعمل وعليها إتمامه· ولم تجبنا عن بقية أسئلتنا وعن كيفية وتفاصيل رسمها ففضلنا أن نطرح عليها سؤالا أخيرًا وهو المتعلق بطموحها وماهي رسالتها كفنانة إلى كل من يحب الفن ويمكن منحها يد المساعدة لكنها لم تجبنا أيضا بل اكتفت فقط بابتسامة صغيرة ثم انصرفت، فكانت تلك الابتسامة تشبه ابتسامة طفلة صغيرة كان وجهها يزين لوحات (ب· ل) الموضوعة فوق كرسي عمومي وسّط شارع ديدوش مراد، فهذه اللوحة نالت إعجاب كل من توقف لمشاهدة إبداع (ب·ل) ربّما لأنها استطاعت أن تحرّك فينا إحساسًا بالحب والجمال وبراءة الطفولة·