من المعروف أن الزواج عبء ثقيل على كل شاب وفتاة، حتى أنّ المقبل عليه لا بد له من عمل وسكن ومال على الأقل حتى ينوي دخول القفص الذهبي، لكن آخرين لا يتحرجون من أن يقدموا على الزواج دون توفر ولا شرط من تلك الشروط. ارتفاع نسبة البطالة وازدياد العنوسة جعل بعض المعايير تتغير، وجعل البعض من النساء خاصة يسقطن شروطا كثيرة، بل كل الشروط أحيانا، ولا يهمهن إلاّ الزواج والاستقرار، أمّا الشباب كذلك فلا الجمال ولا النسب صار يهمهم بقدر ما يهمهم مال المرأة، وكونها تمتلك بيتا وعملا. الظاهرة انتشرت كثيرا خاصة في السنوات العشر الأخيرة، ولو أنّ فيها بعض المحاسن من مثل أنّ المرأة لم تصبح مكلفة، وصارت ترضى بالقليل، ولا تشترط على الرجل تلك الشروط التعجيزية، التي تجعله أما يوافق فيضحي بكل ما يملك، او رفض فلا هو ولا هي تزوج، أما مساويء الظاهرة، فهي أنّ بعض الرجال استغلوا الموقف، وراحوا يتحايلون على بعض النسوة اللائي بلغن سنّ العنوسة او كدن، ويكن بطبيعة الحال مرتاحات ماديا، يوهمهن بعض الشباب بحبهم لهن، او بتعلقهن بهن، قبل أن يصارحوهنّ بعجزهم المادي، ما يجعل الفتاة تفعل كل شيء للهروب من شبح العنوسة، والقبول بكل طلبات الشاب، حتى لو كانت غريبة، من مثل أن تدفع له أموالا، او تتكلف بكل مصاريف الزواج، بل توهم أسرتها وأقاربها أحيانا بأنه من دفع تلك المصاريف. وهو ما فعلته راضية، والتي عانت طويلا من أسرتها التي كانت تفرض على كلّ من يتقدم لخطبتها طلبات تعجيزية، كما لو كانوا يريدون بيعها، لا تزويجها، وهو ما جعلها تتفق مع شاب، وبعد أن تقدم إلى أهلها، اتفقت معه على أن تدفع له بعض الأموال ليشتري بها حليا ويدفع المهر، وغير ذلك، ورغم انه رفض في البداية، تقول لنا، إلاّ أنه انتهى بأن وافق على الأمر، وتضيف قائلة:" في النهاية فان المال لا يصنع الحياة السعيدة، وأوّل شيء أن يكون الزوجان على اتفاق ووئام، قبل أن تدفع المهور الغالية، والتي لا طائل منها، فلا بد على الأسر تفهم ذلك، فان زوجي ومنذ سنة تقريبا من زواجنا تمكن من أن يدفع لي كلّ ما أعطيته له، وأصر على ذلك رغم امتناعي، وهي شهامة لن أنساها له، وحمدت الله كثيرا على أنني لم انتظر حتى يأتينا ذلك الفارس الغني التي كانت أسرتي تتمناه لي، وتنتظره لكي يوزع عليها الأموال الطائلة، لهذا أرجو من كل أسرة أن تتفهم أمور الزواج، فالله يسر فيه، ودعا إلى ذلك، فلما يصر الإنسان على إعاقة أمور مثل هذه". وان كانت راضية قد وجدت شخصا يحبها فعلا، ولم تكن له نوايا سيئة فان غيرها فقدن كلّ شيء، بما في ذلك أموالهن وأسرهن، بسبب تسرعهن، وحلم تحقيق زواج، ولو كان ذلك في ظروف غامضة، ومنهن فادية، والتي تعرفت إلى شاب يعمل معها، بل يعمل تحت إمرتها، حيث كانت مديرته، ولما علم أنها بلغت سن معينة دون أن تتزوج، ولما يعلمه من أمر ثروتها، راح يتقرب منها، ويتحبب إليها، وكلّ ذلك حتى يقنعها بالزواج به، ومن ثمّة يأخذ كل ما لديها، ولما يتخلص منها، وهو ما فعله، تقو لنا "ن" انه تقمص دور الشاب الفقير، الذي لا يملك إلاّ كرامته ومبادئه، وراح يبدي لها تعلقه بها، ثم يخبرها بأنه لا يستطيع الزواج بها لأنه لا يملك أموالا، بل لأنه وبالإضافة إلى ذلك، مدين لأشخاص بأموال، لا بدّ عليه أن يسددها في البداية قبل أن يقرر الزواج، فأبدت له نيتها في أن تسدد له تلك الأموال ويتزوج بها، ثم ترقيه في منصبه، ويعطيها ما دفعته له على فترات، فقبل بعد تردد مصطنع، ومنحته أكثر من مائتا مليون سنتيم، قبل أن تكتشف انه ما فعل ذلك إلاّ ليستولي على مالها، فبعد أسابيع من زواجهما، راح يطالبها بان تعطيه أموالا أكثر، وعوض أن يدفع ما عليه اتجاهها، راح ينفق بتبذير واصراف، وساءت أخلاقه، او ظهر على حقيقته، حتى انه عيرها يوما بسنها، وهددها إن هي توقفت عن منحه مالا، طلقها وشوه سمعتها أمام أسرتها ومعارفها، فصبرت على تلك الحال مدة سنة، قبل أن تقرر التخلص منه، ومن تهديداته واستفزازاته التي لا تنتهي. وقد تعود هذه الآفة بالضرر على الرجل لا على المرأة، خاصة عندما يفكر فيها طالب شاب، والذي عادة ما تكون فكرة الزواج بعيدة عنه، هو الآخر صار يفكر في أن يرتبط بامرأة تكون ثرية، حتى يسلبها مالها، او على الأقل يعيش بما تجنيه من عملها، وهو ما فعله الياس، الشاب صاحب الرابعة والعشرين سنة والذي تعرف على أخت زميلته في الدراسة، فاقترح عليها الزواج، وكان صريحا بان قال لها أنه ينوي بذلك الاستقرار في العاصمة، ورغم أنها تكبره بعشرة سنوات كاملة إلاّ أنها وافقت على الأمر، ولم يصرف على الزواج ولا على الإقامة ولا دينارا واحدا، بل كان كل عمله أن يدرس في الصباح ويسهر في الليل، وهكذا، وحتى بعدما أنهى دراسته، لم يبحث عن عمل، وكيف يفعل وكان كل شيء متوفرا لديه، إلى أن سئمت زوجته من تلك الحياة، فطلبت الانفصال عنه، وطردته من البيت الذي، ولحسن حظها،كان باسمها، ليعود الشاب منهكا إلى قريته التي جاء منها، لا عمل ولا مال له، لا يملك إلاّ شهادة تحصل عليها منذ ثلاث سنوات لم يستفد فيها ا من خبرة ولا شيء